نابلس: أصداء- روزين أبو طيون-  غمرُ عينَاكَ بالنظرِ إلى أروع قصرٍ بات في خانة النسيان, تدخله تأخُذ نفساً عميقا, فيدخل صدركَ هواءٌ من الماضي يحكي لكَ حكاياته, تنظر حولك هنا وهناك لا تعلم من أين تبدأُ قصتك, من حجرها الذي مرت به كلِ حقبةٍ تاريخية, أم من شجرها الذي نمى مع بداية كلِ حجرٍ وُضع فيها, أم من سكانها الذين ظلوا فيها رغم هلاكها.

تَدخل رأسكَ ألفُ حكاية, حكايةُ ماضٍ عريق يسردُ شموخَ بلدك, وقصصها في بعض نقوشٍ وحجارة, صار من حولها الذين هم قريبون منها وعاشوا بقربها بضعةَ أعوام, لا يعلمون عنها شيئاً وإن سألتهم عن حالها, بدت علاماتُ التعجبِ والاستفهام تملأ المكان.

قصةُ نابلس (البلدة القديمة) التي تعود بعضُ حجارتها إلى أكثر من ألف عام, تمتد فيها البيوتات (القصور) العتيقة والطرقات والأسواق المسقوفة, وتنتشر فيها مساجد ومقامات وحمامات تعود إلى العهدين التركي والمملوكي, ومن أبرز معالمها الآن مسجد الخضرا والجامع الصلاحي الكبير, وتتميز أيضاً بقصورها كقصر عبد الهادي, وقصر طوقان, وقصر النمر.

قصرٌ في خانة النسيان

آل عبد الهادي 

تعود أصول آل عبد الهادي إلى الشقران وهم من أصل واحد مع آل جرار الموجودين في جنين حاليا وجدهم اﻷكبر هو محمد الزبن، والشقران هي حمولة من قسطل البلقاء وغادروا الكرك في ثورة 1669 وجدهم استقر بعد ذلك في مرج ابن عامر .

وكانت عائلة عبد الهادي تعد من العائلات اﻻقطاعية المتحكمة والمستعبدة للفقراء والفلاحين بشكل كبير، وهناك الكثير من الروايات التي قيلت عن آل عبد الهادي والتعذيب الذي كانت تمارسه على الفقراء وخصوصاً الروايات التي ذكرت عن الطرق التي بنت فيها قصورها، كما أنه من خلال الروايات الشفهية لسكان البلدة القديمة أنه هناك حي في البلدة القديمة يطلق عليه (حبس الدم)، حيث أن الرواية المتداولة أن آل عبد الهادي كانوا يشنقون الناس ظلما ويعلقونهم في تلك المنطقة لذلك سميت بهذا اﻻسم، حتى أنهم في منطقة عرابة قامو ببناء سور للفصل بين قصورهم وبين بيوت الناس العاديين الفلاحين.

يعتبر هذا القصر من أضخم قصور عبد الهادي، فقد شيده محمود عبد الهادي عندما كان ملتزماً اقطاعياً لمنطقة جبال نابلس إبان العهد العثماني عام 1820، وورث القصر عبد الرحيم عبد الهادي عام 1865 وأجرى عليه تحسينات، وهو حالياً جزء من وقف العائلة، يسكنه فرع عبد الرحيم وفرع عبد الرحمن، كانت تسكن فيه 12 عائلة من آل عبد الهادي.

ويقع القصر على سفح جبل جرزيم في منطقه تتوفر فيها ينابيع المياه، وقد شيد على ارض تبلغ مساحتها هكتارين، ويشغل بناء القصر هكتارا واحدا وتشغل الهكتار الثاني حديقة وله مدخل كبير نوعا ما في الشارع يدخل منه على الدرجات إلى ساحة سماوية فيها غرف وأمامها أواوين فواحة، ولها مصاطب حجرية، وهذا هو السلاملك، ثم مداخل ﻷجنحة أخرى للحريم فيها غرف متقابلة، وبينها أواوين ولها دكك حجرية وأواوينها مبلطة ببلاط حجري وبعض الغرف ببلاط رخام.

ويحوي كل طابق مجموعة من الغرف الكبيرة الحجم، والتي ﻻ تقل مساحة الواحدة منها عن 60 مترا مربعا، كما ﻻ يقل ارتفاعها عن سبعة أمتار يتوسط سقفها صحن.

 أما سطحها فهو على نظام القباب, وأما قصارة الجدران فكانت تتألف من خلطة من الشيد والليف وتعجن بالزيت بدﻻً عن الماء، ويبلغ عدد الغرف فيه 144.

وفي باحة الساحة الكبيرة للقصر التي تتوسطها حديقة تقبع نخلة باسقة عمرها 150 سنة، و تبدو في الجهة الغربية بقايا الدمار الذي خلفّه الزلزال الذي ضرب نابلس عام 1927، وﻻ جدال في أن مبنى القصر القديم يعتبر أضخم مبنى لوال محلي في العهد العثماني من حيث السمات المعمارية.

متخصصون ومهتمون

في سياق هذا الموضوع تحدث مدير مركز إحياء التراث المهندس نصير عرفات "القصور هي عبارة عن ملكيه خاصة, وبحكم التشعب أصبح المالكون لها عدد كبير من الناس، لهذا هناك إشكالية في أخذ القرار من أصحابها ولا يستطيعونَ الاتفاق على رأيٍّ واحد, وأموال الدعم تأتي للعامة وليس للخاصة, لهذا هناك مشكلتان الأولى إشكالية من المانح هدفها النفع العام وليس الخاص والقصور هي عبارة عن ملكية خاصة, ثانياً الملكية الخاصة متشعبة يصعب أخذ القرار فيها" .

ويضيف عرفات: "بخصوص عمليات الترميم حصل ترميم جزئي لقصر عبد الهادي, وكان الممول الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت من خلال مؤسسة التعاون, وككل بيت قديم يجب أن يتم ترميمه ولكن هنا نتحدث نحن عن تكلفة عالية ومبالغ طائلة غير متوفرة, لذا يجب أن يكون هناك توالي في العمل باتجاه حمايتها، وجانبٌ فيزيائي بالترميم وجانبٌ اجتماعي في توعية أصحابها ورفع قيمتها لديهم وتمكينهم من الاستفادة منها".

يتحدث معين عبد الهادي من سكان القصر قائلا: "هو تراث فلسطيني وشيء من رائحة الأجداد, ومن أجل أن لا يتم محاولة لبيعه من قبل الأبناء، عمل الجد على وقفه بالمحكمة وفي حال انقطاع النسل يحول إلى بيت مال المسلمين".

من جانبه أشار الدكتور مازن رسمي المحاضر في قسم الآثار بجامعة النجاح الوطنية، إلى أن دور قسم الآثار محدودٌ جداً كون المؤسسات لا تتعاون في هذا المجال, وخاصة الدور الأساسي الواقع على وزارة الآثار, "وللأسف لا تحظى هذه القصور باهتمام كافي بالترميم, فالدول المتحضرة اليوم تعمل على إعادة الحياة لها وانعكاسه إيجابي على الجانب المحلي".

واعتبر رسمي أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الإعلام، فمن الضروري أن تعمل وسائل الإعلام على ترسيخ هذا الموضوع وتقريب المواطن إلى التراث ونقله إلى كل بيت, "وبدلا من تركيزها على المسلسلات التركية، عليها أن تركز على المسلسلات التي ترسخ التراث كحال المسلسلات السورية".