قبل ان اباشر كتابة هذا المقال راودتني اسئلة كثيرة من بينها ، هل سأقدم شيء جديد ؟ هل سيشكل اضافة ام سيضاف الى اطنان الاوراق الفلسطينية التي انتشرت منذ عام ١٩١٧ ؟ هل سيُمس اطراف الجدال بكلامي ؟ واخيراً هل سأخرج بنتيجة على غرار النتائج السابقة بعد كل مقال كتبت بكسب المزيد من الاعداء ؟
ان المرحلة التي يعيشها الفلسطينيون الان هي من اخطر مراحل قضيتهم اذا لم تكن الاخطر على الاطلاق ، حيث لم نشهد منذ قرن من الزمن حالة التخبط التي نشهدها خلال العقد الاخير ، فمنذ ثورة عام ١٩٢٩ الى الثورة الكبرى في ٣٦ وما تبعها من ضياع جزئي للبلاد عام ١٩٤٨ ( النكبة ) وحالات الضم والتوسع التي عاشها الاحياء في الخمسينات ، لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام ٦٥ ، وما تلاها من ضياع كلي عام ٦٧ ( النكسة ) ، ثم معركة الكرامة فأحداث ايلول الاسود الى الحرب الاهلية في لبنان ثم الصمود الاسطوري في بيروت ، وما لحقه من تشتت اخر في دمشق وتونس واليمن والقاهرة وبغداد والجزائر والمنفى ، وجاءت الانتفاضة الاولى بما حملته من روح نضالية ، وتبعها المباشرة في عملية السلام عام ١٩٩٣ ، ثم العودة الميمونة الى الوطن السليب ، واندلاع انتفاضة الاقصى عام ٢٠٠٠ ، ثم اجراء الانتخابات على انقاضها ، فانقسام اسود عام ٢٠٠٧ ، وها نحن الان في الربع الاول من العام ٢٠١٧ !
ان القاسم المشترك بين كل هذه الاحداث سواء سلباً ام ايجاباً هو فلسطين فتارة يقربنا الحدث اليها وتارات يبعدنا ولكنها بقيت الشغل الشاغل لكل الدنيا ، اما منذ عقد والى الان تغير الحال ولم تعد قضية فلسطين رقم ١ عالمياً ولا رقم ١٩٤ فلسطينياً !
ــ سياسياً ..
اما على الصعيد السياسي فنحن ولأول مرة نقف امام مطب الحل واللاحل فعدونا ( شريكنا ) يبعد يوماً بعد يوم عن اي حل قد يكون ، وها هي اسرائيل بمواطنيها الذين يعيشون ما بين البحر والنهر بتعداد يصل الى خمسة ملايين ونيف ، وفي الضفة الغربية ( مناطق حكمنا الذاتي ) بتصنيفاتها أ ب جـ حسب تقويم اوسلو يصل عدد المستوطنين الى ٦٨٠،٠٠٠ مستوطن بنسبة ١٧٪ من اجمالي عدد السكان في الضفة ، ها هي تفرض سياسة الامر الواقع على العالم بأسره ، ورغم كل التفسخ الذي تعيشه اسرائيل داخلياً الى انهم مجمعين خارجياً ان ليس للفلسطينيين حق على هذه الارض ، ولكن ماذا عن ثعالب السياسة الفلسطينيون ؟
انني اقف مذوهلاً امام كل خطاب او تصريح او مقابلة لأي سياسي فلسطيني ومن اي طيف كان عندما اسمعه يتحدث ان القيادة اجمعت والقيادة قررت والقيادة اتخذت الاجراء المعين والقيادة حذرت وشجبت واستنكرت والقيادة هددت ، وأخالني لا أبالغ حين اصف شعوري وقت سماع دوي هذا الانفجارات التي تزلزل عالم الاعلام واروقة الساسة بالإعتداد والفخر بأني انتمي لدولة يخشاها العالم ان تكلمت ، ويقف كأنما على رأسه الطير ان هي غضبت ، واستيقظ من خيالاتي عندما يقف هؤلاء العمالقة على حاجز DCO بيت ايل منتظرين الاذن من عسكري اسرائيلي برتبة جندي حتى يسمح لهم بالمرور عبر حدود ولاية رام الله الى مقاطعات الشمال نابلس وجنين !
ما هذه الاوهام التي نعيشها ؟ وكيف علينا تصديق تصريحاتهم المتوعدة ابناء عمومتنا بأن ارجعوا عن قراركم اللعين بتذكير الشعب انه محتل وإلا !
وإلا ماذا ؟
على رسلكم يا قوم فقد تكون العواقب وخيمة ، انكم غير مدركين لها ، فحفنة الامتيازات التي منحت لكم بين ليلة وضحاها تفقدوها ، فلا مبانٍ حديثة بأنظمة حماية على اعلى طراز ولا سيارات مرسيدس s400 مع طاقم المرافقة ولا بطاقات VIP ولا جوازات سفر دبلوماسية ، ولا عشرات الالاف من الدولارات شهرياً ، ولا حتى مايكروفون تصرحون من خلاله للشعب المنتظر .
اما اكبر العواقب التي لا تمس شخوصكم فهي السيل الجارف من تبادل المزايدات الخضراء والحمراء والصفراء التي ستلفح جباه مؤيديكم الذين خدروا او - تمسحوا - على تخوين الاخر واعتبروه العدو الاول ، بفضلكم .
ــ أمنياً ..
فقد افرزت العشر سنوات الاخيرة جيشاً نظامياً وجهاز شرطةٍ احترافي واجهزة مخابرات مهنية ، وجهازي امن قويين الاول وقائي ضفاوي والثاني داخلي غزاوي عدا عن الدفاع المدني عالي الجهوزية وليس اخراً جهاز الضابطة الجمركية الغير تقليدي ، عدا عن مجموعة من الكتائب للمهمات الخاصة ، تحورت مهمة هؤلاء وانعكست وظائفهم ونسي افراد كل جهاز القسم الذي اداه كل واحد منهم وغفلوا عن الاحتلال الذي يطوق كل محافظات الوطن ، باستثناء رنة الهاتف من ضابط الارتباط منبهاً ان هناك نشاطاً لجيش الدفاع فانسحبو - امراً - لا يوجد ما يذكرهم ، وهم حتى نكون منصفين قسمين :
قسم انسته الحراسات والجيبات المصفحة وكوبونات السولار والبنزين وحقائب السمسونايت حقيقة الاحتلال ، وقسم انساه الدهر الذي اثقل كاهلهم بالهموم والاوجاع وقضت مضاجعهم الحاجة وطلب قوت العائلة ..
اما بالنسبة لمهامهم الجديدة فتركزت على متابعة مصلي الفجر في رام الله وملاحقة مجموعة فتية اعمارهم بين ١٨ و ٢٥ حليقي اللحى في غزة ، ناهيك عن مجازاة كل كاتب ومعاقبة كل صوت يقول لا لأي شيء حتى لزوجته ، وحبس اياً كان بسبب او بدون وتحت اي ذريعة وبغطاء اية ذمة !
ــ اقتصادياً ..
تكدست الاموال بيد قلة قليلة من الذوات والذين دون ادنى شك تربطهم علاقة قوية وتجمعهم اواصر محبة ومصالح مع حفنة الساسة الذين اشرت اليهم سابقاً ، ملايين من الدولارات وغناء فاحش استثمارات مشبوهة وشركات عملاقة واقتصاد متين بصرف النظر عن ملاحقتهم ضريبياً ، احياء جديدة على الطراز العالمي تجدها بمعزل عن باقي فئات الشعب تضم فيما تضم فلل ومراكز تجارية ومراكز علاجية ومدارس خاصة وشركات امن محددة المهام عدا عن المساحات الواسعة المخصصة لأبناء البشاوات ساكني هذه الاحياء ، والوجه الاخر فيما يخص الوضع الاقتصادي الذي هو مقتصر على طبقتين لا وسطى لهما فإنه وكأنه ليس في فلسطين اؤلئك ، فالفقر والبطالة عنوانين والقروض والتسهيلات البنكية طريقين لاغفال الشعب عن اي شيء قد يسبب الضرر بشكل مباشر للساسة وصناع القرار ورؤوس الاموال وغير مباشر يمس الاحتلال !
اجتماعياً وقانونياً ..
لقد ترنخ الفلسطينيون في ثقافة الانقسام حتى اذقانهم فلا عاداتهم وتقاليدهم المحمودة بقيت ولا تلك البركة التي حدثني عنها اسلافي ثبتت ! فمحددات العلاقات بيننا تحكمها الانتماءات الحزبية والعائلية والعشائرية ولقائاتنا عبر الانترنت وسهراتنا ضمن مجموعة مغلقة في احدى المنتديات ، العداوة هي ما يجمعنا والهم الوطني يفرقنا وقضيتنا اخر اولوياتنا والقدس ويافا وعكا وبيسان وصفد للسياحة فقط ، وبضعة الاف من الاسرى في ذاكرة النسيان ، ولا تستغرب ايها القارئ ان وقفة تضامنية مع اسير شارفت حياته على نهايتها تعداد المتضامنين فيها لا يتجاوز الخمسين ، بينما مجرد التلويح بإلغاء تأمين او رفع الدعم لسلعة من السلع او اقرار قانون الضمان يجمع الاف المتظاهرين المطالبين بحقوقهم في دولة المؤسسات والقانون والقضاء العادل ، القضاء الذي يتجاوز عن سيئات من يسيء للوطن ، ويبرئ من اغتصب حق طفل بالعيش بكرامة ، القانون الذي نتعلمه في الجامعات ولا نثقفه في الطرقات ، المحاكم التي تتكدس في اروقتها ملايين الدعاوى والشاهد غائب ..
فلسطين اخالها بقيت محفوظة في قلوب الذين ارتحلوا الى السماء موعودين بالعودة لها محررة بعد الفناء ...
لن اقول اكثر فأشعر ان كلامي غثاء ..
يحقر النفس ويمدها بالاستياء ..
اصمت ايها الكاتب فإذا جن اهل بلدك فلا مكان للعقلاء ..