mildin og amning mildin creme mildin virker ikke"> mildin og amning mildin creme mildin virker ikke">
تحقيق ــ مصطفى حمدى:
«بائع الدم» مهنة احترفها كثير من الشباب أخيرا بسبب انتشار الفقر والبطالة، خاصة بعد قرار الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، رفع أسعار أكياس الدم للمستشفيات الخاصة من 90 جنيها إلى 450 جنيها للكيس الواحد.
خلال هذا التحقيق الاستقصائى، أزاحت «الشروق» الستار عن كارثة صحية تؤكد انتشار مافيا تجارة الدم فى عدد من المستشفيات الخاصة، واستغلال حاجة الشباب للحصول على دمائهم مقابل مبالغ مالية «بخسة»، دون النظر للآثار الجانبية والنتائج المترتبة على ذلك، الأمر الذى يتسبب فى انتشار الأمراض والأوبئة.
خيوط الكارثة بدأت تتجمع فى أحد شوارع عزبة «الوالدة» بحلوان بمحافظة القاهرة، عندما ظهر أربعينى يشكو من استغلال شخص يدعى «راضى» له، وإقناعه ببيع دمه مقابل 90 جنيها للكيس، مستغلا حالة الفقر الشديدة التى يمر بها، ودفعه لبيع دمه 3 مرات فى شهر واحد الأمر الذى أصابه بفقر دم، وعلم بعد ذلك أن المستشفى الذي يبيع له الدم يعطى الكيس للمرضى مقابل 1200 جنيه، وأضاف أن السمسار كان يعطيه 3 زجاجات عصير قبل كل مرة ييبع فيها دمه، قائلا له: «اشرب عصير تبيع كتير وتكسب فلوس أكتر».
شرارة الانطلاق
خلال مدة لا تقل عن 3 أشهر، جمعت «الشروق» معلومات عن الظاهرة، وتوصلت إلى أن تجارة الدماء تحولت إلى «مافيا» لها من يحكمونها وقوانينها الخاصة، وتتكون من 3 أطراف «بائع، ومشتر، وسمسار»، والبائعون هم شباب دفعتهم ظروف الفقر والبطالة وأسباب أخرى لبيع دمائهم، ولكى نتوصل لهم كان يجب معرفة المشترين، الذين علمنا أنهم بعض المستشفيات الخاصة فى القاهرة والجيزة، وأهمها يوجد فى مناطق الدقى والمهندسين وإمبابة بالجيزة وحلوان بالقاهرة، وأكبرها من أهم المستشفيات التى تمتلك بنوكا للدم فى مصر، وينصح بالتوجه إليها دائما عند حدوث عجز فى مخزون الدم بالمستشفيات الحكومية، وهذا كان الخيط الذى التقطته «الشروق» لاستكمال تحقيقها واقتحام هذا العالم المثير، والتعرف على سبب إقبال المتبرعين بهذا الشكل على تلك المستشفيات على وجه التحديد.
المغامرة
توجهت «الشروق» مباشرة إلى مستشفى «أ» بشارع شريف بحلوان، قاصدة بنك الدم، وعلى الباب المخصص لدخول المتبرعين أو بالأصح البائعون.. وبعد ترحيب شديد، أكد أحد أفراد الأمن لـ«الشروق» أن تلك العملية تتم فى الصباح الباكر قبل العاشرة صباحا، ونصحه بأن يبدى رغبته فى التبرع وليس البيع، لأن البيع ممنوع بأمر وزارة الصحة، موضحا أن المبالغ المالية التى سيتقاضاها هدية من المستشفى أو على سبيل المساعدة الإنسانية إن كان يحتاج إليها، حسب قوله.
فى السابعة والنصف صباح اليوم التالى، توجهت «الشروق» للمستشفى ذاته، ووجدت نفس ترحيب اليوم السابق على باب التبرع بالدم، الأمر الذى تسبب فى حالة من الدهشة، نظرا لأن المستشفى له زبائن لبيع الدم بالمئات ودائمون، حسب المعلومات المتوافرة فى هذا التحقيق.. فما سبب كل هذا الترحيب ببائع غريب؟.
وبالدخول لساحة الانتظار أمام بنك الدم زالت حالة التعجب، وعلمت «الشروق» من تهامس الجالسين انتظارا لبيع دمائهم أن المتبرع الجديد يكون «لقطة» لبنوك الدم، لأن البائع لأول مرة يكون دمه مطلوبا نظرا لأنه ثرى بمادة الهيموجلوبين، وخلال تلك اللحظات تعرف محرر«الشروق» على الجالسين وجميعهم عاطلون وبلا عمل، وتبادل معهم أرقام الهواتف، وطالبهم بإجراء تحاليل طبية حتى يطمئنوا على صحتهم، لكن تكاليف التحاليل جعلتهم يتراجعون عن ذلك، فأكد لهم أنه سيتحمل تلك التكاليف من خلال طبيب «معرفة».
حضر المسئول عن تنظيم عملية الدخول للبيع وطلب البيانات والانتظار، وخلال تلك الفترة راقب المحرر الجالسين الذين ظهرت عليهم حالة تعب وإنهاك شديدة، ووجوههم شاحبة، وعلى الرغم من أن أعمارهم صغيرة فإن ملامحهم توحى بأنهم بلغوا الستين بل تخطوها بسنوات، وهناك من هو نائم، وآخر يتألم ويمسك منطقة أسفل البطن، ما جعله يشعر بالخوف من الأمر خصوصا أنه لم يتبرع بالدم قبل ذلك.
وأثناء جلوس محرر «الشروق» اقترب منه شخص يدعى محمد شيكو، وقال: «الوجه الجديد ده منين؟»، وهنا تدخل أحد الجالسين سريعا، وأبلغ المحرر قائلا: «ده السمسار الذى يأتى بكل البائعين للبنك، ولازم تتعامل معه كويس عشان ما يقطعش عيشك»، فتجاوب المحرر معه، فقال له السمسار: «خد تليفونى وامشى دلوقتى وتجيلى بكرة ومعاك اتنين تانيين فى المقر بتاعى عند قصر الخديوى الساعة 10 بالليل، علشان نتفق وهديك أكتر من الفلوس اللى هيدفعوهالك»، فوافق المحرر بهدف اقتحام هذا العالم ومعرفة تفاصيله، فى حماية ضلع قوى به هو السمسار.
ذهب المحرر للسمسار واتصل به قبل وصوله للمكان، فأرسل له شابا عشرينيا يدعى أحمد، أمام قصر الخديوى توفيق «المهجور»، واصطحبه ودخلا فى شوارع وأزقة، وأثناء سيرهما سأل المحرر عن طبيعة عمل شيكو، فأكد له الشاب أنه سمسار معدات مستشفيات ويأتى بعشرات الشباب يوميا للتبرع بدمائهم كنوع من أنواع الخير، ويمنحهم أموالا على سبيل الصدقة مقابل ذلك.
بعد الوصول إلى مقر شيكو، انتظر المحرر ما يقرب من نصف ساعة، ثم حضر السمسار إلى مكتبه الخالى من الزبائن فى هذا الوقت برفقة شخصين، وطالبهما بالانتظار قليلا حتى ينهى مقابلته مع المحرر، ثم اصطحبه لغرفة مكتبه وسط ترحاب شديد منه، وسأله عن باقى المتبرعين حسب اتفاقهما السابق، فأجاب المحرر بأنه سيحضرهم بصحبته فى اليوم التالى لكن بعد معرفته ثمن التبرع، ورد السمسار بأنه سيمنح 300 جنيه كل مرة يتبرع فيها، فضلا عن 100 جنيه على كل شخص سيصطحبه معه بالإضافة لحساب هذا الشخص، وطلب الحضور فى اليوم التالى للمستشفى الذى شهد اتفاقهما الأول.
وفى اليوم التالى، ذهب محرر«الشروق» للمستشفى، وعندما حضر السمسار منحه علبة عصير وأدخله لبيع دمه، وبدون إجراء أى تحاليل طالب طبيب المستشفى المحرر بتعرية ذراعه حتى يسحب الدماء منه، وخلال تلك اللحظات أخبره المحرر بشعوره بهبوط شديد، وانصرف قبل أن يعطيه نقطة دم واحدة.
بعد ذلك، تواصل السمسار مع محرر «الشروق» أكثر من مرة لبيع دمه، إلا أن الأخير تهرب منه فيها جميعا.
سمسارة إمبابة والدقى
التقت «الشروق» سمسارة تدعى نوران محمد، 29 عاما، وقالت إنها كانت أشهر سماسرة بإمبابة والدقى، وتجلب الزبائن لعدد من المستشفيات منذ عامين من خلال إغرائهم بالمقابل المادى الذى يتقاضونه، علاوة على مبالغ السمسرة التى كانت تعطيها لهم عندما يأتون لها بزبائن جدد.
وأضافت: «وجدت المستشفى الذى كان يشترى كيس الدم بـ200 و300 جنيه يبيعه من 600 إلى 1200 جنيه حسب فصيلة الدم فى أوقات النهار، بينما بالليل يصل سعر الكيس إلى 2000 جنيه، وتعامل المستشفيات المتبرع الجديد معاملة خاصة، حيث تشترى كيس الدم بـ800 جنيه، نظرا لاحتواء دمه على نسبة كبيرة من الهيموجلوبين، الذى يعد بمثابة «حبة الكريز» للمتبرعين.
وأشارت إلى أن سعر وحدة الدم (450 ملليلترا) يختلف من شخص لآخر، فالمدمنون ومحترفو البيع قد يصل بهم الأمر إلى بيع دمهم بأقل من 10 جنيهات للوحدة الواحدة، بينما يستطيع البعض أن يتعدى سعر دمه 300 جنيه، خاصة إذا كان سيتبرع على جهاز فصل مشتقات الدم.
وأوضحت أنهم كانوا يطالبون البائعين بشرب كميات كبيرة من السوائل حتى يتمكنوا من البيع دون إصابتهم بمكروه، مؤكدة أن معظم السماسرة يغيرون شكل البائعين حتى يؤكدوا للطبيب الذى يشترى منهم أنه متبرع لأول مرة، وبالتالى يتقاضون مبالغ مالية أكبر.
ضحايا المافيا
توصلت «الشروق» مع عدد من ضحايا المافيا بمنطقة أرض عزيز عزت بإمبابة والدقى، والذين أزاحوا الستار عن تفاصيل جديدة حول تلك الكارثة.
وقال جمال إبراهيم، 36 عاما، يقيم فى الدقى، إنه بلا عمل وكان يتجه أحيانا للعمل كـ«تباع» على سيارة ميكروباص بخط «إمبابةــ الجيزة»، لكن بعد إدمانه المواد المخدرة فقد سيطرته على أعصابه، وبالتالى ترك العمل لفترة كبيرة وكان يعتمد على زوجته فى تلبيه احتياجات المنزل.
وأضاف: «خلال تلك الفترة جاء لى أشخاص طلبوا منى أن أبيع كليتى مقابل 15 ألف جنيه مثلما حدث مع عدد كبير من جيرانى وأهلى، وكنت أفكر فى ذلك بجدية، إلا أن شخصا آخر أقنعنى ببيع دمى مقابل 300 جنيه للكيس الواحد، وأكد لى أنه من الممكن أن أبيع دمى 3 مرات شهريا».
واستطرد قائلا: «كنت أبيع دمى لمستشفى (ش) قرب ميدان فينى بالدقى من خلال هذا السمسار، وخلال فترات غيابى كان يطالبنى بأن أقنع مجموعة من أقاربى ببيع دمائهم مقابل 300 جنيه لهم و50 أخرى لى على كل فرد، ولكنى توقفت عن هذا الأمر عقب بيع دمى للمرة الثالثة خلال شهر واحد وإصابتى بهبوط حاد متكرر فى الدورة الدموية، وأصبح غير قادر على الحركة بشكل مستمر».
وتبين لـ«الشروق» أن مستشفى (ش) بالدقى وضعت قائمة طويلة بأسعار أكياس الدم ومشتقاته، بعد رفضها القاطع إعطاء أى مريض كيس دم مجانا ووضعت له تسعيرة جبرية 800 جنيه، أو إحضار 4 متبرعين بمختلف الفصائل مقابل كيس الدم الواحد.
التحاليل
تمكن محرر «الشروق» من إقناع جمال إبراهيم، وسيدة أخرى تدعى بسمة راضى، 38 عاما، من المتضررين من بيع دمائهم، بإجراء تحاليل دم للاطمئنان على صحتهما، خاصة أن وجهيهما شاحبان، ويعانيان دائما من اضطرابات وآلام فى الجزء الأسفل من البطن.
وكشف التحليل الذى أجرته «الشروق» على إبراهيم بأحد المستشفيات الخاصة، أن نسبة الهيموجلوبين 7.3 وهى أقل من الطبيعية، التى يجب ألا تقل عن 12.5 ولا تزيد عن 17 للرجال، ما يعنى إصابته بفقر الدم ويحتاج لنقل دم، حسب قول الطبيب.
وباستكمال الكشف على المريض من خلال الدكتور نبيل سعد، استشارى الباطنة، تبين إصابته بالتهابات فى الجهاز التناسلى، نتيجة نقص كرات الدم الحمراء المسئولة عن نقل الأكسجين لباقى أجزاء الجسم، علاوة على وجود نقص شديد فى كرات الدم البيضاء.
كما كشف تحليل السيدة أن نسبه الهيموجلوبين 6.2، ما يعنى إصابتها بفقر الدم، وبسؤالها تبين أنها باعت دمها 3 مرات خلال شهرين ونصف مقابل 200 جنيه للمرة الواحدة لصالح بنك الدم لمستشفى «ش» بالدقى.
وقالت الدكتورة نورين أمجد، أخصائية أمراض الباطنة، إن المريضة مصابة بفقر الدم وتحتاج لنقل دم بصورة عاجلة، بناء على نتيجة تحليلها، لأن النسبة الطبيعية لنسبة الهيموجلوبين للسيدات يجب ألا تقل عن 12 ولا تزيد عن 15.
وأجرت الطبيبة الكشف العضوى على المريضة، وتبين إصابتها بالتهابات فى المثانة والزائدة الدودية، وطالبتها بالبقاء أو الحجز فى مستشفى حكومى لاستكمال فحوصاتها.