هالة أبوعيشة "الوزني"

الروح التي تمتاز بالتنوع تمنح الحياة مجموعة من الألوان مثل فراشاتٍ لا تتوقف عن كونها جميلة، هذه الروح التي تجمع بين الكتابة والرسم وفواصل تصنع بحب لا حدَّ له؛ لتعطي للقارئ نفسٌ جديد وبداية أخرى بتشويق آخر، تُسطر العالم بسطور بسيطة وتنثر كل ما تملك من حروف فوقها لتُضحك فروسية الركض الطويل نحو الهدف. ترسم لحن البقاء الطويل على هذه الأرض ولا تمل من تلوين الحكايات القابعة على الجدران، هذه الروح التي تستطيع أن تجمع بين ثلاثة مواهب عظيمة هي بداية لرسالة لا ننتهي من قرائتها دون أن نقول "واو".

صابرين الحاج أحمد من قرية عرابة جنوب غرب مدينة جنين،  طالبة بالسنة الثانية في تخصص الرسم والتصوير في جامعة النجاح الوطنية. وهبت نفسها للكتابة والفن معًا، فمن يتابعها على مواقع التواصل الإجتماعي لا يستطيع أن يتخيّلها دون أقلامٍ وأوراقٍ وألوانٍ كثيرة تتسّع لهدوئها الخارجي وصخبها الداخلي في آنٍ واحد.

"أنا لستُ كاتبًا جيدًا، لكنني أعيد كتابتي بشكل رائع". لربما هذا ما سعت إليه عند دخولها إلى عالم الأدب والكتابة، فتقول: "أكتب منذ ثلاث سنوات، وأحببتُ الشعر لكنني لم أتجرأ للكتابة به، فاتجهتُ لقراءة النثر والرواية لأبدأ بعدها الكتابة بداعي الفضول لا أكثر. في الحقيقة، لم أكن أعلم بأن هذه الطريقة الوحيدة التي ستجعلني أفكر بطريقة أوضح، ولأجد نفسي أخيرًا بعد سنواتٍ كانت مليئة بالضياع".

المنزل أكثر الأماكن الضيقة اتسّاعًا

لم يصيبوا في القول بأنَّ "فاقد الشيء لايعطيه"، فوالدة صابرين لم تكتفِ بكونها أم فقط، بل تعدّى ذلك لتكن المعلمة الأولى لابنتها في الكتابة، على الرغم بأنها لم تتلقَ في بداية حياتها أي تشجيع لاكمال مسيرتها في الكتابة والنشر في الجرائد والمجلات المختلفة، فلم تتوقف عن تشجيعها في الاستمرار بالبحث عن ذاتها في عالم الأدب، وظلت تقرأ نصوصها؛ لتبيّن لها مواطن الضعف والقوّة في لغتها. فالربما "من شابه أمه ما ظلم"!.

تتابع الحاج أحمد بشغفٍ عشريني واضح في الحديث عن موهبة جعلت لها موطئ قدم مهم في عالم السوشال ميديا، "في بداياتي الأولى في الكتابة كانت معظم النصوص التي أبدأ بكتابتها من وحي الخيال لا أكثر، لكنني الآن لا أستطيع كتابة أي نص أدبي مالم أكن أشعر به عالأقل، أو يعبر عن موقف ما عايشتهُ. فالكتابة شعور قبل أن تكون مجرد أحرف لا تحمل أي قيمة معنوية لصاحبها أو قرّائها".

كأي موهبة أخرى، تأثرت بأسلوب كتابتها في كبار الأدباء، ومنهم الكاتب الياباني هاروكي موراكامي والروائية التركية إليف شافاق.

أما عن السوشال ميديا، نجحت صابرين في بناء شبكة علاقات واسعة ساعدتها كثيرًا في نشر نصوصها في مختلف أنحاء العالم؛ ليتابعها على الفيسبوك أكثر من 23 ألف شخص من بلدان مختلفة.

رحمة، شقيقة صابرين وتدرس التمريض في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، بدت فخورة جدًا في الحديث عنها، فتحدثت: "صابرين من الأشخاص الصامتيين بطبعهم، ولا تتكلم كثيرًا عن أي شيء يتعلق بها. في الأساس نكاد لا نعلم الكثير عن حياتها الخاصّة ونحن بدورنا نحترم ذلك فلا نُقحم نفسنا بسؤالها".

"بنشوفهاش"، هكذا تابعت رحمة الحديث عن أختها، فقالت: "دائمًا ما تكتب وترسم لوحدها، وغالبًا ما أتفاجئ بنصوصها على الفيسبوك، فكيف استطاعت كتابتها وهي جالسة معنا ولا علامات بادية على وجهها للشعور الذي تكتبه في نصها. نتأثر نحن لكن لا يؤثر فيها".

تمتلك صابرين مكتبة منزلية تحتوي على أكثر من 100 كتاب تتجرّع الأدب منها دون مللٍ يقعدها عن القراءة التي انتهجتها كأسلوب حياة أبدي.

"صنع بحب"

لم تتوقف صابرين عند موهبتها في الكتابة فقط بل اتجهت إلى ميولها وشغفها بالفن لتطلق مشروع "فواصل كتب". فتوضح، "بدأت الفكرة عندما صنعت فاصل صغير لصديقتي نور، كتذكار صغير ليس إلّا،  والمجهود كله شخصي، من شراء المواد والجهد والوقت الطويل الذي يأخذه العمل، فأحسستُ بأنني لن أستطيع التوقف عن صنع الفواصل، لأقرر أخيرًا بأن أجعلها تسلية وعمل للكسب في آنٍ واحد".

وتتابع، "أجد نفسي بالشيء الذي أحبّ، لذا حاولتُ ابتكار شخصية كاركاتير خاصّة بي لتكون هوية فنية تعبّر عني، فمن هنا جاءت فكرة صنع فواصل تجمع بين الشخصية الحقيقية وأخرى وهمية من خيالي الشخصي لتكون النتيجة أخيرًا تعبّر عن طالبها بطريقة فكاهية وجميلة".

وأشارت بأن أي فاصل يتم صنعه لا يتم إعادة رسمه مرةً أخرى، أي أن هناك نسخة واحدة فقط من كل فاصل تم بيعه.

لم تغفل صابرين عن ذكر الدور الأساسي في المشروع بمساعدة صديقتها شهندا فواز، والتي تشاركها ذات التخصص الجامعي، فتقول فواز: "كل شيء حصل عن طريق الصدفة عندما عرضت عليّ صابرين أوائل الفواصل التي صنعتها، فأحببت فكرة العمل جدًا وسألتها إن كان بإمكاني العمل معها، فرحبت بالفكرة جدًا".

وتتابع، "اتفقنا على أن أتولى فكرة الرسمة وتكمل هي صنعه بالكامل، ونصيبي من الربح يكون ربع البيعة".

أكدت شهندة في حديثها تطورها الكبير في القدرة على الرسم، فأصبحت تعبّر عمّا بداخلها عن طريق الفواصل التي تأخذ جهدًا كبيرًا من وقتها، مؤكدةً على أن هذا التطور لن يقف إلى حد الرسم على ورق بل سيتم إبتكار طرق وأفكار جديدة تجذب المتابعين.

 فواصل صابرين لا تعرف حدود الدول

الجمال لا يقف عند حد، بل ينتقل بغض النظر عن المسافات والحدود التي تقف عائقًا أمام أي شيء، لذا نجحت صابرين في إقناع الجمهور الخارجي بالإلحاح في الطلب على فواصلها، لتعرض لأول مرة خارج فلسطين في معرض في الرياض ويليه معرضٌ آخر في أبو ظبي الشهر القادم.

"ميلاد هي دار للنشر في السعودية، أخبروني بأنهم سيكونوا سعداء للعمل معي بشراء الفواصل مني، لكن في الحقيقة لم أكن أعتقد أن الطلب على الفوصل سيزداد بهذا الشكل، ففي أول مرة طُلب مني عمل 100 فاصل؛ ليتواصلوا معي مباشرة بأنهم بحاجة المزيد في فترة متقاربة جدًا لم أتوقعها".

يذكر بأنه تم عرض للفواصل في معرض حرفتي في جامعة النجاح الوطنية قبل أشهرٍ عدة.