اجتاحت التقنيات التكنولوجية كافة تفاصيل حياتنا العصرية، خصوصاً الهواتف والحواسيب المحمولة بكل تطبيقاتها وما تتيحه من مواقع ووسائل تواصل، بل تكاد تصبح جزءاً من أجسادنا، فبعضنا لا يستطيع العمل أو التحرك دون هاتفه المحمول أو حاسوبه.
هذه العلاقة بيننا وبين التكنولوجيا لا تخلو من الأضرار؛ إذ إن الاستخدام الدائم لهذه الوسائل الحديثة لا يخلو من مخاطر أدّت إلى ظهور أمراض حديثة ومتلازمات جديدة لم تعرفها البشرية من قبل، والتي أصبحت الآن هاجساً جديداً للأطباء والعاملين في القطاع الصحي والتكنولوجي على حد سواء نذكر منها:
هذه الحالة سببها استخدام الهواتف النقالة، سواء ذات الأزرار منها أو اللمس، حيث نضطر للضغط عليها كثيراً عند كتابة رسالة نصية أو حين نستخدم الإبهام للتنقل بين الصفحات، وهذا ما حيَّر الأطباء لفترة إثر الحالات المتكررة قبل اكتشاف السبب.
متلازمة الإبهام تسبب ألماً في عضلات الإبهام نتيجة الاستخدام المتكرر وينصح الأطباء في هذه الحالة بأن يحاول الشخص استخدام أصابع أخرى للكتابة أو يده الأخرى.
عادةً، ما تصيب هذه الحالة من يمارسون ألعاب الفيديو، لكن مع تطور التكنولوجيا وظهور شاشات اللمس، أصبح الأشخاص العاديون يصابون بها، إذ إن أطراف الأصابع ليست مصممة لأن تقوم بالتحرك على سطح قاس ولفترة طويلة.
إذ أحياناً تصل مسافة "السحب" لحوالي الـ12 سم، وذلك في بعض الحواسب اللّوحية، وهذا ما سبب الكثير من الحالات التي تُجرح فيها أطراف الأصابع وأحياناً تصاب برضوض وتقرحات جلديّة، ويقترح الأطباء عادة أن يغير الشخص الأصابع التي يستخدمها أو أن يضع أكفّاً مخصصة لشاشات اللمس.
نشأت هذه المتلازمة المرضية نتيجة التغيير في الوضعية الطبيعية للرقبة بسبب وضعية الشاشة التي ليست أمام الوجه، بل في اليد، ما يؤدي لانحناء الرأس للأمام، وأحياناً يصل الانحناء إلى 60 درجة، ما يشكل ثقلاً على الرقبة فائقاً عن الطبيعي، والذي قد يصل إلى 27 كيلوغراماً، ما يسبب توتراً في عضلات الرقبة وأحياناً التيبس والشد العضلي.
وما ينصح به الأطباء عادة هو تغيير وضعية الشاشة أو الرأس لتجنب ذلك.
هذه الحالة عادة ما تصيب من يستخدمون البطانيات الساخنة أو مسخنات مقاعد السيارة، إذ تنتشر بعض القروح والحبوب الصغيرة على الفخذين، لكن مع تطور الحواسيب النقالة، أصبح الكثير منها يولد حرارة عالية، وبما أن الكثيرين يضعون الحواسيب على فخذيهم فإن هذهالمتلازمة أصبحت منتشرة بكثرة نتيجة تعرض الجلد لدرجة حرارة مرتفعة.
خصوصاً أن حرارة الحواسب النقالة تصل أحياناً إلى ما يفوق الـ42 درجة مئويّة، ويعتبر الحل لهذه المشكلة بسيطاً، وهو عدم وضع الحاسوب على الفخذين لفترة طويلة، وخصوصاً للرجال، إذ إن الحرارة العالية تؤثر على النطاف (انخفاض الخصوبة) وأحياناً تتسبب بموتها.
لم تتطور عيوننا كبشر لتحدق في الشاشات لفترة طويلة، إلا أن التكنولوجيا فرضت علينا ذلك نتيجة انتشار الشاشات من حولنا في كل مكان، وخصوصاً أن الكثيرين من الناس أعمالهم تقوم على أساس التحديق في شاشة الكمبيوتر لفترة طويلة، ما يجعل أعينهم ترمش بسرعة أقل.
إلى جانب تحركها بسرعة ضمن مسافة صغيرة ملاحقة شيء ما على الشاشة، ما يجعل العين جافة إلى جانب احمرارها وأحياناً كثرة الدمع فيها وتورم في الجفنين، وعادةً ما ينصح الأطباء بألا نحدق لفترة طويلة بالشاشة، إلى جانب أن يكون هناك غرض بعيد عنا كي نحدق به كل فترة لنغير وضعية العين.
هذه المتلازمة يدل عليها اسمها، فهي عادة ما تصيب لاعبي التنس، إلا أنها مع التطور التكنولوجي أخذت شكلاً آخر، إذ أصبحت تصيب مستخدمي الحواسب نتيجة الحركة الدائمة للأصابع والمعصم، وعادة ما تظهر على شكل التهابات في المعصم وأحيناً تسبب ألماً أثناء الحركة وصعوبة في القبض وحمل الأشياء حتى تلك الخفيفة منها.
تسمى هذه المتلازمة بـ(ELECTROMAGNETIC HYPERSENSITIVITY)، وتنشأ نتيجة تعرضنا الدائم للأمواج الإلكترو-مغناطيسية، التي تتولد من كل الأجهزة الكهربائية التي تحيط بنا، وأحياناً هذا يسبب ظهور أعراض مرضيّة للبعض، والتي تتراوح بين وجع الرأس إلى الحساسية الجلديّة والألم العضلي.
تتولد هذه الحالة نتيجة التعرض والاستخدام الدائم للفيسبوك، والانفصام الذي قد يسببه أحياناً عن الحياة الواقعية، نتيجة التعلق بالفيسبوك والرغبة دائماً بأن يكون الشخص مرئياً للجميع أمام الشاشة، ما يدفع البعض لهدر الكثير من أوقاتهم لإثبات حضورهم على الموقع الأزرق، ما يجعل أوقاتهم بعيدة عنه مأساويةً، لتظهر عليهم أعراض القلق والتوتر التي قد تصل للاكتئاب.
تنشأ هذه الحالة عادة من الاستخدام الطويل للنظارات ثلاثيّة الأبعاد، إذ نرى المستخدمين بعد الانتهاء منها تظهر عليهم أعراض كوجع الرأس واحمرار العينين، والدوخة، وخصوصاً الذين يعانون من اضطراب في الحركة نتيجة الأجساد التي تبرز من الشاشة وتعكسها النظرات، والتي تخاطب المناطق الحساسة للحركة والتوازن في الدماغ.
ترتبط هذه الحالة بالانعكاس النفسي الذي توفره الشاشات للشخص، فهو قادر على تكوين شخصية جديدة وبنائها عبر الصور التي يرفعها، والنصوص التي يكتبها وينشرها للملأ، لنراه أكثر تأملاً لنفسه الجديدة التي يبنيها، ومنهمكاً أكثر في بناء صورته الافتراضية، ومحاولاً في الوقت ذاته جعل الواقع مشابهاً لها، سواء على الصعيد الجسدي أو الاجتماعي.
ما يجعل التكنولوجيا تعمّق الفجوة النفسيّة وتخلق النزعة النرجسيّة نحو الكمال الذاتي الذي لا يمكن تحقيقه، كل ذلك في سبيل مشابهة الصورة الوهمية على الشاشة التي يبنيها الشخص لنفسه.
نقلا عن هاف بوست عربي