تزاحم الاحداث بين الاقليمي و الوطني جعلني انتقل من مقال انجزت اكثر من نصفه حول الوضع الاقليمي الى الكتابة عن الانجاز السياسي في مجلس الامن .
تفاوتت ردود فعل الشعب الفلسطيني على قرار مجلس الامن الخاص بالاستيطان بين الفرح الغامر و التساؤل المشروع حول مدى التأثير و فيما اذا كان مصيره كباقي القرارات ,, بمعنى ماذا بعد اليوم التالي للقرار ؟
و لعل ما سبق التصويت من حالة الاحباط التي سادت بعد قرار مصر سحب مشروع القرار دون مشاورة شركاء الصياغة - الفلسطينيون - و من قدم المشروع باسمهم - المجموعة العربية - اثرت بشكل كبير على تقييم الموقف ,, و قد ارتكبت القيادة المصرية خطأ جسيما بسحب المشروع رغم الاصرار القلسطيني و الدول المساندة في مجلس الامن على طرحة و جاء ذلك نتيجة لضغوط مزدوجة من نتنياهو و الرئيس الامريكي المنتخب ( دونالد ترامب ) هذه الضغوطات التي اتت اكلها و حققت الغاية فسحب القرار ,, الا ان رباعية دولية تشكلت سريعا و خيرت مصر بين المضي في المشروع او قيام الرباعية ( فنزويلا و السنغال و ماليزيا و نيوزيلندة ) بتغيير اسم مصر على ديباجة نفس القرار و تقديمه باسم الدول الاربع ,, و هذا ما حصل و و جائت النتيجة ب 14 صوتا و امتناع الولايات المتحدة عن التصويت .
ساتناول بشكل نقاط اهمية القرار ,, ثم ما المطلوب للاستفادة منه و بشكل ملخص :
- بعد حالة الاحباط الفلسطيني من المشاريع السياسية و تصلب دولة الاحتلال و تلاشي امكانية حل الدولتين جاء القرار الاممي بضرورة تطهير حدود ما قبل عام 67 من المستوطنين في اي حل سياسي ,, اي ان احد اهم قضايا الحل النهائي قد تم البت فيه دوليا .
- القرار يتناول الاراضي الفلسطينية كوحدة كاملة تشمل جميع الاراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية و عدم شرعية المستوطنات في كافة ارجاءها .
- القرار يتحدث باثر رجعي ,, اي عدم شرعية المستوطنات منذ العام 67 .
- القرار يتحدث عن المستقبل بوقف كافة الاعمال الاستيطانية من حيث المستوطنات الجديدة او البناء فيما هو كامل ( بعكس ما كان متفق عليه خلال المفاوضات بما يسمى البناء العمودي و التوسع الطبيعي للمستوطنات ) .
- هذا القرار لم يكن ليحصل على هذا التأييد الا في هذه الفترة الحساسة و التي يتم فيها انتقال الحكم في الولايات المتحدة مما سهل انتزاع القرار,, و اي تأخير كان سيطيح بكافة الجهود .
- اعطى القرار قيودا جدية و حقيقية على ادارة ترامب التي صرحت بدعم الاستيطان و من المتوقع ان تدعمه بشكل كبير ,, الا ان هذا القرار يضع ترامب في مواجهة العالم باكمله فيما لو فعل .
- التركيز في القرار على القدس الشرقية و عدم شرعية الاستيطان فيها يشكل لطمة قوية لتهويد المدينة و عدم اعتراف العالم بها كعاصمة و يؤثر بشكل كبير على وعود ترامب بنقل السفارة اليها .
- اوضح القرار ان الشعب الفلسطيني ليس يتيما بل ان هناك دول كثيرة في المجتمع الدولي تدعم الشعب الفلسطيني و تتبنى مواقفه بشكل مبدأي حتى لو اثر ذلك على مصالحها الاقتصادية و السياسية كفنزويلا و السنغال اللتان هددتا بشكل مباشر من قبل دولة الاحتلال و مع ذلك استمرتا بالموقف .
- هذا القرار يعزز حركة ال (B.D.S) للمقاطعة و سحب الاستثمارات و فرض العقوبات على الاحتلال و يسهل عمل المجموعات العاملة في العالم لتطبيق هذا على الاحتلال و كذلك التزام العالم بالكامل مع منتجات المستوطنات بالمقاطعة الشاملة و التي عمت الكثير من دول العالم ,, و يصبح قرار حجب و وشم بضائع المستوطنات شرعي و مستند للقانون و الشرعية الدوليين .
- يعزز القرار مقاومة الاحتلال و يعطي الشرعية لمواجهة المستوطنين باعتبارهم غير شرعيين و دخيلين على الارض الفلسطينية ضمن قرار اممي ملزم .
- يعطي القرار الفرصة للدبلوماسية الفلسطينية للاستفادة من القرار مضافا الى قرار محكمة لاهاي حول الجدار و البناء عليهما .
- يأتي توقيت القرار بفترة هامة حيث اقرت الكنيست ( مشروعية ) البؤر الاستيطانية و تحويلها لمستوطنات و الاعلان عن آلاف الوحدات الاستيطانية و هذا القرار يسهل التصدي لهذه المشاريع .
- اخيرا تكمن اهمية القرار بالتزامن مع التحولات الدولية من الخروج من احادية القطب الامريكي الى تعدد الاقطاب مما ينهي احتكار امريكا لمفاتيح السلم و الحرب في المنطقة ,, و كذلك فشل مشارع الدول الدينية المتشددة في الاقليم مما ينعكس بشكل كبير على المطالبة با( الدولة اليهودية ) .
اعتقد ان ما تقدم من النقاط الهامة التي تجعلنا نقيم ايجابية القرار و التعامل معه و ربما هناك نقاط اخرى لم اذكرها هنا ,,, و يبقى السؤال : كيف نتعامل مع القرار لنحقق النجاحات ؟
القرار ممتاز فيما لو اجدنا الاستفادة منه و دمار فيما لو فرطنا به ,,, و لا يجب ان يستعمل لتحسين شروط التفاوض بل يجب ان يكون اساسا الى ان لا مفاوضات باستمرار الاستيطان و التركيز على الاستفادة من التدخل الدولي المباشر بالقرار الامر الذي يدعم وجود حاضنة دولية و غطاء و اشراف دوليين على الحلول و البعد عن المفاوضات المباشرة بل و فرض الرؤيا الدولية على الحلول ضمن قرارات الشرعية الدولية ,, كذلك لا بد من تسخير القرار لزيادة وعي و ايمان الشعب بالقدرة على التأثير و التغيير و مواجهة و تحدي الاحتلال بعد محاولاته كي الوعي الفلسطيني و تعزيز ايماننا بالفشل و العجز ,, سيما و ان هذا القرار يشبه كثيرا قرار محكمة لصالح المشتكي بهدف تحصيل حقوقه .
و اخيرا و حتى لا نضيع الانجازات و الجهود فمن المؤكد ان هذا الهجوم السياسي سيكون له هجمات ارتدادية من حكومة نتنياهو تتعلق بالضغوطات الاقتصادية و السياسية على السلطة يرافقها دعم امريكي من ادارة ترامب كما صرح هو نفسه بذلك ,, و للتصدي لهذه الهجمات فلا بد من امور ثلاث يجب ان تتحقق و بضرورة قصوى :
- الوحدة الوطنية و انهاء الانقسام .
- اعادة صياغة البرنامج الوطني الشامل و الموحد .
- اعادة وضع المخططات الاقتصادية ضمن رؤيا جديدة تضع برنامج اقتصاد مقاوم يدعم صمود الشعب و يؤهل لمواجهة الضغوط الاقتصادية .
نحن بعد القرار في بداية الطريق و ليس نهايته و لا بد من الجهود الكبيرة المطلوب بذلها على كافة المستويات ,, و هنا لا نتحدث عن تفاؤل او احباط ,, او المبالغة في النصر او الاحساس بالفشل و العجز ,, و لكننا حصلنا على قرار تاريخي يثبت الحق الفلسطيني و يجرم الاستيطان و التهويد مما يحتم العمل الجاد لقلب الحبر على الاوراق الى حقائق على الارض .
مبروك لكل الشعب الفلسطيني اينما وجد فقد تحقق اقرار دولي بجزء من الحل و الدرب ما زال طويلا ,, فاشحذوا الهمم ,,
سامر عنبتاوي
24-12-2016