mildin og amning mildin creme mildin virker ikke">
يعتقد البعض من الشّعراء أنّ ثراء الأنثى في تناقضاتها، ويتغافلون عن حقيقة أنّ الأنثى المتوازنة نفسياً والمنسجمة مع واقعها وتفاصيله وصعوباته ليست فقيرة روحياً
الرابط الخفي بين القيم الجمالية والمرأة رابطٌ روحي قد لا يدركه الذين يرون فيها جسداً مثيراً وطيّعاً قابلاً للمقايضة والتسويق والإعلان في عالم استهلاكي لم يعد يعنيه سوى الشكل الذي يقدم من خلاله المنتج مهما كان سيئاً، المهم خداع المستهلك وجعله يدفع مقابل تلك السلعة الفاسدة أو المنتهية الصلاحية وفي أفضل الأحوال السيئة.
روّج الذكور منذ انتهاء العصر الأمومي أفكاراً وقيماً صارت على مرِّ التاريخ راسخة في الأذهان وكأنّها من المسلّمات حتّى جاء العصر الذي بدأت فيه المرأة بمحاولة الخروج من القمقم لنيل حريّتها وفاتها أنّ الحريّة بمفهومها الملتبس قد تكون سجناً هي الأخرى.
يعتقد البعض من الشّعراء أنّ ثراء الأنثى في تناقضاتها، ويتغافل عن حقيقة أنّ الأنثى المتوازنة نفسياً والمنسجمة مع واقعها وتفاصيله وصعوباته ليست فقيرة روحياً، فالتناقضات التي قد تُنتج عملاً مبدعاً وهي سلاح قاتل غالباً ما يغتال استقرار المرأة ويتركها نهب آلامها إلى مالا نهاية، فتكوين المرأة لا يقف عند النّص الإبداعي بل هي كونٌ مليءٌ بالأعباء والمتاعب والقهر والانكسارات التي يخلّفها المجتمع الذكوري في روحها يومياً وعندما تنتج نصاً إبداعياً يستنفر النقاد الذكور للهجوم على النص إمّا مدحاً مدمراً أو نقداً يسفّه النّص ويعتبره سيرة ذاتية.. وأذكر هنا أحد الروائيين الكبار الذي قال لصديقة لي عندما أهدته باكورة أعمالها القصصية: "الأفضل لكِ أن تجلسي في المطبخ وتقشري البصل".. فالمرأة باعتقاد الكثيرين جنتها بيتها ولا يمكنها أن تصبح كاتبة فما تكتبه مجرد ترهات. هذا بالإضافة إلى اضطرار المرأة للخضوع إلى رقابة صارمة أثناء الكتابة إن كانت متزوجة وربّة أسرة كي تجنب أولادها الشّعور بالعار نتيجة نشرها لعواطف شخصياتها على الملأ.. وذلك لأنّ القرّاء والنقّاد لم يتخلّصوا من فكرة الذاتية والتّجربة الشّخصية للمرأة التي تفتقر إلى المخيلة كما جاء على لسان "جيرمين غرير" (أنّ هناك شائعة تقول إنّ للمرأة حوضاً بدلاً من المخيلة وأنّها عاجزة عن أن تكون فنانة عظيمة).
ذلك الحوض هو حوض المخيلة التي تلقت البذرة وأنزلتها إنساناً سوياً.. المخيلة التي يرفض الذكور الاعتراف بأنّ الأنثى تمتلكها فتراهم يلهثون في الدّفاع عن حقوقها والاحتفاء بأعيادها وفي الوقت ذاته يعاملونها كجارية لا تفهم أبعد من حدود جسدها ولا يتجاوز عقلها قدميها!
حقيقة النظرة إلى المرأة عبر التاريخ الذكوري كرّست معاملة المرأة على أنّها مواطن من الدرجة الثانية.. فكثيراً ما نرى أنّ المجتمع إذا أراد الحط من قيمة رجل يصفه بالتخنث، أو يلجأ إلى شتمه بأمّه وأخته لإذلاله أو يوصف بأنّه ابن حرام!
لم تصل المرأة إلى مصاف الآلهة والكائنات النورانية _وإن كانت مبدعة_ إلا في خيال الشعراء ولأسباب تخصهم وهذا مالا أجده سليماً ولا أجده ضرباً من الإبداع، فليس الإبداع في مخيلة منفلتة أو امرأة تمنحنا الشعور بألوهيتنا ولا بتمثلنا لحضارات غربية لا ننتمي إلى عالمها بل الإبداع في التّخلص من حصار تلك الحضارات على عقولنا وأدواتنا الفنية وإبداعنا وفي إثبات هويتنا نحن الذين كنّا منبع الحكايات التي ألهمت الغرب زمناً طويلاً.
منذ البداية جذب الرجل المرأة إلى الأعمال التي تلزمها بالتخلي عن أنوثتها لتضمر تلقائياً بوصفها غير مستعملة، وقد أشركها بالجرم كي لا تكون شاهد إثبات كأعمال الغش في البناء بإشراف مهندسات والرشاوى الوظيفية وتسيير معاملات الدولة. ثمّ تمّ إخضاع ملايين النساء للنموذج الواحد باستخدام الأزياء، الإعلان، وصنع نماذج من الفتيات يتصفن بالجمود بحيث يفقدن شخصيتهن وبذلك يستبعد كلّ خطر للمرأة الأنثى!
وكي يتسنى للمرأة التّفوق على الرجل في عالم مليء بالقتل والتّدمير والعدوان والنزعات الفردية لا بدّ لها من أن تفقد إنسانيتها..
لم يأتِ الطغاة من العدم بل من رحم امرأة فقدت إنسانيتها وسعت إلى هلاكها لتضارع الرجل وتتفوق عليه بالعمل لديه ولأجله فتصبح نصف رجل لكن تبقى الهيمنة للذكر، للرجل الكامل وليس لأنصاف الرجال بدليل تشبيهها بهم (أخت الرجال) فهي لن تصل إلى الرجولة التي فقدت لأجلها أنوثتها وإنسانيتها!
حال المرأة في عصرنا أسوأ مما كانت عليه في عصر الحريم، كانت المرأة في ذلك العصر محتفظة بأنوثتها، تصغي وتقدّر وتلاحظ وتنتظر ثمّ تتدخل لتصوغ القرار.. اليوم المرأة مستعمرة باسم الحريّة من قبل هؤلاء الرجال الذين يصرون على منحها الحريّة! حريّة الخضوع للآلة التي تراقب الدوام في مراكز العمل، حريّة الخضوع لرب العمل ولمساعديه، حريّة المعتقل الكبير خارج جدران المنزل.. حقّقت المرأة إذن الغاية المرجوة من حريتها، أيدٍ عاملة جيدة بأجر أقل، نساء لا شخصية واضحة لهنّ، نموذج للمجتمع الحيادي بمشاعره المبرمجة والمقننة حسب الحاجة. ولم تبتعد النساء الذكيات والمتوازنات عن ورطة الحريّة فقد تمّ جرّهن للقيام بدورهن في صناعة الصواريخ والأسلحة والكترونيات ليتحوّلن إلى مشاركات في القتل والتّدمير ولتتوجه أصابع الاتّهام لهنّ. لو عادت المرأة إلى نفسها لاكتشفت أنّ الأنوثة هي قوة وحكمة وذكاء وعمل ومن خلالها تتحكم بالعالم الخارجي الذي يوشك على الانهيار.
نقلا عن الجزيرة مباشر