هدى خالد مباركة
قمت في مشروعي التخرج بدراسة بخصوص المتغيرات الأساسية التي طرأت على الطبقة الوسطى في المجتمع الفلسطيني في ظل عملية السلام , حيث تنفرد الطبقة الوسطى الفلسطينية بوضع يميزها عن مثيلاتها من الدول العربية المجاورة , من خلال علاقتها بالشرط الوطني الذي فرض عليها على أثر النكبة عام 1948م , بسبب الاستعمار الاستيطاني فتشكلت الطبقة الوسطى في البداية من تشتت أبناء الشعب الفلسطيني و ما طرأ عليه من تغيرات جذرية على البنية الاقتصادية و الاجتماعية , و جاء التشكل الأوسع للطبقة الوسطى قبل مجيء السلطة الفلسطينية ,
ولكن بالخارج نتيجة ترك البلاد و اللجوء للهجرة و استمرت عملية ميلاد الطبقة الوسطى بالخارج حتى عام 1994م , أي عندما جاء اتفاق أوسلو الذي تبنى عملية السلام و نشأ عنه السلطة الفلسطينية الحديثة الميلاد , و فتح الفرصة لإعادة استقطاب الكثير من أبناء الطبقة الوسطى إلى البلاد و من هنا احتضنت السلطة الفلسطينية أبناء الطبقة الوسطى من خلال توزيعهم على العديد من الوظائف الحكومية حيث شغلوا معظم القطاعات , و بذلك استطاعت الطبقة الوسطى جني ثمار نضالها الطويل ضد الاحتلال و عادت إلى البلاد لأنها عانت خلال سنوات العيش بالمهجر , كانوا مرحبين بعملية السلام و بحالة الاستقرار للوضع الجديد, و تراجعت حدة المعارضة و النقد للتعامل مع الجانب الإسرائيلي , و قلت ميول الشعب بالتوجه إلى عمليات الكفاح لمواجهة الاحتلال ,
و السير بطريق جديد قائم على التفاوض و الحل السلمي , و استفادة الطبقة الوسطى منذ تحقيق عملية السلام و انخراطهم فيها , و لكن اليوم اختلف الوضع كثيرا نتيجة لعدة عوامل لعل من أهمها التغيرات الجذرية التي نعيشها على أرض الواقع و التي منها فشل عملية السلام في تحقيق أهدافها , و كذلك صعوبات الحياة التي تواجه كادر الموظفين الحكوميين و خاصة أبنائهم , فأصبح الجيل الحديث من خريجي الشباب الجامعيين الغير مستفيدين من واقع السلطة الفلسطينية النابع من إحساسهم أنها مجرد كيان قائم لخدمة الجانب الإسرائيلي , و عدم أهميتها و جدواها رغم عدم وجود بديل , و إن حل السلطة ليس أمرا سهلا و ليس حلا يمكن إتباعه , و لا يمكن الإجراء للتقدم عليه قبل إيجاد حل , فحل السلطة هي دعوة لتدمير إطار قانوني سياسي رسمي معترف به دوليا ناضل الفلسطينيون وقدموا العديد من التضحيات لإقامته , حيث أن ذوبان السلطة يعني العودة بالشعب الفلسطيني إلى نقطة الصفر) , و خسران ما تم التوصل إليه بعد صراع طويل و مستمر, و عليها البحث عن حلول لمعالجة هذه القضايا , ليبقى الشعب على ثقة بأن حكومته قادرة على حل مشكلاته , لكي يمنحها الشرعية في كل مرة , لان الوضع لو بقي على حاله ستبقى النخبة الاقتصادية هي المستفيدة ,
و بالتالي ستتحكم بالبرنامج الحكومي العام و ستؤثر في سياسات الحكومة و توجيهها لمصالحها , و هنا ستظهر فجوة بين طبقات الشعب و ستندرج الطبقة الوسطى إلى المستوى الأقل نتيجة الظروف المعيشية الصعبة و تحكم الاقتصاديين بالبلد , وستنشأ لدينا فجوة بين طبقتين اجتماعيتين سيصعب التعامل معها على المدى البعيد , وهذا ما تم ملاحظته حيث أن أبناء الجيل الثاني للطبقة الوسطى يعاني من قدرته على العيش في ظل هذه المتغيرات التي طرأت على مجالات الحياة المختلفة , وحيث أنه يعتمد بالأساس على دخل محدود نابع من وظيفته إذا كان يتمتع بوظيفة حكوميه , كما أثرت هذه المتغيرات على الوضع السياسي بالبلد فقلت مشاركتهم بالحياة السياسية هذا له أبعاده في الوقت الحالي و على المدى البعيد , و عليه يجب البحث عن حلول لهذه القضية لوقف ذوبان الطبقة الوسطى من تكوينات المجتمع ,
و ركزت على دراسة هذه الطبقة باعتبارها أكبر طبقة بالمجتمع و لمدى أهميتها لاستلامها عدة وظائف بقطاعات مختلفة , و إن فقدان هذه الطبقة سيؤثر على توازن المجتمع و يؤدي إلى خلل في تركيبته , وكما أن هذه القضية أصبحت تشغل الرأي العام بالساحة الفلسطينية لمدى خطورتها كون الطبقة الوسطى هي الدينمو المحرك للمجتمع الفلسطيني , و في الختام توصلت لعدد من النتائج كان من أهمها أن الطبقة الوسطى لا يمكنها أن تنجز و تشكل تغير في الوسط السياسي و العمل على المشاركة بالحياة الديمقراطية دون أن تتمتع بوضع معيشي بمستوى اقتصادي ممتاز ووضع اجتماعي مستقر , حيث أن الاتفاقية التي وقعتها السلطة الفلسطينية عام 1993 و ملحقاتها المتعلقة بالجانب الاقتصادي (بروتوكول باريس) هي التي أثرت على تردي الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني , وكما أن السلطة الفلسطينية لا تسعى إلى سحق الطبقة الوسطى بقدر كونها تعمل على خلق طبقة وسطى جديدة بمظاهر مختلفة لعل الأقرب منها للهدف الذي تسعى إلى تحقيقه من خلال الحل السلمي و المفاوضات .