وسط هدير مدافع الحرب العالمية الثانية، ووسط انتصارات مدويه متتالية للوحش النازي، أرسل رئيس الوزراء البريطاني العتيد ونستون تشرشل رسالة إلى قائد الجيش الثامن البريطاني الفذ مونتغمري قائلاً "لا أتصور أنك تقود معركة دفاعيه ضد قوات روميل"
كان هذا رداً علي التكتيكات التي يتبعها روميل في قيادة المعركة، وجاء رد مونتغمري بسيطاً للغاية: "أرجو من سيادتك أن تبقي حيث أنت في ١٠ داوننغ ستريت (مقر رئاسة الوزراء البريطانية) وتترك لي قياده المعركة في الميدان"
لم يغضب ونستون ولم يعتبر نفسه قد تعرض لإهانة من قائد أحد جيوشه ولم يعزله، بل سكت تماماً وانتهت معركه العلمين بانتصار مدوٍ للحلفاء بقياده الفيلد مارشال(فيما بعد)مونتغمري وكانت بداية انكسار موجه انتصارات النازيين العاتية، وأصبح مونتغمري منقذاً ليس لبريطانيا فقط وإنما للعالم الحر بأكمله.
وانتهت الحرب وعاد مونتغمري إلى وطنه، فهل قامت التظاهرات من أجل تنصيب مونتغمري رئيساً للوزراء باعتباره بطلاً قومياً (حقيقياً) أو هل أبقى الشعب البريطاني على البطل الأسطوري ونستون رئيساً لوزارة ما بعد الحرب؟
في الحقيقة لا هذا ولا ذاك، بقى مونتغمري بطلاً شعبياً في إطاره وبقى ونستون أسطورة تاريخيه لم تتكرر يعرف كل بريطاني قيمتها، ولكن أيضاً في إطارها وأتوا برئيس وزراء جديد (كلمينت آتلي ) لإدارة ما بعد الحرب.
نعم تشرشل ومونتغمري أساطير في نظر الشعب البريطاني؛ ولكن لكل مقام مقال ولكل مرحلة رجالها ولكل منصب معاييره، ربما يكون قمه شخص ما جيداً في وظيفته فعل معني ذلك أنه قادر علي إدارة سياسة دولة.
المقصد والمغزى من القصة التعلم من تجارب الآخرين فإذا لم تكن لديك القدرة علي التعلم من دروس التاريخ سيكتب عليك أن تعيد أخطاء غيرك. تلك بعينها ربما أزمة الأمه العربية وآفتها، الميل دائماً إلى تجريب ما ثبت خطأه بتجارب الآخرين وعدم تدبر حكمه التاريخ، فنجد أن منطقتنا ما زالت البقعة الوحيد (تقريباً) في العالم التي ما زال البعض وربما الأغلبية متعلقاً ببريق شخص ما يتخيله مجيداً لكل شيء وأي شيء. الزعيم الملهم القائد المعظم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، القادر (وحده) علي حمل هموم الوطن ومعارضيه خونة وعملاء وجواسيس باعوا أنفسهم لدول تتآمر علينا لإسقاط الدولة، وتنطلق الحناجر زاعقة ومهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور لكل من يتجرأ علي قول كلمة لا في وجه الزعيم المفيد صاحب الصولجان والأمر والنهي في زمن الحاكم فيه مجرد موظف آخر في الدولة لا أكثر ولا أقل منفذا لبرنامج تم انتخابه علي أساسه ومعارضيه جزء أصيل لا يتجزأ من جسد الدولة وكيانها ،مهمتهم انتقاده وإبراز السلبيات لعلاجها أو تغييره .
وعندما تسمع من أحدهم كلمه "أنتم معارضة غير بناءة، أو مغرضة" إلىّ آخر تلك الألفاظ التي تتصدر قاموس السلطات المتعاقبة في وطننا المنكوب فاعلم أنه لا يطيق علي زعيمه الملهم أي كلمة من أحد مهما كان غرضه، وأنه من أولئك الذين لا يجيدون إلا التطبيل والتهليل لأولئك القابعون علي كراسي الحكم وصدور الشعوب
المعارضة جزء أصيل من نظام الحكم والحاكم جزء آخر لا يتميز عن باقي منظومة الدولة (الحكومة والمعارضة ومؤسسات الإدارة) في شيء...لا يصح ولا يجب أن يصح أن تكون أول حضارة في تاريخ البشر في ذيل قائمه العالم في كل المجالات تقريباً بفضل سوء الإدارة والفساد، ونجد من يجعل من ذلك الذي يرغي منظومة الجهل والفساد نصف إله
والمفتاح السحري لتغيير وجه أوطاننا والانطلاق إليّ آفاق المستقبل تبدأ بتغيير النظرة للحاكم أولاً وتغيير معايير اختياره والاستفادة من تحارب الآخرين وعدم خبط الرأس في الحائط في محاوله إعادة اختراع العجلة في عصر العالم فيه ينتصر فيه علي المسافة والزمن .
دعونا نلفظ تراث العبودية للحاكم وننطلق إلى رحابه العالم المتقدم بدلاً من الحياه في أسر الماضي.
نقلا عن الجزيرة مباشر