كتبت هدى خالد مباركة
تزايدت في السنوات الأخيرة نسبة الجريمة و الانتحار و تعاطي المخدرات في شوارع و مدن الضفة الغربية المتعددة، و انه لأمر غريب أن هذه الجرائم لا تتوقف بشهر رمضان الكريم من كل عام , منذ مطلع 27 ايار من هذا العام المتوافق مع الأيام الأولى لشهر رمضان الكريم، تم ارتكاب ما يقارب 30 مشكلة في مناطق الضفة الغربية المختلفة و حالتان قتل و إصابة أحدهم بحالة حرجة , هناك مجموعة من الأسباب التي تهدد الأمن الاجتماعي بالضفة الغربية التي يجب الكشف عنها و إيجاد حلول جذرية لها قدر المستطاع لأن استمرار الوضع الحالي سيزيد الأمر تعقيدا و يتطلب من الجميع الوقوف على قدر المسؤولية لإيقاف الأزمة التي نعاني منها و تذهب ضحيتها أرواح بشرية .
*أسباب ارتكاب المشاكل و الجرائم متعددة و يكاد لا يوجد مجال لحصرها و لكن سأحول عرض أهمها :

أولا : مشكلة البطالة و الفقر و سلب طاقات الشباب قد يدفعهم إلى العصية على الوضع الراهن الذي يعيشونه و يدفعهم للسرقة لتأمين حاجاتهم و كما أن المتعلمين الخريجين منهم يشعرون بالإحباط لعدم توفر فرص عمل قد يتولد لديهم فكر بالانتحار لتخلص من متاعب الحياة , و هناك عدد كبير من الشباب يشعرون بالفراغ بالوقت و لا شيء يشغلهم ( لا دراسة و لا عمل ولا تحمل مسؤولية بيت و زواج ) و الانشغال طول الوقت بالشارع و على وسائل التواصل الاجتماعي مما يعرضهم لإيذاء الآخرين و فرض أنفسهم و سيطرتهم على من هم حولهم و إثبات أنفسهم من خلال المشاكل و صنع الفوضى بالشارع , و أن الوضع الأخطر الذي ينتج عنه هو حملهم لأدوات حادة يكونوا مستعدين لأي مشكلة يفتعلونها و لا يهابون العقوبة أو ضرب أو حتى قتل الآخرين .
ثانيا : تناول و تعاطي المخدرات حسب مركز الإحصاء الفلسطيني ارتفعت نسبة تعاطي المخدرات في مدن الضفة الغربية , و نتيجة لتعاطيها يصاب المتعاطي بحالة جنونية فلا يعرف ما ينجم عنه من تصرفات قد تؤدي إلى إيذاء نفسه و إيذاء من هم حوله , و أحيانا يكون المتعاطي واعي و لكنه يؤذي عائلته و أصدقائه إن كان بحاجة إلى المال لشراء الكمية المطلوبة التي يريدها لإشباع رغبته .
ثالثا : حالات الانتحار التي لا يتم كشف ملابساتها بشكل علني للعامة , و لكن بعض من يلجأ إليها هروبا من الواقع أو من كان معتقلا في سجون الاحتلال و من يعاني أمراض نفسية و عصبية .
رابعا : الشجارات العائلية على الإرث نتيجة لعدم القدرة على إيجاد حل بشكل ودي عائلي يتم تحويلها إلى المحاكم القضائية و نتيجة لمماطلة المحاكم و نفاذ صبر أفرادها تتعمق المشكلة و تصبح المناوشات أكبر لتتحول إلى عراك عائلي ينتج عنه سفك لدماء , و ما شابه ذلك من خلافات عائلية أو حالات الثأر و مشاكل التجار و التعدي على العرض , كلها حالات تنساق ضحيتها أرواح قد يكون لها ذنب أو لا يكون .
خامسا : البعض يلقي اللوم إلى أجهزة السلطة الفلسطينية بعدم قدرتها على بث الأمن في مناطق الضفة الغربية و خاصة عدم قيامها باتخاذ عقوبة رادعه ضد مرتكبي الجرائم و تجار المخدرات و حاملي الأدوات الحادة و أصحاب الفوضى بالبلد , بمعنى أن السلطة لا تواجه الجريمة بالشكل الموازي لها , هل السلطة هي المسئول الأول عن هذه الجرائم أم هي مسؤولية الأهل و المدرسة و الشارع الذي لا يربي بطريقة صحيحة و خاصة على التعاليم الدينية التي تحرم القتل كما جاء بقوله تعالى :" وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا "سورة الإسراء ـ الآية 33 , فكيف هي حرمة القتل في الشهر الفضيل المبارك الذي تخفى به شياطين الأرض لتظهر به شياطين الإنس .

* هناك مجموعة من الحلول المتوقعة التي من الممكن إتباعها لحماية أمن الضفة الغربية و حفظ نسيجها الاجتماعي من التفكك و الانهيار :
أولا : الالتزام بضرورة العمل على إيجاد عقوبة رادعة ضد مرتكبي الجرائم الشنيعة ضد المواطنين الأبرياء مثل تطبيق حكم الإعدام و مراجعة قوانين الدساتير المطبقة بالضفة الغربية التي تختصر حكم الإعدام على حالات محددة و مع ذلك لا تطبق , و مع أن الإسلام وضح عقوبة القتل بحكم القصاص فذلك لا يكلفنا الوقت لتفكير في عقوبة مناسبة لمرتكب جريمة القتل و ما كان ليضع الله سبحانه و تعالى آية دون حكمه , فجاء بقوله تعالى :" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " سورة البقرة 179 .
ثانيا : العمل على استيعاب طاقات الشباب و تحفيزهم على العمل و الإنتاج و استيعابهم من الشوارع في نوادي ثقافية و رياضية يستطيعون من خلالها تفريغ طاقاتهم , و تعليهم المثل و الأخلاق و القيم الإسلامية التي تذهب سلوكهم و تقوم سلوكهم .
ثالثا : قيام السلطة الفلسطينية بتفعيل عملها بانتشارها في مختلف مناطق الضفة بشكل أكبر و أن تمنع الجريمة قبل وقوعها و وضع حد لكل من يهتك عرض الآخرين أو يهددهم و يحاول إيذائهم و يبطش بهم , و تباشر جهدها بكفاءة للبحث عن أماكن زراعة و تصنيع المخدرات و مراقبة تجارها و إيقافهم , و فتح مصحة خاصة لمتعاطين المخدرات لمساعدتهم على أجسامهم من سمومها , والعمل على الكشف عن ملابسات الجرائم المختلفة و توضح عواقبها لكي تنشر الوعي داخل أبناء الشعب الفلسطيني , و لتقليل من حالات الانتحار على السلطة الفلسطينية أن تتجه للجهات المختصة للقيام بعمل دراسة لتكشف من خلالها الأسباب الحقيقية لجرائم الانتحار للعمل على إيجاد حلول لها , و إذا كانت بعض جرائم الانتحار ممن يعانون من الأمراض النفسية و العصبية يجب إبعاد كل الوسائل التي حولهم و تمكنهم من الانتحار و إعطائهم العقاقير المناسبة و عدم معاملتهم على أنهم مرضى , و بالنسبة للمعتقلين الذي يخرجون بعد فترات طويلة من سجون الاحتلال يصعب عليهم التأقلم مع المجتمع الحالي لذلك يجب العمل على إدماجهم بأسرهم و من هم حولهم و عدم إشعارهم بالوحشة .
كل ما سبق من عوامل و مسببات مختلفة للجرائم التي تعم الضفة الغربية لا يمكن أن تحل دفعة واحدة و لكن تحل بشكل تدريجي و تبدأ من أعظمها محاولة إصلاح الوضع الراهن و تحقيق العدل والقضاء على الفساد وتحقيق الأمن و إحساس المواطن بأهمية روحه و توعيته بأن الأشهر الحرم بالسنة لها حرمتها , لأن ترك الأمور على حالها سيعظم الجرائم و لن تستطيع أي حكومة بعد ذلك إيجاد حلول لها و سيهدد الأمن الاجتماعي بالضفة الغربية و يفكك المجتمع و عدم مقدرته على مواجهة الخطر الخارجي .