كان قد توقَّع تقاعداً هادئاً مريحاً. لكنَّ الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 قضى على توقُّعاته.
اعتقد الرئيس باراك أوباما، الذي يغادر البيت الأبيض في العشرين من يناير/كانون الثاني 2017، أنَّه كان في سبيله نحو تسليمٍ سلسٍ للسلطة، يعقبه أسبوعان من النوم، وعطلة مع زوجته ميشيل، والكثير من لعب الغولف.
وقال في مقابلةٍ مع مجلة ذا نيو يوركر نُشِرت في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2016: "أعتقد أنَّ كلينتون لو كانت فازت بالانتخابات، كنت حينها سأسلِّم مقاليد السلطة بسهولة".
وأضاف: "كنَّا سنتأكد من نقل السجلات إلى الأرشيف الوطني، ثم نمضي".
لكن دونالد ترامب غيَّر كل ذلك.
ستكون سنوات أوباما القليلة المقبلة أكثر صعوبةً مما تصوَّر، فالسير على خطى سلفه السابق جورج بوش الابن بأن يحظى بتقاعدٍ هادئ، يرسم فيه اللوحات بالألوان المائية، لم يعد خياراً.
وكان الرئيس المُنتهية ولايته قد أعلن قبل الانتخابات أنَّه سيمكث في واشنطن، حتى تنهي ابنته الصغرى، ساشا، سنوات دراستها في المدرسة عام 2019. وستعيش أسرة أوباما في حي كالوراما، في منزلٍ على الطراز التيودوري الإنجليزي يستأجره من السكرتير الصحفي للبيت الأبيض في عهد بيل كلينتون، وستكون أسرة أوباما هي الأسرة الرئاسية الأولى التي تقرر المكوث في العاصمة منذ كان وودرو ويلسون رئيساً.
وبعد أن كان يتوقَّع أن يحصل على دورِ "رجلِ دولةٍ" هادئ في وقتٍ من الأوقات، صار الآن من المُرجَّح أنه سيكون أكثر انخراطاً في الحياة السياسية مما كان قد توقَّع، هذا بالنظر إلى كلٍ من أجندة سياسة ترامب المثيرة للجدل، وتعثُّر الحزب الديمقراطي بعد خسارة كلينتون.
قال أوباما: "بصفتي مواطن أميركي أكترث بشدةٍ لأحوالِ بلادنا، إذا كانت هناك مسائل تتعلَّق بخصوصيات بعض مشاريع القوانين أو المعارك التشريعية، أو تتطرَّق إلى التشكيك في جوهر قيمنا ومُثُلنا، وإذا اعتقدتُ أنَّه من الضروري أو المفيد بالنسبة لي أن أدافع عن هذه المُثُل، سأتصدى لها آنذاك".
ولفت إلى أنَّه أراد منح ترامب الفرصة لتطبيق أجندته "دون أن يشوِّش عليه أحد" في كل مناسبة. لكنَّه أشار إلى أنَّ صمته قد يكون له حدود.
وقال كذلك إنَّه أراد المساهمة في تنشئة الجيل القادم من القادة الديمقراطيين، مضيفاً "أعتقد أنَّ على عاتقي الآن بعض المسؤولية في تقديم مشورتي على الأقل لأولئك الذين سيستمرون في كوْنهم مسؤولين مُنتَخبين حول الكيفية التي يمكن بها للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي المساعدة في إعادة البناء، وكيف يمكن لأحزاب الدولة والمنظمات التقدُّمية أن تعمل معاً".
أوباما الكاتب بانتظار ملايين الدولارات
وفي عامه الـ55، يُعَد أوباما أحد أصغر الرؤساء السابقين في تاريخ الولايات المتحدة، ويصغره في سن التقاعد فقط كلٌ من الرئيس ثيودور روزفلت، ويوليسيس غرانت، وبيل كلينتون.
ويُعَد أوباما أيضاً واحداً من بين الرؤساء السابقين الأكثر شعبيةً.
إذاً، كان الرئيس الذي وُلِد في ولاية هاواي ينوي دائماً أن ينشط بعد تقاعده، رغم أنَّ العائدات من مبيعات كتابه، بالإضافة إلى معاشه التقاعدي السنوي الذي يبلغ 203.700 دولار، تمكِّنه من البقاء دون عمل.
وسيضيف إلى مصادر دخله كذلك عائدات مذكراته، التي وصفها الناشرون بأنَّها من المتوقَّع أن تكون الأكثر إثارةً للجدل على الإطلاق، والتي ستُدِّر عليه عائداتٍ تُقدَّر بنحو 25-45 مليون دولار.
وفيما يتعلَّق بالأحاديث المُذاعة علناً، بمقدوره أن يحظى بمبالغ لا مثيل لها، فجورج بوش الابن يحقق ما بين 100 – 175 ألف دولار في الظهور الواحد، بينما بيل كلينتون يستطيع تحقيق 225 ألف دولار. أمَّا أوباما فسيفوق كليهما.
الناشط السياسي.. عودة للجذور
ومع ذلك، ليس من المُرجَّح أنَّه سيقضي وقته في التركيز على كيفية زيادة رصيده البنكي، حيث استهل أوباما حياته السياسية كناشطٍ مجتمعي في منطقة جنوب شيكاغو؛ ويُتوقّع أن تشهد حياته بعد البيت الأبيض عودةً إلى هذه الجذور.
وقال لمجلة ذا نيو يوركر، ضارباً على طرف طاولة خشبية: "سأكون بسن الـ55 عندما أغادر المنصب. وبافتراضِ أنَّي سأعيش عقدين آخرين على الأقل في صحةٍ جيدة، أعتقد أنَّ كلاً من ميشيل وأنا سنكون مُهتمين بإنشاء منصاتٍ لتدريب، وتمكين، وربط، ودعم الجيل المقبل من القادة".
وتابع "أعتقد أنَّه مهما كان الشكل الذي سيصبح عليه مركزي السياسي، سواء كان متحفاً أو مكتبةً تحمل اسمي، فأنا أقل اهتماماً بشأن المبانى، وملصقات الحملات، وفساتين ميشيل، رغم أنَّي أعتقد أنَّه من الإنصاف القول بأنَّ فساتين ميشيل ستكون الأكثر جذباً لي بما لا يُقاس".
"لكن ما سنكون أكثر اهتماماً به هو البرامج التي تساعد السيدة الأولى المقبلة، أو الرئيس المقبل، الذي يجلس هناك بالفعل بينما ليست لديه أدنى فكرة عن كيفية الحفاظ على مُثُله، وليس موقناً تماماً ما الذي يجب فعله. سنمنحهم الأدوات والسُبُل اللازمة للتفكير حيال التغيير الاجتماعي"، أدرف أوباما.
وفي 2014، وعقب مقتل الشاب الأميركي من أصلٍ أفريقي، ترايفون مارتن، على يد شرطي في ولاية فلوريدا بينما كان أعزل، أطلق أوباما مبادرة
"My Brother’s Keep"، وهي مبادرة تنشئ نظاماً توجيهياً للشباب من أصل أفريقي. وأشرَفَ أوباما على مجموعته الخاصة من المتدرِّبين، الذي كان معظمهم من طلاب المدارس الثانوية من أصولٍ أفريقيةٍ ولاتينية من منطقة واشنطن. ويُتوقَّع أن تزيد مشاركته ضمن المنظمة عندما يغادر البيت الأبيض.
وأوضح ذات مرةٍ أنَّ "المبدأ الأساسي هو: أنَّه من المهم للكثير من أبنائنا أن يكون لديهم شخصٌ راشدٌ يضطلع بمهمة رعايتهم"، مستطرداً "شخصٌ يقول لهم إنَّكم تستحقون أمراً ما، إنَّكم مهمون".
ويُرجَّح كذلك أنَّه سيضاعف من عمله مع منظمة Organizing for Action، وهي عبارة عن جهدٍ شعبي تكوَّن من فريق حملة إعادة انتخاب أوباما في 2012، ويركِّز على قضايا مثل التغيُّر المناخي وإصلاح قانون الهجرة.
قاعات التدريس أم قاعات المحاكم؟
واستبعد أوباما أن يلتحق بالمحكمة العليا، وهي أحد أكثر الشائعات المُتداولة حول مستقبل الرئيس، لكنَّه ذكر مراراً وتكراراً كيف أنَّه يستمتع بالقانون، وأن عودته للتدريس، كما فعلت وزيرة خارجية جورج بوش، كوندوليزا رايس، ربما تكون احتمالاً وارداً.
وقال: "من الناحية الذهنية، أنا واقعٌ في حبِّ القانون.. أحب مناقشة هذه المشكلات، والمجادلة باستخدام هذه الحجج"، مضيفاً "أحب التدريس. أفتقد قاعات الدراسة والتفاعل مع الطلاب".
وتُعَد الخيارات الواضحة أمام أوباما للتدريس هي جامعة كولومبيا، حيث تخصَّصَ في العلوم السياسية في مرحلة البكالوريوس، وجامعة هارفارد، حيث تخرَّج في كلية الحقوق، وجامعة شيكاغو، حيث قام بالتدريس سابقاً. وتبدو جامعة كولومبيا هي الأقرب بعد أن قال عميد الكلية في حفل تخرُّج 2015 إنَّه كان يتطلَّع إلى "الترجيب بعودة أشهر خريجينا في 2017".
مدير فريق كرة.. هل ممكن؟
هناك أيضاً بعض التكهُّنات حول إدارته لفريق كرة سلة في الدوري الأميركي للمحترفين (NBA)؛ باستخدام ثروته المتراكمة في تمويل شغفه الرياضي.
يقول أوباما: "حلمتُ بأن أكون قادراً على تكوين فريق، وبمدى المتعة التي سيمثِّلها ذلك.. أعتقد أنَّه سيكون أمراً رائعاً".
لكنَّه أخبر مستشارته، فاليري جاريت، التي عملت معه لفترةٍ طويلة، أنَّ الأمر الذي لا يتمنَّاه هو أن يكون بمقدوره البقاء في البيت الأبيض.
وتابَعَ: "قلتُ لا، لأنَّه في مرحلةٍ ما تفقدين قدرتك على إدارة الأمور.. كونك في هذه الغرفة يجعلك مُنهَكةً في مرحلةٍ معينة، فتبدأين في ممارسةِ عاداتٍ سيئة".
وأردف قائلاً: "أخبرتها أنَّنا نعيش مجاناً هنا الآن، فلا يُفتَرَض بنا أن نكون هنا. بالنسبة لنا، كوننا حظينا بتلك الفرصة، وأن نكون قادرين على القيام بهذا التغيير الكبير، لهو أمرٌ رائع بقدر ما تمنينا أن نقدر على القيام بكل شيء".
هافينغتون بوست عربي | ترجمة