تصادفت مشاركتي في مؤتمر منظمة العمل العربية، للدورة 44 المنعقدة في القاهرة، مع الأحداث المأساوية التي شهدتها مصر يوم الأحد الماضي في كنيستي مار جرجس بمدينة طنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، والتي راح ضحيتها عدد كبير من الشهداء المسلمين والمسيحيين، ما جعل عيد السعف الذي يحتفل به جميع العرب من مسلمين ومسيحيين كعيد للحب والسلام إلى يوم دام ومحزن؛ ليس فقط بسبب فقدان الضحايا والجرحى، وإنما بسبب محاولات المساس الدائمة بتمزيق الهوية العربية من أجل خلق هويات متفرقة داخل الجسد العربي الواحد، وخير مثال ما حدث ويحدث في العراق وسورية واليمن والسودان، وهو أكبر دليل على ما أقول.
إن الإرهاب الذي يضرب في المنطقة العربية بالتأكيد له أسباب ومسببات كثيرة يتم استثمارها من أجل أجندات دولية وإقليمية تستهدف الكينونة العربية، لكن إذا ما قرأنا الواقع العربي بشكل سريع نجد أن الشباب العربي محبط بسبب البطالة والفقر والفساد المنتشر في الدول العربية البيروقراطية، ما جعله في حالة غيبوبة مع الواقع بسبب تغييب عقله من جهة، ومن جهة أخرى غسيل المخ الذي يتعرض له شبابنا العربي، من خلال أصحاب المشاريع الإقليمية، بأدوات وأجندات الجماعات الإرهابية الهادفة إلى تمزيق نسيج الهوية العربية باسم راية الإسلام!
وحتى لا أكون رومانسياً بالوطنية والقومية، يجب أن نعترف بأن العقل العربي بحاجة إلى صعقات كهربائية لمحاولة استرجاعه من الظلاميين بمختلف أشكالهم، وأيضاً استنهاضه من أجل مواجهة الواقع العربي والتحديات التي يواجهها في كافة الميادين وهذا يتطلب منا العمل على جبهات مختلفة منها:
- إعادة بناء الثقافة العربية الجمعية بواسطة الفن والسينما والموسيقى والرسم والشعر والرواية والمسرحيات والأفلام والمسلسلات وغيرها، من أجل تنظيف ومواجهة ما يقوم به الظلاميون من تلويث للعقل باسم الإسلام والدعوة إلى التحريض بفتاوى هي معادية للإسلام أولاً وأخيراً.
- قراءة نقدية بنّاءة في مناهج المدارس والمعاهد والجامعات العربية، ليس فقط من أجل مواجهة التطرف، وإنما على العربي المسلم أن يعرف من هو العربي غير المسلم والعكس صحيح، وكذلك من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية والمجتمعية، وبالأخص فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي أصبحت مغيبة على الصعيد العربي والفلسطيني، وخير مثال إلغاء تدريس بعض المواد التي كانت إلزامية والتي تتحدث عن القضية الفلسطينية في بعض الجامعات الفلسطينية.
- تجديد الخطاب الديني بشكل ملموس وعملي، وليس فقط على الصعيد الإعلامي من أجل تهدئة الأوضاع بين فترة وأخرى، لهذا على المؤسسة الدينية المتمثلة بالأزهر مواكبة وتطوير الفقه الذي تمت صياغته منذ أكثر من 6 قرون.
- تطوير الأداء الأمني بأقصى سرعة، وبشكل واضح ودون أي ضبابية أصبحت المؤسسة الأمنية تفتقد للمعلومات، ما جعلهم يفتقدون إلى عنصر العمليات الاستباقية والمفاجآت الرادعة بضرب بؤر الإرهاب وعناصره قبل ارتكابها أعمالها الإرهابية.
على الدول العربية وضع تصور واضح في كيفية التعامل مع الدول العربية وغير العربية الداعمة بأشكال مختلفة للإرهاب، خصوصاً تلك الدول الداعمة للإرهاب بالأموال الباهظة، وجميعنا يعلم أن هناك دولاً عربية تتعاون مع دول كبرى في دعم الإرهاب المنظم، خصوصاً أن الأمر أبعد من كونه تفجيرا هنا وهناك بقدر ما هو تدمير للخارطة العربية وتخريبها لتشكيل دويلات عربية على أساس الدين والمذهب.