المؤتمر السابع لحركة فتح... وسياق البحث عن الشرعيات "المتآكلة"
انصب معظم اهتمام وتركيز الرأي العام في المجتمع الفلسطيني على المؤتمر العام السابع لحركة فتح، وانخرط المجتمع الفلسطيني في نقاش وجدل واسع في كل المحافل والمجالس، وعبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة، وشمل الجدل تفاصيل التفاصيل المختلفة المتعلقة بالمؤتمر.
انخرط كذلك السياسيون والكتاب والمحللون والاعلاميون، المؤيدون والمعارضون، المرشحون وغير المرشحون للهيئات المختلفة التي سينتخبها المؤتمر، فصائل ومؤسسات ومواطنون عاديون الكل يدلي بدلوه يناقش ويكتب ويحلل في مجالات اهتمامه وتركيزه. وحتى لا تأخذنا هذه التفاصيل الكثيرة فانه لا بد من تركيز العناوين الرئيسية وتصنيفها سواء المتعلقة بحركة فتح، او تلك المتعلقة منها في علاقة الحركة بالأطر والهيئات والتنظيمات المختلفة في المجتمع الفلسطيني، او تلك المتعلقة باستحقاقات ومتطلبات مواصلة النضال الفلسطيني من اجل تحقيق آمال وتطلعات الشعب عموماً في تجسيد دولته المستقلة، وتوفير كل متطلبات وعوامل النجاح لهذا النضال.
في اعتقادي ان هذا الزخم والاهتمام بالمؤتمر العام السابع لحركة فتح نابع اساساً من القوة التي يمتلكها ويكتسبها مفهوم "المؤتمر العام" ليس في المجتمع الفلسطيني عموماً فحسب، وانما في عموم المجتمعات، حيث يعتبر هذا الشكل من التنظيم تعبيراً عن حالة ديمقراطية تمثيلية لأوسع قطاعات المجتمع وفئاته وشرائحه المختلفة في رسم وتحديده مساره ومستقبله في مختلف مجالات الحياة، وربما هو الشكل البديل الاكثر ملائمة للمجتمعات الحديثة الواسعة للتعبير عن ديمقراطية مساهمة كل المجتمع في تقرير مصيره عن طريق الاجتماع العام لكل المواطنين، كما هو متعارف عليه في التاريخ باسم "ديمقراطية أثينا".
المؤتمر العام اذن هو اعلى سلطة في أي حزب او مؤسسة او جمعية او نقابة واتحاد ... الخ من الهيئات المجتمعية، هو من يحدد الغايات والاهداف، السياسات والتوجهات، وآليات العمل وطرق تحقيق الاهداف وينتخب الهيئات التنفيذية، والتي تتولى بدورها ووفق اختصاصاتها اشتقاق البرامج والمهام وطرق وآليات وأدوات العمل المناسبة التي تضمن حسن التنفيذ حتى انعقاد الدورة القادمة، ويحدد المؤتمر بالطبع آليات المتابعة والمحاسبة وضمان حسن الأداء.
كمواطن عادي ارى انه في ظل وضع عام سائد، تتراجع فيه "الشرعيات" المختلفة وتتآكل مع مرور السنوات، وهو ما يفقدها قوتها التمثيلية شيئاً فشيئاً، سواء المجتمعية العامة، كالمجلس الوطني الفلسطيني مثلاً والتشريعي، وحتى لدى الكثير من التنظيمات والأحزاب والجمعيات والمؤسسات والهيئات، انما يأتي الاهتمام تعبيراً عن "تعطش" جماهيري نابع أساساً من قوة الرغبة في البحث عن مكان للإنسان الفرد، المواطن، وحقه في المشاركة والمساهمة في تقرير مصيره ورسم مستقبله، ويأتي في سياق عملية بحث عن الشرعية "المتآكلة" والتي لا يساهم "تآكلها" الا في زيادة مساحة وحجم الاحباط والتراجع العام، والانقسام، سياسياً ومجتمعياً حتى يكاد يصل لدرجة انقسام الفرد حتى عن اصغر حلقات "الجماعة" التي يعيش فيها، وليس مبالغاً القول انه يصل احياناً الى حد انقسام، او انفصام، المواطن عن ذاته وواقعه.
خلاصة القول انه اذا كان حجم ومدى التفاصيل التي يجرى تداولها ونقاشها حول وعن المؤتمر العام السابع لحركة فتح يشير الى مدى الاهتمام، سواء من المؤيدين او المعارضين داخل حركة فتح وخارجها، فان ذلك إنما يشير الى مدى شوق وتعطش المواطن الفلسطيني، فردياً ومجتمعياً وما بينهما من حلقات ودوائر مجتمعية الى الحق الاساسي للإنسان في تقرير مصيره والمشاركة في رسم مستقبله، وهو أمر لم ولن يتحقق الا بإعادة تجديد الشرعية لكل الهيئات والمؤسسات التمثيلية التي اصبحت باهتة الشرعية والتمثيل.
نبيل دويكات
رام الله-5 كانون أول 2016