هاف بوست عربي
توتر بين قبيلة أولاد سبيطة المغربية والدولة التي باعت أراضيهم يكاد أن يعرقل تنفيذ مشاريع عقارية على امتداد ساحل يقع على بُعد 15 كيلومتراً غرب العاصمة الرباط.
وبسبب البيع تطرد نحو 300 أسرة، ينتمي أغلب أفرادها إلى فئة المزارعين والفلاحين. وأشغال إنجاز هذه المشاريع قد انطلقت فعلاً.
والصفقة أُنجزت عام 2007، وقد التزمت خلالها المجموعة، أمام الملك، بإنجاز مشروع تهيئة شاطئ الأمم من أجل تشييد آلاف الوحدات السكنية وفنادق ومطاعم ومشاريع ترفيهية وملعب للغولف من 18 حفرة، وذلك على مساحة تقدر بنحو 450 هكتاراً، وفق موقع هيسبرس.
نضال دؤوب من أجل حقهم
تجمّع ما يقارب 100 شخص من المنتمين إلى قبيلة أولاد سبيطة بالقرب من الطريق الوطنية، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً عن شمال الرباط. والجدير بالذكر أن هؤلاء المغاربة واظبوا على التظاهر بصفة أسبوعية تقريباً ضد شركة عقارية ترغب في افتكاك أراضيهم وبناء مساكن فاخرة فيها.
وعلى خلفية هذا القرار، انتظمت جموع المحتجين في صفوف ضمت الرجال والنساء. وبدت على وجوه تلك الجموع الغفيرة ملامح الغضب والسخط على ما يرتكب في حقهم. وقد اتخذ هؤلاء من نداءات سعيدة سكات، التي تبلغ من العمر 27 سنة، والتي تقود النضال الدؤوب للدفاع عن حقوق قبيلتها، شعارات لهم. وتعمل هذه الشابة على حشد المواطنين باستعمال عبارات مدوية وجريئة بثتها في مكبر صوت تحت أنظار بعض أفراد قوات الأمن.
الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان قالت إن البيع شابته عدة خروقات، من ضمنها "تفويت الأرض دون قياسها.. وترامي الشركة المقتنية على باقي أراضي الجماعة دون وجه حق"، وهو ما نفته مجموعة الضحى، حيث أبرز في هذا الإطار سعد الصفريوي، المدير العام المنتدب لمجموعة الضحى، أن الضحى أوفت بجميع تعهداتها والتزامات فيما يخص عملية تفويت هذا الوعاء العقاري الذي كان تابعاً للجماعة السلالية أولاد سبيطة، وفق ما جاء في موقع هيسبرس.
وفي هذا السياق، صرحت هذه الناشطة قائلة: "سوف نحقق أهدافنا باللجوء إلى الوحدة والتضامن! ثم ألا تعلمون أن هؤلاء اللصوص هم سبب فقرنا؟". وخلف المتظاهرين، تظهر حافة إحدى الغابات، التي قسمتها طريق جديدة تنتهي إلى ملعب للغولف ومنازل.
شملت الخطط التنموية قبيلة أولاد سبيطة
وقد شملت الخطط التنموية وفق صحيفة Libération الفرنسية قبيلة أولاد سبيطة الزراعية، التي يقطنها الأهالي منذ عهد السلطان مولاي إسماعيل في القرن السابع عشر. ولكن تكتسي صبغة هذه الأراضي القانونية وضعاً خاصاً؛ نظراً لأن هذه الأراضي ذات ملكية جماعية. والجدير بالذكر أنه بموجب التشريعات الموروثة عن الحقبة الاستعمارية، فإن للقبيلة التي تستقر على هذه الأرض حق الانتفاع بها، لكن ليس لها الحق في امتلاكها؛ وذلك لأنها خاضعة لإشراف وزارة الداخلية.
تهديدات جسدية
رفض أهالي أولاد سبيطة التزام الصمت حيال قضيتهم، فقد تم بيع أراضيهم من قِبل وزارة الداخلية بقيمة 4.50 يورو للمتر المربع الواحد.
وفي هذا الصدد، تساءلت سعيدة سكات، المشرفة على تنسيق مطالب قبيلتها، قائلةً: "قيل لنا في البداية إن برنامج التطوير العقاري يصب في صالح المرافق العامة. ولكن هل يُعتبر بناء ملاعب الغولف والفيلات صالحاً عاماً؟".
انتزاع التاريخ والهوية من القبيلة
صارت هذه القبيلة، التي كانت معتدة بنفسها في السابق، تتجرع ألم اغتصاب تاريخها وهويتها. وفي هذا السياق، أعربت سعيدة سكات عن أسفها تجاه ذلك قائلة: "إن سبب ثورتنا يكمن في الذل الذي نعيشه يومياً. كيف يمكن أن نتصور أنه بعد أن عاشت عائلاتنا أكثر من 100 سنة على هذه الأرض، يمكننا أن نتخلى ببساطة عنها، فقط بموجب قرار إخلاء جائر؟".
وتُعتبر سعيدة سكات وفق صحيفة Libération الفرنسية رمز الدفاع عن ألم أهالي قبيلة أولاد سبيطة؛ ذلك أنها تتكفل بجمع الشكاوى وزيارة الأهالي للتخفيف من معاناتهم. كما تعمل أيضاً على رفع معنويات أولئك الذين بدأ اليأس بالتسلل إلى قلوبهم تدريجياً، حتى إنها كانت تتناقش مع الرجال وجهاً لوجه. وفي كل مرة يرن فيها هاتفها، تنحبس أنفاسها خوفاً من أن يكون الاتصال بمثابة "تحذير من طرد مستقبلي"، مفسرة أنها تخشى "على سلامة عائلتها". أما بالنسبة إليها، فهي "مستعدة لمواصلة النضال" مهما كلفها الأمر.
دمار وأنقاض
تم بالفعل تدمير بعض المنازل، وواجه القرويون، بتشكيلهم سلسلة بشرية طويلة، الحفارات والجرافات. وتعد المواطنة علو، التي تبلغ من العمر نحو 50 سنة والقاطنة بالقرب من منزل سعيدة سكات، مثالاً لمعاناة سكان هذه القبيلة. وتحدثت هذه المرأة عن حالة الفقر المدقع التي تعيشها حالياً، بعد غرق ابنها ووفاة زوجها.
وقد كان منزل هذه المرأة، المبني من الطوب الوردي، أول منزل هدمته الجرافات، ولم تترك فيه سوى جزء بسيط. وعلى الرغم من الضرر المادي الذي لحق ببيتها، فإنها ما زالت تسكن أنقاضه إلى حد الآن.
وفي مكان ليس ببعيد وتحديداً وراء سياج معدني، يلمح الناظر منزلاً خشبياً حديث العمارة يندرج ضمن مشروع عقاري بصدد الإنشاء. وفي تعليقه على هذا البناء، قال ميلود، أحد أبناء القبيلة، إنه ملهىً ليلي جديد. ومن المتوقع أن يمتد هذا المنتجع الفاخر على ما يناهز 300 هكتار على "أحد أجمل الشواطئ المغربية، كما أن موقعه استراتيجي، حيث تتراءى من خلاله أكثر المناطق سحراً وأصالة"، وذلك وفقاً لما نُشر على موقع شركة الضحى العقارية. وسيتم بناء فندق ومركز للتسوق وأكاديمية "باريس سان جيرمان" للاعبي كرة القدم الشبان في المرحلة المقبلة.
ومن جهتها، أشارت وزارة الداخلية المغربية إلى أنه لا يُمكن إعادة النظر في ملف قضية قبيلة أولاد سبيطة؛ لأن عملية بيع الأرض قد تمت وفقاً للإجراءات القانونية. وفي هذا الإطار، أفاد مدير الشؤون القروية بوزارة الداخلية، عبد المجيد الحنكاري، بأن "المطالب التي يُنادي بها سكان هذه القبيلة والمتمثلة في إلغاء عملية بيع الأراضي تفتقر إلى الشرعية".
تعليق وزارة الداخلية
ووفقاً للمعطيات التي أدلت بها وزارة الداخلية وفق صحيفة Libération سمحت عملية بيع الأراضي بتقديم تعويضات تصل قيمتها إلى 1.7 مليون يورو إلى جميع أفراد القبيلة. وبيّن عبد المجيد الحنكاري أن هذا المبلغ، الذي تم الاتفاق عليه يفي بحاجات السكان. ومن جهتها، عبرت مجموعة الضحى العقارية، التي صارت صاحبة أرض قبيلة أولاد سبيطة الجديدة، عن أسفها إزاء الخسائر الناجمة عن وقف خطط البناء. وأوضح محامي هذه المجموعة، الأستاذ حسان سيملالي، أنه "تم ضخ 100 مليون يورو لتمويل هذا المشروع".
عملياً، لم تهضم عمليات التعويض عن الأراضي التابعة لقبيلة أولاد سبيطة حقوق النساء. فقد استفادت أكثر من 1000 امرأة، من جملة 6 آلاف، من هذه الإجراءات بعد أن قدمت طعوناً لدى وزارة الداخلية. لكن بالنسبة إلى سعيدة سكات ونساء قبيلتها، فلن تتمكن المبالغ المالية من تعويضهن عن التراث الذي خسرنه إلى الأبد. وفي هذا السياق، صرحت هذه الناشطة بأنه "في المغرب، يُسيطر القوي على الضعيف؛ ما يُضاعف ألمه ويزيد من معاناته".