عيسى قراقع
رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين
تزداد الضغوطات الدولية بتحريض اسرائيلي واسع على قيادة السلطة الفلسطينية لإخراج الاسرى والشهداء من دائرة الدعم والاعانة والحماية الانسانية والاجتماعية وبحجة ان ذلك يعتبر دعما للارهابيين وتشجيعا على الارهاب.
تواصلت الوفود البرلمانية الاوروبية التحقيق في الامر ومدفوعة بفعل تأثير اليمين الاسرائيلي، وشارك سفراء وقناصل هذه الدول في التحرك والاستفسار وكل ذلك حتى تبقى اموال المساعدات لخزينة السلطة (نظيفة) لا تتلوث من خلال تحويلها الى عائلات الاسرى والشهداء الفلسطينيين.
ومنذ اكثر من 5 سنوات انهمك العالم في هذه القضية، جاءوا وذهبوا ، حققوا، ارسلوا اسئلة عديدة، عبأوا استمارات و نماذج وعقدت معهم اجتماعات متواصلة ، ولكن لم تتوقف الحرب على اعانات الاسرى والشهداء، بل تصاعدت موجة الضغط وبوقاحة في الاشهر الاخيرة وخاصة من الرئيس الامريكي.
لن يرتاحوا الا بعد ان تعلن السلطة الفلسطينية ان كل من اعتقل او استشهد فهو ارهابي ، وعليهم جميعا احياء وامواتا ان يعتذروا لدولة اسرائيل النقية والطاهرة، الدولة الديقراطية الحضارية في المنطقة.
وها هي لجان متبصرة شكلت لدراسة هذا الامر، ومحاولات البحث عن مخارج وحلول وطرق التفافية، و كأن هناك من نخجل منهم امام العالم المتحضر، نستحي من الاسرى والشهداء، وعلينا ان نتوقف عن هتافاتنا لهم، وتعليقنا لصورهم، وقولنا الدائم باننا على درب الشهداء سائرون، واننا لن نهدأ الا بتحرير كافة الاسرى وتبييض السجون.
الاسرى والشهداء اصبحوا قطاع شاذ وزائد وعقبة امام السلام والمفاوضات والاستقرار، بشر خارج البشر، وعلينا ان نحذفهم من عقولنا واهتمامنا لنرضي العالم المتنور ونرضي اسرائيل طاهرة السلاح والتي ابدعت في شطبنا انسانيا وثقافيا وجغرافيا.
الاسرى والشهداء مجرمون ارهابيون لا يجوز ان نعيل اطفالهم واسرهم، و لايجوز ان تعيش هذه الاسر بكرامة ، فكل من فكر ان يقاوم او يناضل فهو الى الجحيم ،سيبقى معزولا موصوما داخل السجن او مقبورا مجهولا في اعماق التراب والنسيان.
اسرائيل تسعى الى تجريم كل مناضل قاوم الاحتلال، ونزع شرعية هذا النضال الذي كفلته القرارات والمعاهدات الدولية، وهي بذلك تتصرف كأنها دولة لا تحتل شعبا آخر، وان الشعب الخاضع للاحتلال عليه ان لا يقاوم هذا الاحتلال ويدافع عن كرامته وحريته وحق تقرير مصيره، بل ان يخضع ويتصرف كالعبيد.
اسرائيل تسعى الى تجريد الفلسطينيين من حقهم الطبيعي والمقدس في العيش بكرامة وحرية، وهي بذلك تحيل كل خطاياها التاريخية على الشعب الفلسطيني ، فنحن وجدنا صدفة في طريق دولة اسرائيل، عقبة امام وعد الله ودولة ارض المعياد، ويجب ازالتها حتى يتحقق الوعد و الاسطورة.
اسرائيل لم تمارس الجرائم والارهاب المنظم، وترتكب النكبات والمذابح بحق شعبنا الفلسطيني، ولم تمارس الاعدامات والقتل والاعتقالات ونهب الاراضي والاستيطان وسياسة خنق حياة الفلسطينيين وقطع انفاسهم حاضرا ومستقبلا.
نحن الارهابيين الغزاة، نريد احتلال حيفا وعكا والقدس والنقب، لا يوجد لنا هناك اثار وذكريات وبيوت وقبور ودماء واشجار وزهور وانبياء ، نحن الطارئون المتوحشون المحرّضون الطماعون القادمون من الغيب.
نحن الارهابيين الذين نقطع الاشجار بالجرافات ونطرد الناس من حقولهم ، ونقيم حواجز الموت بين المدن والقرى، ونحن الذين اعتقلنا مليون فلسطيني في السجون ، ودعسنا بالجنازير والبساطير على الروح والقيم والثقافة الانسانية.
ويبدو انه إذا توقف الدعم والعناية بعائلات المعذبين ضحايا الاحتلال من اسرى وشهداء وجرحى سيعم السلام الشامل العادل الرائع والاستقرار في هذه الديار المقدسة ويحل هذا الصراع المعقد.
ويبدو ان قطع مخصصات الاسرى والشهداء سيكون كفيلا بانسحاب الاحتلال الى حدود الرابع من حزيران وتطبيق حل الدولتين، وسندخل القدس الشرقية عاصمتنا وننام في بيوتنا واراضينا آمنيين.
ويبدو ان اسرائيل اذا ما اوقفنا دعم الاسرى والشهداء وشطبناهم من اغانينا وكتبنا المدرسية ستتوقف عن دعم منظمات الارهاب اليهودية والاستيطانية، وسوف تعتقل وتحاكم كل المجرمين اليهود الذين قتلوا فلسطينيين، وتكف عن اصدار احكام مخففة بحقهم او العفو عنهم والتفاخر بهم علنا انهم ابطال قوميين .
الرئيس ابو مازن قال لي حتى لو اضطررنا ان نشحذ اعاناتهم قرشا قرشا ، لن نتخلى عن الاسرى والشهداء، لن نخضع للابتزاز والمساومة، يكفيني ذلك كي استمر في زيارة مقابر الشهداء واقرأ الفاتحة، وأزور عائلات الاسرى واناديهم وابوس الارض تحت اقدامهم واقول لهم أفديكم.
الاسرى المحشورين في الزنازين والمعسكرات، والشهداء الراحلون في مسارب البحث عن العدالة ومحاكمة القتلة، محتويات دمهم وأرواحهم ومعاناتهم تتعرض للسلب والضياع، وعندها يضيع المعنى، ويقع البيت ، وتجف الشجرة.