ميس البرغوثي/1132173
لا أعلم هل أنا حقاً أتمنى ما هو خارج عن المألوف, ولا يتعلق بأي ناحية واقعية وحقيقية؟ أم هل من الأساس يحق لي أن أتمنى كمثل هذه الأمور؟
رجوت الله يوماً أن يمنحني فرصة أخيرة لعناق ذاك الميت, رجوت منه السماح لي بقبلة أخرى, خارج الكفن الخشبي, الذي التصقت به قبلات الكثير, و حفرت عليه دموعهم آلاف النقوش المتدملة بالوجع القذر, والمليء برائحة الموت المتعفنة و ندم البعض.
من الطبيعي جداً أن لا يحصل رجائي وآلاف الأمنيات التي تماثله لذات الميت, ليس كرهاً من الله, ولكن بيد أنني خالفت حدود المنطق, مع هذا كله واستيائي الشديد من الواقع, ما زاد الوضع استياءً قراءتي لظاهرة تسمى "الإلتماس الروحي", ظاهرة لا أعلم مدى صحتها وما أساس وجودها, إلا أن من تعلق بروح أصبحت في حضرة بارئها, يصدق بلا وعي, مع العلم أنها لم تحصل لي يوماً, ربما لم يعد يشتاق أو ربما لم يكن اهتمامي كافياً.
حقاً كانت الحبال تناسبه, فهو لم يتأرجح صغيراً و لم يبقها في غرفة أمنياته, فلعبها كبيراً بطريقته الفريدة. كان الجميل رغم وجهه الشاحب, العفوي بتلك الإبتسامة المصطنعة, الأنيق رغم لباسه المهترئ, الشجاع رغم ضعفه, راجح العقل رغم غبائه الذي أتعسنا, و الكريم بعيداً عن تصرفه اللئيم الذي شل أقدامنا, هو أكبر من أن ينسى, أعظم من أن يُذكر بجلسات عابرة في قهوة البلدة بين شاب احتضن بؤس الحياة , و رجل يفقه بأمور الدين, أو ربما هي ليست سوى صفة منا نظراً لارتدائه تلك العباءة, و حمله لشعر الذقن الذي سيصل لركبتيه في آخر كل شهر.
أقول لهم ان ميتي استثناء, و لا يمكن أن يكون موضوع حديث أمثالكم, في يوم مللكم, ضعوا رؤوسكم في لوحة الشطرنج و اسكتوا, أفضل لكم من تفسير إن كان الإنتحار يقود فاعله للنار أم أن الرب جداً غفور ليتغاضى عن هكذا فعل, اهدأوا لستم على العرش.
مولانا, لا أريد عناقاً كما قلت في إحدى صلواتي التي طالما فعلتها لنفس الرجاء, ولا أريد أي قبلة, فواحدة مني و أمامي إطار خشبي يحتضر, وعويل نساء تخترق جدار الأذن كإدخال إبرة بشكل سريع من حاقد, كانت كافية, فلن أحظ بهذا الجو الدرامي يوماً,و لكن جل ما أريده قوة لمنع قُبلٍ أخرى عندما تقف أمامي مواجهة, لكي لا تمتزج القبلتين, فلا أتذكر الميت ولا قبلتي له, و ذاكرة قوية تأبى التفاوض مع النسيان, كافية لتذكر جسد يلوح به الحبل برقة, ولون وجه أزرق مائل للسواد. و كأن السماء انطبعت به في ليلة شتاء عند ساعة الغروب.
مولاي امح الحدث من ذاكرتي من فضلك, فأنا لم أعد أصلي.