كتبت غادة عادل اشتيه

في اطار استمرار قطار تجوال أصداء في التنقل في مختلف مختلف المدن والقرى الفلسطينية، فقد حط  رحاله في احدى القرى التابعة لمدينة جنين، فدخل موكب تجواله مسارا طويلا يشق أراض خضراء شاسعة يفصلها عن بعضها, و تطل الطريق على أحراش من السرو والصنوبر من كلا الجهتين, فتظهر من بعدها تجمعات سكنية, لتتبين أنها وجهتنا وهي قرية رابا.

تقع رابا إلى الجنوب الشرقي من مدينة جنين على بعد 19 كم منها, وترتفع حوالي 500 م عن مستوى سطح البحر, وتبلغ مساحة أراضي القرية حوالي 25 ألف دونم, منها 12 ألف دونم أحراج, وتمثل المرتبة الثانية بعد قرية يعبد في مساحة أحراجها, تحيط بها أراضي مدينة طوباس وعقابا من جهة الجنوب, والمغير والمطلة من الشمال, وقرية الزبابدة والجامعة العربية الأمريكية من الجهة الغربية, ويحدها الأغوار الشمالية من جهة الشرق.

تسكن القرية عائلاتان رئيسيتان هما القصراوي والبزور وتعتبر لقصراوي أول من سكن القرية, ويعود تاريخ قدومها إلى القرية إلى العام 1830 , غير أن عائلة البزور أكثر عددا من عائلة القصاراوي, وقد تطور عدد السكان بشكل كبير خلال القرن الماضي.

يعود سبب تسمية القرية إلى كلمة رابية أو الربوة وهي ما ارتفع عن الأرض, حيث أن القرية تقع على ربوة مرتفة على سفح الجبل الواقع من الجهة الجنوبية وتعرف باسم جبل السالمة الذي هو امتداد لسلسلة جبال الجلبوع الكنعانية (جلبون حاليا), وتقول بعض الروايات أن اسمها يعود للنبي رابين.

ومن الجدير بالذكر, يقول رئيس مجلس القرية جهاد البزور أن نشأة النواة الأولى لقرية رابا كانت فوق هضبة منبسطة شرق البلدة وهذا أفادها بتوفير مساحات كبيرة للزراعة والرعي, بالإضافة أن هذا الموقع جعلها منعزلة عن القرى المجاورة لعدم وجود شوارع رئيسية يربطها بباقي القرى, ثم أخذت القرية بالتوسع والإمتداد خاصة باتجاه الشمال والغرب, وأخذ أبناء العائلة الواحدة يبنون بيوتهم بجوار بعضهم حيث أصبحت كل عائلة تشكل حارة.

وينوه البزور أن أهالي القرية يتسمون بصفات الكرم والجود, فالعمال بمساجد البلدة يستضيفهم أهل القرية,  فكل يوم يستضيفهم بيت من بيوت القرية على الطعام, وبالإضافة إلى مساعدة واستضافة طاقم مسلسل أولاد المختار الذي يصور في آثار قرية رابا مسلسله الذي سيعرض في شهر رمضان القادم.

وبدوره, تتميز القرية بوجود بعض المواقع الأثرية والخرب الدالة على الإستيطان البشري وتعاقب هذا الإستيطان في أكثر من موقع, فتجد بيوتا ومساجد أثرية يخرج من ثناياها أزهارا وحشائش جميلة, ليعطيها رونقا وعبقا يدفعك لدخولها, فتشم بداخلها رائحة الآباء والأجداد,  ومن المواقع المعروفة خربة رابين وخربة خروبة وقصر الشيخ وخربة مراح الرها وخربة أم سرحان وتحتوي القرية على ديوان قديم حيث كان يستخدم كمسجد وديوان في ذات الوقت ويستقبلون الناس فيها قديما, بالإضافة إلى وجود ثلاث مساجد فيها هي مسجد عمر بن الخطاب ومسجد معاذ بن جبل ومسجد أبو بكر الصديق.

بالرغم أن قرية رابا من قرى جدار الفصل العنصري, حيث أن جيش الإحتلال استولى على ما يقارب 1600 دونم من أراضيها, لكن هذا لم ينقص من جمالها الطبيعي الخلاب الذي يميزها عن باقي القرى الفلسطيني, فهي تستقطب زوار كثر بفصل الربيع, حيث تشتهرالقرية بزراعة الحبوب والبقوليات واليانسون والكمون وأشجار الزيتون واللوز بالإضافة إلى وجود أحراج السرو والصنوبر التي تعتبر الآن محمية طبيعية. ومن جانبه تضم الجهة الشرقية في القرية حيوانات برية كالغزلان والأرانب وطيور الشنار, وفي الغالب يعانون المزارعون من بعض الحيوانات كالخنازير والضباع.

لم تقف البلدة عند هذا الحد, فقد طورت مشاريع اقتصادية تعود على أصحاب القرية بالفائدة, ومن بينها مشروع مصنع بلاستيك جديد فهو قيد الإنشاء, وتحتوي أيضا على محاجر عديدة للصخربداخل القرية وعلى مدخلها.

يعتبر التعليم من أبرز مظاهر الحياة الفكرية في القرية, كان التعليم في البداية قائما على نظام الكتاتيب حتى أواخر العهد العثماني, وأنشأت أول مدرسة حكومية في القرية عام 1924م قبل الحكومة البريطانية, حيث ضمت 35 طالبا, وفي الوقت الحالي يوجد ثلاث مدارس ، اثنتان للذكور وواحدة للإناث ويقدر عدد طلاب المدارس بحوالي 1000 طالب وطالبة.

ويواصل فريق تجوال رصد المواقع المميزة من كل بلدة وقرية, ليرسم صورة جميلة عن وطننا الحبيب, الذي يحمل بين ثناياه التراث والحداثة, الجمال والطبيعة, وألوان علمه الحبيب بخضاره وزهوره وصخوره ونقائه المخفي بين قسوة الظروف.