اجتاحت التكنولوجيا العالم بكل تفاصيله، بما في ذلك من إنترنت وأجهزة ذكية وطرق تواصل متعددة، ومن ثمّ أصبحت في متناول الجميع، خاصة من فئة الشباب الذين تسرق التكنولوجيا قدرًا كبيرًا من وقتهم، ولأن الكبار أيضًا دخلوا على خط استخدامها، رغم ما يواجهونه من صعوبة في التعامل والاستخدام، ولذا فهم كثيرًا ما يستعينون بأبنائهم للتعرف إلى طرق استخدام التكنولوجيا، وأما طلبات الآباء والأمهات المتكررة لحل مشاكل تكنولوجية تدفع بعض الأبناء إلى إصدار حكم على أهلهم باستصغارهم، وقد تتكون لديهم نظرة داخلية فيها قدر من الاستعلاء والفوقية، ومنهم من يعبّر عن ذلك صراحة، وأحيانًا يكتبون عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي مواقف تدل على عدم معرفة أهلهم بالتكنولوجيا، فيجعلونهم مثار سخرية لغيرهم من مستخدمي هذه المواقع.
قال الداعية مصطفى أبو توهة: "يقدر الله تبارك وتعالى أن يعيش الناس في هذا الزمان وضعًا يختلف اختلافًا كبيرًا عما تعارف عليه الكبار والصغار، وهو ما يسمى بالطفرة التقنية، حيث أصبح الناس اليوم لا يستغنون في صغير حياتهم وكبيرها عن الآلات والأجهزة التي لا تعمل فقط بالنظام الآلي بل تعمل بنظام الضوء".
وأضاف لـ"فلسطين": "نظرًا إلى أنها تقنية رفيعة المستوى، فإنها أوجدت مساحة واسعة بين الجيل الحالي، وجيل الكبار الذين فاتتهم فرصة التعامل مع تلك الأجهزة السحرية، ومن ثم التعرف إلى خفاياها وخباياها، لذا تعلمها الكبار في سن متقدمة، في الوقت الذي قُدِّر فيه للناشئة أن يولدوا والأجهزة تحيط بهم حيثما كانوا".
وبين أبو توهة أن الجيل الأول أصبح مسبوقًا، فاضطر إلى سد هذا الفراغ الزمني بالعودة إلى الصغار للسؤال والاستفسار، وبالتالي فقد أصبحنا نعيش في زمن ولأول مرة يتعلم الكبار من الصغار، وهو تعلم قد تتمخض عنه مفاهيم خاطئة ومواقف محرجة، ذلك أن الجيل الصغير ربما فهم بعض أفراده أن هذه الحاجة من الكبار للصغار تعطيهم المسوغ في أن يشعروا بالفوقية والأستاذية، فحرك عندهم آفة الكبر والاستعلاء على ما هو فوقهم سنًا، الأمر الذي جعلهم يتمردون أحيانًا على نظرة القداسة والاحترام لكبار السن.
وأوضح: "وهي ولا شك طامة كبرى وجريمة لا تُغتفر، لأنها دخول إلى ساحة العقوق ومن أوسع أبوابها، لكن وللإنصاف فإن البعض منهم قد عافاه الله من الوقوع في هذا المحظور، فنظرته نظرة فحواها أن رد الجميل واجب مستحق لمن وفر لنا الحياة الكريمة، وأن امتلاك تلك التقنيات فضل من الله تعالى، فكان التعاون مع الأهل بشأنها".
وقال أبو توهة: "فرارًا من هذه الإشكالية القدرية الدائرة بين الاحتقار والاحترام، فإننا مطالبون كأولياء أمور أن نحسن التربية في كل حال، في ساعة الفقر وساعة الغنى، حتى لا نكون ضحية لتلك التجاوزات من قلة التقدير والاحترام والتمرد على المبادئ والأخلاق، ويرحم الله أبا العتاهية حين قال: (الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة)، فأبناؤنا من صنع أيدينا، وحسن التربية يعود خيره علينا أولًا، وإن أسانا التربية فأول من يكتوي بنارها نحن وليس وغيرنا، وكما قال نبيّنا: (وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)".
نقلا عن فلسطين اون لاين