الرئيسية / الأخبار / فلسطين
محمد جبعيتي شابٌ عشريني تجرَّع العربية منذ صغره
تاريخ النشر: الأحد 19/03/2017 21:20
محمد جبعيتي شابٌ عشريني تجرَّع العربية منذ صغره
محمد جبعيتي شابٌ عشريني تجرَّع العربية منذ صغره

 هالة أبوعيشة"الوزني"

 

رغم قِدم وأصالة مقهى الهموز في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، والشعور الذي يبعثه في أفئدة رواده، طارحا في مخيلتهم كل ما تعجز الذاكرة عن استحضاره، إلا أن  ذلك، لم يسعفه في نبش ذكرياته كلها، إذ بدا قلقًا في تذكرها والحديث عنها.

محمد جبعيتي ابن قرية كفر اللبد شرق محافظة طولكرم، لم يأخذ نصيبه من الشهرة والصيت المبالغ به، فربما لم يكن هذا ما يسعى إليه ابن الأربعة والعشرين عامًا، الذي تخرج حديثًا من قسم اللغة العربية في جامعة بيرزيت.

بدأ حديثه بخجلٍ لطيف، لن تستطيع توقعه من رجلٍ ثابت، لا تجرؤ الحياة على المساس به، يقول: "أستطيع أن أصف ذاكرتي بأنها مازوخية، انتقائيّة، وطفولتي هي أساس الصراع الداخليّ الذي عشته فيما بعد. حياة الريف صعبة ومزدوجة، جميلة وقاسية، تجبرك على حمل المسؤولية في عمرٍ مبكر، والنظر إلى العالم بطريقة مختلفة".

في ظل نضجه المبكر، بقي لدى محمد حاجة النفس الطبيعية، في البحث عمن يمكن اللجوء إليه، ليكون مكشوفًا تمامًا أمامه، دون الحاجة إلى ارتداء قناع القوة طوال الوقت. فلجأ إلى الكتابة ليستطيع التعبير عن نفسه بصدق وشفافية.

"كانت لدي عادات غريبة جدًا، أثارت استغراب عائلتي والمحيطين بي، فاعتدتُّ أثناء طفولتي الجلوس لساعات في العتمة، أقرأ وأكتب على ضوء شمعة، مصغيًا للموسيقى التي تنساب من راديو قديم، كما كنت أحب الوقوف تحت الأمطار الغزيرة، دون أي شيء يقيني. وفي الليالي الصيفيّة، كنت أكتب على ضوء القمر".

لم يلتفت أحد إلى ما يفعله محمد، حتى طلبَ معلم اللغة العربية من طلبة الصف السادس، بكتابة موضوع تعبير عن أي شيء يخطر ببالهم، فلم يتوقع أن يثير إعجاب معلمه، الذي كان أول من شجعه على الكتابة، فطلب منه اقتناء دفتر مذكرات، ليحفظ نصوصه من الضياع أو النسيان.

 

تعدى حدود على الأدب

تفوق محمد أكاديميًا، فسافر إلى إيطاليا في الصف العاشر، بمنحة من وزارة التربية والتعليم لدراسة دبلوم في الكيمياء الحيوية، لمدة ثلاث سنوات ليعود بعدها إلى البلاد وزملائه، حيث كان من المفترض أن يفتتحوا مختبرًا في طولكرم، كما وعدتهم الوزارة، لكنها لم تفي بوعودها، وتركتهم للمجهول.

بعد عودته إلى البلاد، قررّ دراسة اللغة العربية في جامعة بيرزيت، ليتخرج منها قبل شهر واحد بتقدير امتياز، يقول: "بيرزيت أكثر من جامعة، إنها حياة كاملة. ولها الدور الأكبر في صقل شخصيتي".

وأضاف: "المواد التي درستها، ساعدتني كثيرًا في موهبتي الأدبية، وذلك لتطرقها إلى مختلف الحقول الأدبية، وهو ما دفعني للتعمق بالقراءة في الأدب العالمي، إضافة إلى مواد علم الاجتماع والدراسات الثقافية، التي أضافت إلي الكثير، ودفعتني نحو المزيد من القراءة".

باندفاع ملحوظ، بدأ الحديث عن بداياته في الكتابة، فقال: "بدأتُ بالشعر، حيث كنت أكتب بغزارة وشغفٍ كبير. أردت الاستمرار في الكتابة تحديًا، بعدما رأيتُ نفورًا من الشيخ، في مسجد قريتنا -الذي واظبت على الذهاب إليه في طفولتي-، حيث لم أجد منه سوى توبيخي، وسؤالي كيف أجرؤ على الوقوف باتجاه القِبلة والاستعداد للصلاة، بعد كل قصيدة أكتبها. عندئذٍ، فهمت أن الكتابة التي لا تغضب أحدًا، هي كتابة لا يعوّل عليها، الكتابة فعل تغيير".

دعم والده الحاضر

"أعيش في أسرة تتكون من أربع إناث وأربعة ذكور، أصغرهم أنا، وموهبتي لم تكن مألوفة لدى عائلتي، فلم يسبق لأحد منهم أن كتب أو كان شغوفًا بالقراءة، فانقسمت مواقفهم بين مؤيد ومعارض ومحايد".

لم يتطرق محمد للحديث عمّن عارضوه، فاكتفى بذكر دعم والده بابتسامة، أذابت حاجز الصمت الطويل: "أذكر أنني كتبت أول قصيدة حب، في الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، وبعدما أنهيتها ذهبتُ مسرعًا إلى غرفة والدايَّ. طرقت طويلًا على الباب حتى استيقظ والدي، فاسترسلتُ بقراءتها دون توقف، لم يقل لي: هذا خطأ أو حرام. بل رأيت الزهو والفرح في عينيه".

"أصبحت عادةً لدى والدي، أن يدفعني إلى إحضار دفتري وقراءة بعض قصائدي، أمام أي ضيف يحضر إلى منزلنا، في خطوةٍ منه لتشجيعي".

 

 

البحث عن الذات

كأي شابٍ مندفعٍ لتحديد هويته، أراد محمد تجربة العيش في عوالم مختلفة، علّه يجد نفسه، فبدأ بالرسم متأثرًا بموهبة شقيقاته، ثم انتقل إلى المسرح والدبكة، ليطلق عنان مخيلته وجسده، وأخيرًا انتهى إلى كتابة الرواية التي وجد نفسه فيها، كما يقول.

فكتب أول رواية، تتكون من ثمانين صفحة، عندما كان في السابعة عشر عامًا، وتدور أحداثها حول قصة حقيقية، لفتاة تعرضت للاغتصاب داخل عائلتها.

لم تخلُ حياته من السرقات الأدبية، فكتب رواية طويلة، ثم أرسلها إلى إحدى المسابقات؛ ليكتشف بعد ذلك أن عنوان البريد الإلكتروني مزوّر؛ ليقوم كاتب جزائري، له آلاف المتابعين على الفيسبوك، بسرقتها.

يصف جبعيتي الكتابة بأنها نعمة ونقمة في الوقت نفسه: "وقت الكتابة متعة كونك تستطيع إفراغ ضجرك وسعادتك على مساحة بيضاء، لا تنفر منك وتستمع إليك جيدًا، لكن وقت ما بعد الكتابة هو نقمة، أستطيع أن أصفه بما يشبه اكتئاب ما بعد الولادة".

ويتابع: "غزارة الإنتاج الأدبي لا علاقة له بالقيمة، يمكنك أن تكتب آلاف الكتب، لكنك لا تستطيع تحقيق أي فائدة تذكر، والعكس صحيح أيضًا".

ثم تحدّث عن تدني ذوق القرّاء العام، فلا يجذب معظمهم سوى روايات الحب المبتذلة، التي لا تضيف لعقل القارئ أي شيء، ومع ذلك ينشهر أصحابها وتباع آلاف النسخ من رواياتهم.

نتاجه الأدبي

رواية المهزلة "وجوه رام الله الغريبة" هي أول عمل أدبي روائي، يخرج إلى النور للكاتب جبعيتي، تتكون من144 صفحة وصدرت في العام 2016.

عدّل جلسته إلى اليسار قليلًا، ونفث دخان أرجيلته متمردًا، رافضًا للواقع كما روايته تمامًا، يقول: "جاءت فكرة الرواية أثناء نومي، خيّل إلي أن ثمة مظاهرة لعدد ضخم من الناس، وكان صوتها يتردد في أذني، هاتفين ضد الظلم والطبقية والاستغلال".

وتابع: "تدور أحداث "المهزلة" حول العديد من القضايا السياسية والإجتماعية، كالطبقية في المجتمع الفلسطيني، وتشويه العلاقات البشرية كالاستغلال الجنسي، وتطرق إلى المثلية الجنسية وتضارب الآراء حولها، باعتبارها حرية شخصية أم أنها تمسّ بالمنظومة الأخلاقية والدينية".

وبيّن أن سبب تسمية الرواية "بالمهزلة" كونها مفردة لها معانٍ عديدة وتم استخدامها في المسارح اللاتينية كثيرًا.

لم يستطع محمد التوقف عن الكتابة والنشر، لحاجة في نفسه لا يخفت بريقها، فبعد عام من نشر روايته الأولى، صدرت له رواية ثانية بعنوان "رجل واحد لأكثر من موت" عن دار الفارابي في بيروت.

كما في طفولته، اعتمد جبعيتي على نفسه في طباعة وتسويق رواياته، وأكد على عدم وجود أي دعم فعلي من وزارة الثقافة: "بعد تفوّقي في كل فصل دراسي، كنت أحصل على منحة دراسية من الجامعة، فقمت بتجميع أقساط الدراسة لطباعة ونشر كتبي".

ويتابع: "أفضل أن أدفع من جيبي الخاص لأكون حرًا فيما أكتب وأنشر، على أن أكتب ضمن شروط معينة مقابل الدعم المالي والتسويق من أي جهة رسمية".

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017