الرئيسية / الأخبار / فلسطين
سبسطية ... حيث الحجارة تتكلم بلسان حضارتها
تاريخ النشر: الأربعاء 11/01/2017 09:03
سبسطية ... حيث الحجارة تتكلم بلسان حضارتها
سبسطية ... حيث الحجارة تتكلم بلسان حضارتها

 نابلس/كتبت تسنيم ياسين

إلى سبسطية كان المسير في رحلة نظتمها جمعية ايدي جيل المستقبل  في اطار مشروع حكاية وطن، تلك البلدة التي وقفت شاهدة على كل الحضارات التي تعاقبت على فلسطين، عاصمة الرومان ومقرّ جسد يحيى عليه السلام.

استقرّ كلٌّ منّا على مقعده بالحافلة، أما المرشد السياحي محمد سعيد الذي يرافق الرحلة فقد بدأ منذ اللحظات الأولى يتحدث في الأمثال والتاريخ كي يهيئ المشاركين إلى أننا هنا لسنا لنلعب أو نلهو، وإنما كي نغوص في أعماق الحضارات.

لحظات بعد المرور بالقرب من مستوطنة شافي شمرون حتى عمّ الإرباك الحافلة؛ فهذا حاجزٌ وسيضطر عددٌ من الشباب إلى النزول ومحاولة المرور عنه مشياً على الأقدام، نزلوا، ليظهر ذلك القلق الواقعيُّ من ذكرياتٍ لا يخلو منها رأسُ فلسطينيِّ، عناصرها: شباب، حاجز، اشتباه! ثم...ما لا يمكن تصوره. ولكن أخيراً تبددت المخاوف وصلوا بعد أن توقفت الحافة على مسافة قريبة تنتظرهم، واستؤنفت الرحلة.

حطت الحافلة رحالها في باب الساحة أول المحطات، بقايا أعمدة وحجارة متناثرة هنا وهناك كانت ما بقي من "البزلكة" الساحة العامة أيام الرومان، وعبر درج طويل صعد المشاركون لتتكشف القرية وما حولها من الوديان والقرى، ما جعلها تستحق أن تكون عاصمة الرومان بموقعها الاستراتيجي العالي.

وبدأ المرشد يسافر بالمشاركين في رحلة التاريخ العريق للقرية، منذ أن اشتراها "عمري" الكنعاني من السامري وكانت معاصر الزيت والنبيذ أشهر ما فيها، إلى قتل إيزابيلا ابنة حاكم صور بعد أن  أرادت أن تبني معبد بعل. وسبي 2700 شخص من سكان القرية على يد الأشوريين للعمل على بناء الدولة الأشورية، واتصال ذلك بالخلاف السامريّ اليهوديّ. ليأتي ذكر نبوخذ نصر البابلي ولبلاط الذي سبى 8000 شخص من القرية إلى الاسكندر المقدوني، مروراً بمكابي و هيرودس العظيم.

إلى تلةٍ أعلى وبردٍ أكثر صعد المشاركون، وهناك حيث بدت بقايا القصر الذي أهداه جانيوس إلى هيرودس العظيم ليلحقه الثاني بسجن خلفه، هناك حيث يتيه العقل في محاولة تصور تلك العظمة الفكرية والجسدية التي استطاعت أن تنقل حجارة بطول أربعة أمتار من إيطاليا عبر البحر إلى قيسارية ثم بالمركبات التي تجرها الأحصنة إلى سبسطية، ما تلك العقول التي كانت تفكر سيكولوجياً في استخدام الحجارة الضخمة في البناء لإيقاع الرعب في قلوب الأعداء؟

وإلى أسفل منه كانت الكنيسة التي قالت أساطير بأنها تحوي رأس النبي يحيى بعد أن قُتل في مكاور بالأردن وفُصلَ رأسُه عن جسده. نزل البعض إلى غرفة سفلى عبردرجٍ ضيق حيث كان الحجران اللذان احتضنا رأس النبي يحيى وفق بعض المؤرخين.

ومن هناك وبعد استراحة قصيرة، استُكمل المسيرُ إلى جامع النبي يحيى الذي بناه صلاح الدين بجانب كاتدرائية ثم تحوّل إلى متحف، وتستقبلك القبة التي دلّت المسلمين على جسد يحيى الذي كان أتباعه قد أخذوه وحرقوه بعد أن فصل الرومان رأسه عن جسده.

وعبر درج ضيق معتم نزل عدد من المشاركين إلى غرفة سفلى أول ما يستقبلك منها رائحة الرطوبة والقِدَم، ثماني فتحات تطل على ثلاثة قبور للأنبياء: رماد جسد يحيى، وجسد عوباديا وإليشيا، ذلك المكان الذي كان محط اختلاف في الروايات بين من يقول أنه هنا دُفن ومن يقول أنه هنا كان مسجوناً وتلك الفتحات كانت لإنزال الطعام إليه.

ثم مرت المجموعة بمقبرة أسرة الحاكم الروماني حيث انتصبت عدة سقّالات قيل أنها للصوص الآثار سابقاً، وإلى اليسار كانت قلعة صليبية دلّت حجارتها المائلةعلى استراتيجيات دفاع ذكية، ومن هناك عبر جسر خشبي انتقلوا إلى قاعة مرممة كانت مجمعاً لتدريب الخيل وجيش فرسان الهيكل تحكي حجارتها قصص الذين مروا عليها سابقاً فهناك اجتمعت حجارة كنعانية ورومانية ويونانية.

قصر عائلة الكايد العثماني، امتثل يذكّر بأن بني عثمان كانوا هنا أيضاً، يحكي قصة عائلة سكنت القصر طويلاً ومع مرور الأيام كبرت وضاق القصر عليها. وبعد أن رُمم تحول إلى مقر خدمة اجتماعية لأهالي القرية فهناك قاعة اجتماعات كانت تنتظر وصول رئيس الوزراء يومها، وقاعة حواسيب تتناقض رائحة جدرانها االمعبقة بالغبار ورائحة القِدَم بشكل واضح مع الأجهزة التي كانت مصفوفة فيها.

 تلك العراقة التي يشهد عليها كل حجر في القرية لم تغب عن الاحتلال فمعظم المناطق الأثرية تلك خاضعة لمناطق "C" حيث يُمنع الفلسطينيون من أيّ نشاط في تلك الأراضي حتى ولو لإزالة القمامة.

في المسعودية حطت الرحلة رحالها، ولكنّ سؤالاً ظلّ يلحّ على العقول: أبعد كل هذه الحضارات يمكن القبول بحلول تنسب التاريخ وعراقة الماضي إلى من لم يبق في فلسطين أكثر من 600 عام؟ وحتى مكوثه فيها كان تخريباً وسلباً ونهباً...        

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017