د. خالد معالي
درس قاس وموجع، أرسله الأسرى في إضرابهم المتواصل عن الطعام؛ للخارج، ولكافة ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وخاصة حركتي فتح وحماس؛ بان الاحتلال واحد، والسجان واحد، والدم واحد، والهدف والمصير واحد؛ فلماذا كل هذا الخلاف والانقسام، وعدم التوحد حتى ألان على برنامج وطني مقاوم موحد، يوحد كل الطاقات ويستثمرها في طريقها الصحيح، بدل إهدارها بعيدا عن التناقض الرئيس وهو الاحتلال.
درس قاس وحرج؛ يرسله الأسرى المضربون عن الطعام للأسبوع الثالث، ومن خلف القضبان؛ للخارج، سواء أكانوا فلسطينيين أم عربا أم مسلمين؛ يقولون فيه: نحن الأسرى المضربون وبرغم أننا خلف القضبان؛ نتحدى بأمعائنا كل يوم بطش السجان، ونقهره بصمودنا، وانتم في الخارج هناك..هناك؛ رجال يأبوا إلا أن يكونوا أشباه رجال؛ يستكثرون علينا وقوف ساعة تضامن معنا في خيمات الاعتصام أو المشاركة بمسيرة؛ على دوار المنارة في نابلس أو رام الله أو الخليل، أو جنين... ؟!
دروس وعبر كثيرة يمكن للمرء أن يستقيها من إضراب الأسرى في سجون الاحتلال ومعاناتهم؛ فبجوعهم الشديد للوطن ولحريتهم، وبصبرهم، وإيمانهم بعدالة قضيتها، صاروا مدرسة في التضحية والعطاء؛ برغم تغييبهم قهرا وقسرا خلف قضبان السجون الظالمة.
يتربع الأسرى الأبطال؛ على عرش البطولة والقدوة الايجابية والصالحة في قهر عذابات الأسر الطويلة؛ فهم ينوبون عن الأمة العربية والإسلامية في مقارعة قوى الظلم والباطل، وفي اضعف أوقاتها، حيث لا نصير ولا حليف لهم؛ إلا التوكل على الله.
برغم شراسة ووحشية الهجمة المسعورة على الحركة الأسيرة من قبل إدارة السجون؛ وخاصة الأسرى المضربين عن الطعام؛ هزأ الأسرى بسجانيهم؛ ولم يعبئوا بصوت الجلاد، ولا بجلده وتعذيبه، ولم يرفعوا راية بيضاء، فالحق لا يستسلم أصحابه مهما كانت ظروف المعركة صعبة جدا وشاقة، وهل يوجد عدالة في الأرض أكثر من عدالة مطالب الأسرى بالتحرير، ونيل حريتهم، وحرية وطنهم!؟
يشكو الأسرى من ظروف الأسر القاسية؛ فسياسة التضييق عليهم وخاصة بإستمرار سياسة التفتيش العاري، والعزل ومنع زيارة ذويهم ووضع كاميرات لمراقبة تحركاتهم، واقتحام الغرف في ساعات متأخرة من الليل، بالإضافة إلى عدم السماح لهم باقتناء الكتب، وحرمانهن من التعليم، كل ذلك لم يفت في عضدهم في مقارعة السجان بالإعلان عن إضراب مفتوح فيه دروس وعبر كثيرة.
نعتذر؛ فالكل مقصر في حق الأسرى؛ فما داموا يعانون وخلف القضبان؛ فلا عذر لمن اعتذر، ولا يقبل تبرير أي شخص أو فرد في تقاعسه عن نصرة الأسرى المضربين، والحركة الأسيرة عموما؛ حتى الإفراج عنهم بعون الله في صفقة وفاء الأحرار 2.
سينتصر الأسرى المضربون، وسنفرح بنصرهم، ولكنه لن يكون النصر الأخير؛ فالمعركة طويلة والزاد قليل، والاحتلال ليس بالسهل مقارعته والتغلب عليه دون تضحية؛ ويجب إعداد كل قوة ممكنة حتى كنسه لمزابل التاريخ، وهذا يكون بالوحدة ورص الصفوف؛ ضمن خطط قابلة للتنفيذ، تعبر من خلال نقاط ضعف الاحتلال وهي كثيرة؛ إن أجاد قادة الشعب الفلسطيني استغلالها جيدا؛ بعيدا عن هدر الطاقات بشكل مجاني.