آفاق عمل الخير في الإسلام لا حصر لها، وكذلك عمل الخير نفسه قد يتعدى طرق تنفيذها فمثلا من يرغب بتقديم صدقة، ربما يبحث بنفسه عن المحتاجين، ثم يتحرى عن مدى حاجتهم، فيعطيهم المال، أو يشتري لهم احتياجاتهم بنفسه، وربما يتفقد أحوالهم ليخفف عنهم فقرهم، وبدلا من أن يفعل كل هذا, قد يكتفي بإعطاء المال لجمعية خيرية تتولى هي الجانب العملي كله من عمل الخير هذا.
إن وقع الاختيار على الخيار الثاني، ففي هذه الحالة يختفي بذل الجهد من عمل الخير، رغم أهميته في عدّة جوانب، وهذا ليس في الصدقة وحدها، بل في أعمال الخير عموما..
يقول الداعية مصطفى أبو توهة: "أعمالنا الصالحة قليلة، وقليل من هذا القليل ما يُرفَع إلى الله تعالى، كما في قوله عزّ وجلّ: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)، وعدم رفع العمل لا يمكن أن يتأتّى إلا من خلل في تضافر مقوّمات القبول، والتي منها عدم وقوع العمل الصالح في محله، وهي مشكلة ربّما لا يتفطّن إليها كثير من الصالحين، فليست العبرة بضخامة وعظيم العمل الصالح، بل العبرة في ضمان كيفية فعله والحرص على أن يبلغ منتهاه".
ويضيف لـ"فلسطين": "إذاً المسألة في الكيفية وليست في الكمية، وبالتالي فإن حالة البرود وعدم المبالاة في تحقيق الغاية والهدف مُؤخرٌ لوصول الثواب والأجر، ونحن في هذا الزمن، الذي تعقّدت فيه الأمور، وتكاثرت فيه الهموم، فإن تنافسًا محمومًا بين المؤسسات العاملة نراه في الإعلانات، الأمر الذي يغري كثيرًا من أصحاب النوايا الطيبة إلى إلقاء التبرعات من دون تحقق في وصولها إلى أصحابها".
ويتابع: "لا نشكك في القائمين على تلك المؤسسات الخيرية، لكننا نؤكد أنها ينبغي أن تكون في نهاية المطاف، بعد أن يُعدم المتصدق الوسيلة والسبيل إلى معرفة المحتاجين عن قرب، ذلك أن المحتاجين صنفان: صنف يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، يحفظون مياه وجوههم، ويعفّون أيديهم أن تمتد، فينصرف الناس عنهم، وصنف من المحتاجين، وهي الشريحة الأوسع، يحافظون مظهرهم المأساوي، يستدرون به عواطف الناس، وينخدع بعض الصالحين بالمظاهر، فيصبّون جلّ أموالهم في تلك الجيوب الخادعة الخاطئة، ولذا ينبغي على المسلم أن يبحث وسع طاقته عن تلك البيوت المستورة".
ويذكّر أبو توهة بما رُوي عن الإمام الكسائي، أنه طرق بابه ليلًا أحد السائلين ليسأله بعض الدراهم، فأعطاه الإمام أكثر مما سأل، فذهب السائل في حال سبيله، بعدها بكى الإمام بكاء شديدا، فاستغرب أهل الدار، فسألوه عن سبب بكائه، فقال: "إنما أبكي لأني لم أسأل عن حاجته التي ألجأته إلى الذل".
ويؤكد أنه على المسلم أن يدقق في موقع الصدقات، ولا مانع بعدها أن يُعطي المؤسسات العاملة إذا لم يهتد إلى المحتاجين، وكما يقول تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، وقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله".
ويوضح: "هذا كله مرجعه إلى شعور المسلم بشعور إخوانه الذين يعيشون من حوله، وهو شعور له خطره، إذ يقول عليه الصلاة والسلام: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، والهمّ هنا له معنيان، إمّا بمعنى الاهتمام والمتابعة والبحث والتحري، أو بمعنى الحَزَن والألم والشعور بشعور الآخرين، ولعلّ ما يوضح تلك المشاعر الإنسانية الإيجابية ما قاله أويس القرني رضي الله عنه: (اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة ومن كل جسد عارٍ، فإني لا أملك إلا ما في بطني وما على ظهري)".
الصدقة مثالٌ على بذل الجهد في عمل الخير، لكنها ليست السبيل الوحيد بالطبع، ولذا يؤكد أبو توهة: "مفهوم العمل الصالح في الإسلام أكبر من أن يكون محصورًا في المعاملات المالية، ذلك أن العمل هو مجموع الفعل والقول، فالعمل أشمل وأعمّ من الفعل والقول، فكل عمل يتعدى خيره إلى غيره فهو فعل، وكل قوله يتجاوز خيره إلى غيره فهو مطلوب، ومن أجل أن يكون العمل والقول صالحا ينبغي أن تتوفر النية المجردة".
ويشير إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام وقد وسّع معنى الصدقة، فقال: "الكلمة الطيبة صدقة، والبسمة في وجه أخيك صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأن تدل الرجل في أرض الفلاة صدقة، وإمساكك عن الشر لك صدقة".
ويبيّن أبو توهة: "ومن هنا نفهم أن أفعال الخير لا حدّ لها، وربما تتجاوز إلى المشاعر الباطنية كالدعاء في ظهر الغيب، وتمني الخير للآخرين، وعدم الحسد والبغضاء، ونظرة التوقير للآخرين، كل ذلك معدود من الأفعال".
نقلا عن فلسطين اون لاين