كتبت غادة عادل اشتيه

حينما تمر بالمنطقة الشرقية على بعد بعض الكيلومترات من مدينة نابلس، تجد شارعا مكتظا بشجر الزيتون، تتوجه يافطة مربعة الشكل كتب عليها قرية "عقربا", وفي تلك اللحظة يراودك شعور بالفضول لتنظر أكثر وأكثر، لتجد مكانا مخضرا من كافة الإتجاهات وجبال شاهقة ووعرة تعلوها المباني والمآذن الجميلة.

وعلى مدخلها الجنوبي  يستقبلك الحكواتي حمزة العقرباوي الذي يعد من اعلام بلدة عقربا يمنحك الكثير من المعطيات والمعلومات عن البلدة وما جاورها من بلدات وكأنه موسوعة. يقول أن سبب تسمية عقربا تعود للشدة والخشونة والقسوة في طباع أهل القرية، تعددت الأسماء لقرية عقربا فسميت بأم السبع حمايل لحمائلها السبعة التي تتكون منها عقربا، وسميت بعقربا العنب لكثرة ما كانت تنتج من عنب بالعهد العثماني، وسميت بقلعة المشاريق لموقعها المطل والمشرق بحصونه ومتانته, وبعض الأقاويل ذكرت أن اسمها عقرباء على لفظ أنثى العقرب، واسم عقربتا لكثرة العقارب في المنطقة، واسم كروبيان بالإغريقي وتعني المناطق الوعرة, وعديد من الأسماء الأخرى التي أطلقت عليها.

تقع عقربا في الجنوب الشَّرقي من مدينة نابلس على بُعد 18كم, وأراضيها ممتدة شَرقاً  في الأغوار حتى نهر الأُردن,  وتبلغ مساحة أراضيها 144ألف دونم، وهي البلدة الأكبر مَساحة في مُحافظة نابلس, ويحيط بالبلدة قرى عديدة يانون وعورتا وبيتا وأوصرين وقبلان وجوريش وقصرة ومجدل بني فاضل وبيت فوريك ودوما والمعير وغور الفارعة ونهر الأردن وقضاء القدس.

وذكر العقرباوي أن للبلدة أهمية تاريخية حيث شكلت عقربا في العصر الكنعاني وما بعده مقاطعة عرفت (بمقاطعة عقربتا), وكان يحيط بها عدد من التجمعات والبلدات, وكانت عقربا هي العاصمة لهذه التجمعات.

أهم المواقع الأثرية في بلدة عقربا

 عقربا من أقدم البَلدات العَربية حَضارةً وتاريخ، وكانت عامرةً في عُصور ما قبل التاريخ ولا تزالُ فيها مَعالمٌ كثيرةٌ تُدل عن تلك الحضارات, فهي تحتوي على عشرات من المواقع الأثرية والخرب والمقامات المحيطة بها, (قَرن صَرطبه، قَرقَفَه،الكروم، مِراس دِين،العُرمَة، أَبو اغريب\كفر غريب،إصيَر تُرمس،عَلّالي البَنات،تَل المزار،تَل صِمادي، تَل العَبيد، تل الشيخ ذياب، تِلال الخَشب(خَلّة الخَشبة)،خربة غانم(يانون)، راس الطويل، مِطيل الذيب، فَصايل، الدَّشة، الطويل، الجهير،الدَّوة، أم سُويد،ام هِلال، مُهلّل أبو الدّرج،الصنيبير،القَطعَة، كُفر عاطية،العَطاينة،أبو الجرايش، كُرُك(خلة نعمان)، جَبل مَدينة، لخرب، أبو الرّيسا، الدّوارَة، النَّجمِة، نُقور كُوز، الطُّرّه، رُجُم أبو مهير، رُجُم الصّايغ، لفجم(لِصيَر)، تَل حايم، واد الرَّدَم، أبو الزّيت، أبو رشيد، أبو مَعلول، راس صَبّابَه، السّاقيه، العُرقان السَّبع، القَعدِة، خِلال الفول، خَلّة النّجار، جبل المَنيه، الحَدادين، الدّالية(مُغُر أبوسِنجِه)، الحَفيره، أبو مازن، قَصِر رافع(يانون)، شيبون، الزّعيم، أبو الكلبات، خلّة القسيس،... وغيرها).

ومن الجدير بالذكر, يقول العقرباوي أن في مُحيط البلدة مَعاصِرٌ وآبارٌ وَمدافِنٌ مَنقورةٌ في الصَّخر، وبقايا آثارٍ دارسةٍ وَخِرَبٍ مُتهدّمَة، وأكوامٌ مُتراكمةٌ فَوقَ بَعضها نَجهَلُ تاريخها وكُنهَهَا، تنتمي للحضارات السابقة, حيث تحتوي البلدة على 18 مسجدا ممتدة على المساحة الواسعة لعقربا.

 كما يُوجَدُ في البلدة بعضُ السَّراديب والأنفاق وأرضياتُ الفُسيفِساء وأبنيةٌ مَطمورةٌ وَقنواتُ رَيٍّ وماء، تَمَّ الكشفُ عَنها مُؤخرَاً، وهي مَع الأَسف لا تَحظى بأيِّ اهتمامٍ. وغالبُ مَعالمِ البلدة وَدُورُهَا القَديمة معرضة للهدم والتجريف، بما في ذلك المَسبحُ الروماني(العَين الخاربة) جَنوبَ عَين البَلد.

مُنذ احتلال الضفة الغربية عام 1967 صادر جيش الإحتلال الإسرائيلي ما يقارب 80% من الأغوار (( فصايل – الجفتلك شمال جنوب، نهر الأردن –خربة الطويل شرق غرب)) بموجب الأوامر العسكرية، وَفوق ذلك تُضَييقُ الخناق على مُزارعي البلدة وأصحاب الأغنام فيما تبقى من أرضٍ غَورية شرق البلدة. وقد صادر الاحتلال عُيون الماء الواقعة في الغور وسحب مياهها الجوفية حتى جفت بعض العيون وضَعُفَ ماؤُها وأصبح من المُتعَذرِ الوصول اليها وسقي المواشي منها.. ومن هذه العيون الواقعه في أرض بلدة عقربا: (عين فصايل، عيون مانع، عين الحفيرة، بير أبو الدرج، عين كرزليا، نبع السُّخن..) .

الحياة الإقتصادية في عقربا

تعتمد بلدة عقربا بشكل أساسي على الزراعة وتربية المواشي، بالإضافة إلى الأشغال والأعمال والمهن والوظائف الأخرى، وأكثر ما تشتهر به القرية زراعة شَجرُ الزيتون ثُم القمح، وغيرها من المزروعات، كما أن في البلدة أكثر من 30 ألف رأس غنم تُشكل دخلاً مُهماً للبلدة. كما ويوجد في البلدة عِدّة من المؤسسات تعمل في البلدة كالمستوصف الطبي والمركز النسوي ونادي شباب عقربا الرياضي, وكُلّها تبذل جهداً بحسب امكاناتها وقدراتها لتطوير البلدة.

الوضع التعليمي في البلد

 يوضح الحكواتي أن البلدة شهدت اليوم نَهضة علمية وإقبالاً ملحوظاً على التعليم والإهتمام به، وقد برز عدد من المُتعلمين من أبناء القرية ومُغتربيها بحصولهم على مراكز مُييزة في المؤسسات والجامعات العالمية والعربية, حيث أُنشئت أول مَدرسة في عقربا  في العهد العُثماني عام 1874م, أما تعليم الإناث فقد بدأ به الشيخ أحمد أبو كبر رحمه الله حيثُ كان يقوم بتعليم الإناث كما الذُّكور في المضافة وفي مقام عبد النور، ثم استَأجَرت البلدة غُرفَةً لذلك. وفي العام 1954 أُنشأت أول مدرسة للإناث في عقربا.

هذه اللقطات النصية من تاريخ عقربا جاءت خلال تجوال فريق اصداء في البلدة برفقة الحكواتي العقرباوي، والتي تسلط الاضواء على جوانب مشرقة من تاريخ وتراث فلسطين، وتبرز معالم تراثية وبيئية كما تبرز خفايا المعاناة والالم على مدار حقب زمنية متعاقبة.