يحدث أن تتأثر جموع الناس بوفاة شخصٍ لم يكونوا يعرفون عنه شيئاً في حياته، يحزنون على فراقه، ويعددَّون مناقبه، ويتناقلون سيرته الطيبة التي لم يكونوا يمتلكون عنها معلومة واحدة من قبل، يدعوا الكل له بالرحمة بينما يطرحون السؤال: "لماذا رفع الله ذكره إلى هذا الحد بعد وفاته؟".. تماماً كما في حالة الشهيد "مازن فقها" الذي بكته العيون، وتألّمت لأجله القلوب، وخرجت الآلاف لتشييعه، وحاله حال الكثيرين غيره ممن قضوا بأشكال أخرى من الموت، عن ارتفاع ذكر الميّت وعلاقة الأمر بأعماله في الدنيا يتحدث لـ"فلسطين" الداعية مصطفى أبو توهة.
يقول أبو توهة: "من المعروف أن الإنسان يتسم بصفة المحدودية في أعماله طولاً وعرضاً، وفي حياته ميلادًا ووفاة، وبالتالي فإنه يحاول قدر إمكانه أن يعوّض هذه المحدودية، سواء المعنوية أو المادية أحيانا بالدعاء، وهذا ما أفاده قول الله تعالى على لسان إبراهيم: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)، وفي نفس الاتجاه، يؤكد نبينا، صلى الله عليه وسلّم، هذه الغريزة والفطرة الإنسانية، حين قال: (من أراد أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه)".
ويضيف: "وهي غريزةٌ، ولا شك، مغروزة في كيان الإنسان لا يمكن له أن ينفك منها، لكن الناس أشكال وألوان، ولله في خلقه شؤون، فمنهم من أصبح رمزاً وعلماً للفساد والإفساد، كفرعون، وقارون، وهامان، فإنهم أصبحوا أئمة يهدون إلى النار، وهناك صنف من البشر تحصّلوا على شرف الإمامة إلى كل خير، كالنبي عليه الصلاة والسلام الذي رفع الله ذكره في العالمين، وذلك من خلال هدايته الخلق إلى كل خير".
ويتابع: "ومن نفس المدرسة تخرّج علماء وأدباء وشهداء، ولا شك أنها مدرسة مفتوحة يمكن أن ينتسب إليها كلّ مخلص في دعواه وتمنياته، وإن تكن المطالب لا تُنال بالتمنيات ولكن لا بد من ثمن مستحق من أفعال مجيدة وأعمال مأثورة، ومواقف تجعل من أصحاب القيم قممًا".
وبحسب أبو توهة، فإن: "الناس كلهم سيموتون حتماً، لكن أصحاب الأفعال العظيمة تموت أجسامهم ولا يموت ذكرهم".
ويشير إلى أن ميادين وفضاءات تمجيد الإنسان بعد موته فسيحة ووسيعة، كخدمة الدين وخدمة الوطن، فإن خدمة الدين لا تتم إلا من خلال صلاح الإنسان في ذاته، ولغيره، وقد سئل النبي: "أي العبادة أفضل، قال: سرورٌ تدخله إلى مسلم"، إضافةً إلى ربط الناس بخالقهم، وعودتهم عوداً حميداً إلى ساح الدين، لتكون العبودية الصادقة، مضموماً إلى ذلك التجرّد والإخلاص.
ويوضح: "أما ميدان الوطن، فهو وإن كان شكلاً من أشكال خدمة الدين، فإنه يمثل أبرز عناوينه، فلا سلامة للأديان إلا بسلامة الأوطان، ولا سلامة للأوطان إلا بسلامة الإنسان، وفي اعتقادي الجازم أننا ونحن في هذه الجبهة المتقدمة من وطننا الإسلامي الكبير، فإن الذود والدفاع عن حرمة الأوطان من أقدس المقدسات، جهادا في سبيل الله، واستشهاداً من أجل حريته وكرامته، ومن وراء ذلك كل فعل وعمل يحافظ على مكونات ومقومات هذا الوطن، فحب الأوطان من الإيمان".
نقلا عن فلسطين اون لاين