mildin og amning mildin creme mildin virker ikke">
كمواطن فلسطيني عادي، وخلال معايشتي لحياة المجتمع من مختلف جوانبها ومنها السياسية، دائماً ما كان يلفت انتباهي مفهوم "المعارضة"، حيث شاع استخدام هذا المفهوم في السياق الفلسطيني، خاصة بعد اتفاقية اوسلو وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية اواسط تسعينيات القرن الماضي، وانتقال ثقل العمل السياسي والتنظيمي الفلسطيني الى داخل الاراضي الفلسطينية، وما تبع ذلك من رفع غطاء السرية الذي كان يغلب على العمل السياسي والتنظيمي خاصة لعموم الاحزاب والفصائل الفلسطينية التي اصبحت تعمل بصورة علنية أو شبه علنية على الاقل. اضافة الى الاتحادات القطاعية والمؤسسات والهيئات المجتمعية، والمجلس التشريعي والهيئات المحلية.
مع هذا الانتقال اصبح من السهل على من يرغب متابعة مشهد العلاقات، المتغيرة والمتبدلة، بصورة سريعة، سواء بين الاحزاب والفصائل الفلسطينية المختلفة، او حتى في اطار الحزب الواحد نفسه. وكذلك الحال بالنسبة للهيئات والمؤسسات المختلفة. ومع انتشار فكرة الاعتماد على الانتخابات كوسيلة من اجل اختيار الهيئات والمؤسسات القيادية في مختلف الاطر والهيئات، وزيادة الاحتكام الى صندوق الاقتراع كفيصل بين كل الاشخاص والجهات المتنافسة للوصول الى مراكز القيادة وصنع القرار الخاص والعام وفي مختلف المجالات. وبالكلام العامي فانه بات بمتناول المواطن العادي، وبقليل من التركيز متابعة ما يحصل، حتى في "الكواليس والدهاليز" الضيقة للعمل الاداري والتنظيمي، وعلاقة ذلك بالقضايا والمواقف السياسية في سياق التنافس والمنافسة على مواقع صنع القرار. بل وربما صار بإمكان الكثيرين تحليل السلوك المتوقع لطبيعة العلاقات والتحالفات السياسية، والاشخاص ودوافعهم وطبيعة علاقاتهم والاطر التي يعملون فيها، منافستهم لبعضهم البعض، او تحالفاتهم، وكيفية التمييز بين المصالح الخاصة الضيقة والمصالح العامة... وغيرها الكثير من التفاصيل التي اصبحت شبه متاحة امام عامة المواطنين.
بالنسبة لمفهوم "المعارضة" فانه بات واضحاً ان هناك اتجاه عام سائد او مسيطر، سواء في الاطار الوطني العام، او في الاطار التنظيمي الخاص بكل فصيل او حزب سياسي او هيئة ومؤسسة. يقابله ويقف على خط متوازي معه اتجاه آخر يقف في معظم الاحوال في موقف الرافض لأفكار وتوجهات الاتجاه السائد ويطلق عليه في الغالب لقب "المعارضة". وبدون الدخول في تفاصيل المشهد السياسي فان المعارضة عموماً تقف في خط مستقيم يبدأ احد طرفيه من تلك المعارضة التي تنطلق من اعتبارات ومصالح فئوية او شخصية ضيقة وينتهي عند الطرف الآخر بالمعارضة التي ترتكز الى رؤى ومبادئ وتوجهات. وتتوزع بقية انواع واشكال المعارضة، اذا جازت لنا التسمية، وتجد لها مكاناً او تصنيفاً في موقع او نقطة معينة على هذا الخط المستقيم، قريبة او بعيدة عن احد طرفيه. وهكذا انتشرت لدينا في السياق الفلسطيني الكثير من التسميات او المسميات فهذه معارضة "داخلية" وتلك "خارجية"، هذه معارضة "واقعية" وتلك معارضة "عبثية"، هذه "مبدأية" وتلك "مصلحية"، هذه "معتدلة" وتلك "متطرفة"... الخ من التسميات التي اعتقد انها باتت منتشرة ومعروفة الى حد كبير في واقعنا السياسي والاجتماعي عموماً.
لكن ما لا يلاحظه الجميع هو ذلك المتغير الشكل من "المعارضة"، وهي باعتقادي هي ذلك النوع الذي يحتفظ لنفسه بحرية الانتقال من خط المعارضة الى الخط الموازي له تماماً، وبالعكس وفقا لنتائج الانتخابات أو صندوق الاقتراع. باختصار هي ذلك النوع الذي يساير التوجه العام وفي اطار الهيكل الاداري والتنظيمي داخل الحزب والمؤسسة والهيئة، ويقبل بمجريات الامور وتطورها وصولا الى عملية الانتخاب. فاذا جاءت الانتخابات في صالحه فإنه يحافظ على موقعه وموقفه طالما انه وصل الى مركز صنع القرار، اما اذا جاءت الانتخابات في غير صالحه فانه سرعان ما يقفز الى الخط الموازي تماماً، ويتقمص دور المعارض، طبعاً دون ان يتمكن حتى من تحديد موقع محدد له على خط المعارضة، ويتنقل ذهاباً واياباً بين محوري هذا الخط. وفي كل الاحوال فان تركيز هذا النوع من المعارضة ينصب على البحث عن عيوب في النظام والمنهج والادوات من اجل تبرير خسارته، يبحث ويشير الى كل شيء، او أي شيء وعيوبه دون ان يواجه نفسه مرة واحدة بالسؤال عن اسباب خسارته بالبحث في عيوبه هو.
خلاصة القول ان هناك اشكالية ومعضلة كبيرة لا زالت قائمة في سلوكنا السياسي خصوصاً، وهي اشكالية في التقبل والقبول بالنتائج، والاحتكام الى الحكم الذي نقبل وننادي به جميعاً كحكم ومرجع بيننا، الا وهو الانتخابات واللجوء الى صندوق الاقتراع في اللحظات والمحطات الفاصلة. فهل يصعب علينا "التنازل" عن مواقع صنع القرار، والقبول بمبدأ "تداول" السلطة؟! لا زلت اتذكر ايام الطفولة حينما كنا نتجمع كأطفال في احدى ساحات الحارة للعب، وفي بعض الالعاب كنا نتفق ان تقوم المجموعة بإصدار حكم معين على "المغلوب" في تلك اللعبة، وبالطبع كنا نتمادى كأطفال في الحكم على المغلوبين منا، بل وكنا احياناً نقتص من بعضنا البعض، ونمارس الحكم بقساوة على زملائنا حين يأتي دورنا لنكون حكاماً عليهم عندما يكونوا في موقع المغلوب، وكان بعض الاطفال يصرخ عالياً ويعلن انسحابه من اللعب حين تظهر النتيجة، او تميل في غير صالحه، وبعضنا كان يبكي، ربما من اجل جلب التعاطف والغاء الحكم عليه. كنا نناكف ونعاير بعضنا البعض بنوع من اللعب حتى بعد انتهاء اللعبة. ولأننا أدركنا في طفولتنا انه مهما تكون نتيجة ذلك اليوم من اللعب فإننا سوف نلتقي في اليوم التالي، نفس الاطفال وفي نفس المكان لنلعب من جديد وعلى الاغلب نفس الالعاب، فذلك هو الاطار المتوفر لنا. لكن مع توالي الايام وتجارب اللعب كنا في كل يوم نضيف جديداً الى شروط وظروف اللعب، اما اهم ما تعودنا اضافته في افتتاح اللعب في اليوم التالي فهو الاتفاق على قاعدة: "ممنوع البكاء، ممنوع الانسحاب من اللعب". فهل نتذكر جميعا اننا لعبنا بنفس الطريقة وربما نفس الالعاب وفي نفس السياق؟! أم أن للحياة السياسية شروطا وظروفاً مختلفة؟!
نبيل دويكات
رام الله-29 تشرين ثاني 2016