شكلت الانتخابات البلدية التي جرت يوم السبت 13\5\2017 في الضفة الغربية دون القدس وغزة؛ حالة من الصدمة لدى المتابعين للشأن الفلسطيني؛ وذلك لعزوف ما يقارب نصف الناخبين عن التصويت؛ وهو ما شكل هزة قوية خاصة لحركة فتح، التي توقعت مشاركة وتفاعل أكبر وأقوى؛ فكان فوزها في بعض البلديات - رغم استفرادها - بمثابة فوز بطعم الخسارة.
من تابع يوم الاقتراع؛ ظن للوهلة الأولى أن حركة فتح في جبهة حرب؛ فكان يرى تنظيم فتح مستنفرا، ونشطا جدا من عناصر تنظيمية ومؤسسات رسمية وشعبية؛ تتبع للحركة، وكان عنصر النساء الفتحاوي نشطا في استقطاب الناخبين، وإحضارهم حتى من منازلهم، ودفع مصاريف النقل وغيرها؛ في ظل غياب تام من منافسين ومرشحين أقوياء في العملية الانتخابية، ومع ذلك خسرت فتح مواقع هامة مثل نابلس وقلقيلية، وتحالفت في مواقع أخرى كي تضمن فوزها وتقدمها فيها.
لوحظ تقدم العائلية على حساب التنظيم خاصة في ريف الضفة، وذلك بهدف إرضاء العائلات من قبل حركة فتح، وكسب أصواتهم؛ وهذا يشكل تراجع في الحالة النضالية الفلسطينية؛ التي من المفترض أن تكون الفكرة والانتماء للوطن هو العامل الأصيل والمميز؛ كما أن قوى اليسار حققت تقدما طفيفا نتيجة لغياب حماس وأخطاء فتح.
كما لوحظ أن قوائم دعمتها حماس حققت تقدما، وان نسبة التصويت في المدن كانت أقل منها في الأرياف، وهذا ما يعيد قراءة المشهد الفلسطيني الانتخابي من جديد، ويدق ناقوس الخطر لدى حركة فتح.
لعل من أهم أسباب انخفاض نسبة التصويت؛ هو غياب المنافسة الحقيقية، حيث أن حماس والجهاد والجبهة الشعبية لم تشارك في الترشح، وحالة الإحباط التي تضرب الشارع الفلسطيني لعدم وجود انجاز سياسي؛ يدفع المواطنين للحراك والتفاعل والانتخاب؛ خاصة مع إضراب الأسرى.
كان الأصل أن تجري الانتخابات بمشاركة الجميع، ولا يصح تسمية عملية انتخابية في ظل خلل في أحد أهم أركانها؛ وهو غياب المنافس الرئيس، فالمحكمة العليا برام الله في شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي قررت استكمال إجراءات الانتخابات في الضفة وإلغاءها في غزة، مبررة قرارها في حينه بعدم قانونية محاكم الطعن في غزة وعدم شمولها مدينة القدس المحتلة، رغم التوافقات المسبقة على ذلك.
وكان الأصل أن تتم الانتخابات بتوافق وطني، فإجراء الانتخابات دون توافق يعتبر نقطة ضعف لحكومة الحمد الله، التي لو نجحت في إجرائها في ظل توافق وطني مع حماس لسجل بذلك الحمد نقطة لصالحه في طي صفحة الانقسام البغيضة.
بغض النظر عن البلديات التي تقدمت فيها فتح أو التي تراجعت فيها في المدن الفلسطينية، فان إجراء الانتخابات تم في ظل حالة نضالية فلسطينية متقدمة، وهو إضراب الأسرى عن الطعام في إضراب الكرامة، وهو ما يشير إلى التوقيت الغير دقيق للانتخابات.
خسارة فتح لبلديات وازنة مثل بلدية نابلس، سبب لها حرجًا كبيرا؛ كونها عملت الانتخابات حسب رؤيتها وتوقيتها وبرامجها وفي ظل غياب منافسها الرئيس والقوي حماس، فكيف لو حماس شاركت!؟
قبل الانتخابات بأيام؛ وجهت دعوات للسلطة بتأجيل الانتخابات لإبقاء الزخم الشعبي مع المضربين إلّا أنها رفضت ذلك، وهو عامل آخر يضاف لانخفاض نسبة التصويت، مع فقدان الثقة والأمل بالانتخابات التي تأتي في ظل مقاطعة قوى وازنة، وخلافات سياسية واستمرار الانقسام وفشل ذريع لمجالس بلدية وقروية سابقة.
برغم مقاطعة حماس ترشحا ودعاية؛ واستفراد حركة فتح بذلك؛ يلاحظ أن نتائج كتل فتح في تراجع، وهو ما يدق ناقوس الخطر للحركة؛ بضرورة إعادة التقييم والمراجعة والتغيير؛ فقوة التنظيمات الفلسطينية وتماسك رؤيتها النضالية، ووحدتها – خاصة فتح وحماس- نحو التناقض الرئيس وهو الاحتلال، بشكل عام؛ هو من قوة الوطن، وتراجع وتفكك أي فصيل وانحساره هو هدف للاحتلال.
في المحصلة؛ لا أحد خاسر، والخاسر الوحيد هو الاحتلال؛ الذي لا يريد أن يرى القوى الفلسطينية تتقدم وتتحد ضده، ومن فاز هو حماس وفتح وبقية القوى، والوطن فاز، لكن نأمل في المرة القادمة أن تكون الوحدة قائمة والانقسام انتهى، وان تشارك كل القوى في الانتخابات بروح اخوية حتى نري العالم صورة مشرقة عن الفلسطيني المتحضر والمتعلم، ونعطي دروسا في الديمقراطية وحرية الرأي والاختيار للعالم أجمع.