هاف بوست عربي
ترددت أقاويل عن إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي من سجنه في ليبيا بعد حبس دام 6 سنوات، فماذا ستكون الخطوة التالية لابن العقيد معمر القذافي الذي كان فيما مضى يتأهب ليخلف أباه في قيادة ليبيا؟
أعلنت ميليشيا "كتيبة أبوبكر الصديق" الليبية، السبت الماضي، إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي، نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، بموجب قانون العفو العام الصادر من البرلمان الليبي، موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وقالت الميليشيا الليبية، التي كانت تحتجز نجل القذافي منذ عام 2011، في بيان، إن "سيف الإسلام القذافي حُر طليق، وغادر مدينة الزنتان منذ إخلاء سبيله، الجمعة"، طبقاً لقانون العفو العام الصادر من البرلمان الليبي، الذي يقع شرقي ليبيا ولا يحظى باعتراف دولي، حيث تعاني ليبيا من التشرذم في ظل حكومات وبرلمانات وميليشيات متعددة تحكم مناطق مختلفة.
وأكد مصدر مقرّب من سيف الإسلام، لـCNN، أنه تم إطلاق سراحه، الجمعة الماضي، لكنه رفض الكشف عن مكانه الحالي، مرجعاً ذلك إلى "مخاوف أمنية".
هل سيف الإسلام القذافي حرٌ طليق فعلاً؟
تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أشار إلى أنه طبقاً لأقوال الميليشيا التي كانت اعتقلته وحبسته منذ عام 2011 إضافة إلى أقوال أحد محاميه، فإن سيف الإسلام القذافي بالفعل حرّ طليق؛ بيد أن كلتا الجهتين كانت في يوليو/تموز من العام الماضي قد زعمت زعماً مماثلاً، ثم ظهر في النهاية زيف ذلك – أو على الأقل ظهر أن حريته المزعومة لم تكن بالمفهوم المتعارف عليه.
فلعله نظرياً كان يلقى معاملة "رجل حر" طيلة العام الماضي من قِبل الفرقة المسلحة التي تحتجزه. إلا أنه ما من دليل وإثبات على أنه غادر حدود محبسه في مدينة الزنتان لا اليوم ولا في السابق.
وتداول عدد من النشطاء الليبيين مقطع فيديو لإطلاق سراح سيف الإسلام القذافي من سجنه بمدينة الزنتان، مساء السبت الماضي، دون معرفة الجهة التي توجه إليها.
ويظهر مقطع الفيديو سيف الإسلام القذافي في صورة تذكارية مع عدد من القيادات القبلية دون معرفة المكان الذي تم تصوير مقطع الفيديو فيه، ورجح عدد من النشطاء أن يكون التقاط الفيديو الخاص بسيف الإسلام في مدينة الزنتان.
لماذا توقيت الإعلان عن إطلاق سراحه الآن؟
ليبيا وسياسة ميليشياتها ليست سوى كتلة من التعقيد، فهي معمعمة مستمرة وفوضى لا تنتهي. ما من أحد قادرٍ فعلياً على تحديد وتعيين سبب إعلان إطلاق سراحه الآن، غير أن البعض يعتقدون بوجود علاقة بينه وبين النزاع المستمر على النطاق الأوسع بين الميليشيات المتنافسة وبين المجموعات السياسية.أين هو؟
لا ندري، فمحاميه لم يصرح بعد بموقع موكله لـ"أسباب أمنية". وإن كان قد غادر الزنتان، فالاعتقاد السائد أنه غادر نحو شرقي ليبيا.
لكن آخرين يرون أنه غادر جنوباً، فيما آخرون يعتقدون أن الاحتمال الأرجح أكثر من غيره هو في توجهه إلى بلدة بني وليد، فهي كانت واحدة من آخر المناطق التي سقطت أثناء حرب 2011 وشهدت تنحية أبيه، ومازال الكثير من الليبيين يرون في تلك البلدة مركزاً لتجمع أنصار ومؤيدي النظام السابق.
كذلك رأى فريق رابعٌ أن سيف الإسلام القذافي قد يكون في مصر.
وقال موقع روسيا اليوم إن سيف الإسلام يمكن أن يلجأ إلى مدينة البيضاء معقل أخواله من قبيلة البراعصة في الشرق.
كما يمكن لنجل القذافي الذي يحظى نسبياً بشعبية كبيرة بين مواطنيه خاصة بعد المآلات المأساوية والأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية المتردية ما بعد الإطاحة بنظام القذافي الأب - حسب الموقع - أن يلجأ إلى مدينة أوباري التي يتخذها القائد العسكري علي كنه معقلاً له، وحيث شكّل وحدات من القوات المسلحة السابقة استعداداً للعب دور مستقبلي.
إلا أن الاحتمال الأخير ضعيف وغير مأمون مقارنة باللجوء إلى مدينة البيضاء شرقاً، أو بني وليد إلى الشرق من طرابلس، أو إلى سبها جنوب غرب البلاد.
من الأرجح أن يتجه سيف الإسلام شرقاً إن هو غادر مدينة الزنتان، وقد تكون رحلته إلى مدينة البيضاء استراحة قصيرة قبل السفر إلى مصر، حيث يقيم معظم أفراد عائلته بما في ذلك والدته، حسب روسيا اليوم.
ماذا يخطط؟
لن يتضح ذلك إلا عندما يصدر بنفسه بياناً، فقد زعم محاميه أن القذافي الابن قد يتولى دوراً محورياً في مساعي المصالحة الوطنية، وفقاً لبي بي سي.
هل يمكنه أن يدخل حلبة السياسة من جديد؟
في ليبيا الآن، كل شيء وارد. فمنذ عام 2011 وأعضاء ومؤسسات النظام السابق يعودون من جديد إلى معترك السلطة وإن اختلفت إمكانياتهم وأدوارهم عما كانت عليه، أما القذافي فلو حاول العودة من جديد فسيواجه أمامه عدة مراكز منافسة على السلطة.
هل بوسعه السفر عبر ليبيا؟
نظرياً نعم، لكن ليس الأمر بالسهل ولا يخلو من قيود، فبعض أقوى الميليشيات في البلاد سيغضبها خبر إطلاق سراحه وعلى الأرجح ستحاول من جديد إعادة اعتقاله.
ماذا عن حكم الإعدام الصادر بحقه؟
إن محكمة طرابلس التي أدانته وأصدرت عليه حكمها لم تشطب هذا الحكم ولا يلوح في الأفق أي احتمال وارد لتعدل عن رأيها.
أما الادعاء العام للبلاد، ومقرّه طرابلس، فلا يعتقد أن قانون العفو الذي سنه برلمان شرق ليبيا ينطبق على القذافي.
أما الميليشيا التي أطلقت سراحه فقد استشهدت بهذا القانون غداة أطلقت سراحه، حيث زعمت أنها تطبق مجرى القانون.
كيف ينظر الليبيون إلى ابن القذافي الآن؟
البعض منهم يرون أنه سيبقى دائماً وأبداً ابن الديكتاتور السابق الذي ظل حتى آخر لحظة يساند أباه حتى مقتله، وأنه كان له دور حسب ما قيل في الأمر بقتل المتظاهرين.
أما بالنسبة لآخرين كانوا في السابق يرونه شخصاً إصلاحياً ضمن نظام أبيه مع تحفظات في هذا الرأي، فيعتقدون أنه قد يكون رجلاً يتمتع بـ"قوة ناعمة وصلبة" تكفي لإنهاء الفوضى التي تعصف بالبلاد.
من قد يدعمه أو يعارضه داخل ليبيا؟
ثمة قائمة طويلة بالميليشيات ورجال الأعمال ذوي النفوذ والمواطنين الليبيين العاديين الذين سيعارضونه على الدوام. لكن قد يدعمه بعض الليبيين الذين عانوا منذ رحيل أبيه عن السلطة عام 2011.
قد يحظى أيضاً سيف الإسلام القذافي بدعم كتل مسلحة ترى في وجوده على جانبها عنصراً يقويهم أمام خصومهم المنافسين. حالياً يُعتقد أن طيف هؤلاء يضم قوات سياسية وعسكرية شرق البلاد بقيادة الرجل العسكري القوي والمثير للجدل خليفة حفتر.
ماذا نعرف عن آرائه السياسية حيال ليبيا اليوم؟
لم نسمع منه مباشرة أي شيء يوضح أُفقه وآراءه السياسية الحالية منذ اعتقاله.
ولكن إذا عُلِم أن العديد من السجناء السياسيين الإسلاميين الذين ساعد ابن القذافي في إطلاق سراحهم من سجون أبيه قد تولوا دوراً هاماً في تأجيج الثورة ضد حكم عائلته، فإذاً المرجح هو أنه سيقف ضدهم بادئ الأمر.
لكننا إذا صدقنا ما قاله محاموه ومازالوا يقولونه حتى الآن، فيبدو أنه يرى البلاد حالياً شديدة الانقسام على نفسها، ما قد يمنحه فرصة لحل هذا الوضع.
هل يمكنه السفر خارج ليبيا؟
نعم يستطيع ذلك. لكنه ما زال مطلوباً من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي تطلب محاكمته على جرائم حرب اقترفت خلال حرب 2011.
نظرياً لو سافر ابن القذافي إلى أي دولة منتسبة إلى محكمة الجنايات الدولية، فسيتوجب على تلك الدولة اعتقاله وتحويله إلى لاهاي.
ماذا ستكون ردة فعل العالم فيما لو عاد من جديد إلى الساحة العامة؟
السائد هو أن العديد من بلدان العالم كانت لها يد مباشرة في الإطاحة بأبيه، ولهذا فإن عدداً من الكراسي قد تهتز ويعتريها الارتباك في كل من واشنطن ولندن وبروكسل.
ولكنْ ثمة اعتقاد قوي سائد وسط الليبيين هو أن القوى الغربية بالذات مستعدة للتعاون مع أي شخص قادر على إحكام السيطرة وإعادة الاستقرار للبلاد طالما أن بينهما رؤية وسياسات مشتركة يرضونها.
لا تريد القوى الدولية أن ينظر إليها على أنها تتدخل في شؤون ليبيا الداخلية، والواقع أن الطرف الذي يختارونه للتعامل معهم هو عادة من تمليه القوة العسكرية الأكبر على أرض الميدان.
من غير المحتمل أن تتدخل القوى الدولية عسكرياً لمنع أو لقلب مجرى أحداث عودة ابن القذافي إلى القوة.
هل لدى ابن القذافي أي مصداقية أو آفاق واقعية كي يغدو قائداً للبلاد مستقبلاً؟
بالنسبة لبعض الليبيين فالجواب نعم. فالفوضى التي دبّت في البلاد في أعقاب حرب 2011 فتحت المجال أمام كل من هبّ ودبّ لاقتحام حلبة السياسة وسد الفراغ الناشئ ولو حتى كمحاولة.
وكثيرون يقولون إن "جميع الآخرين قد جربوا، فلماذا لا يجرب هو الآخر؟".
يظل ابن القذافي معقد آمال وموضع اعتماد آلاف العائلات التي فرت من البلاد خلال الأعوام الست الماضية، فضلاً عمن بقوا في داخل ليبيا وتعرّضوا للتهميش أو القمع الهمجي من قبل الميليشيات الخارجة عن القانون.
لكن هنالك شعرة دقيقة بين الواقع والخيال في ليبيا اليوم، فكثيراً ما يتداخل الاثنان فتعمى الحقيقة عن عيون الجميع وتسودهم الحيرة.
أما في هذه الحالة التي أمامنا فالحقيقة هي أن أي محاولة يقوم بها ابن القذافي كي يعود إلى السلطة لن تمر مرور الكرام دون منافسة شرسة، كما أنها لن تحدث في القريب العاجل.
هل يحنّ كثير من الليبيين إلى أيام الزمن الجميل في عهد العقيد القذافي؟
اليوم فنعم. فرغم أن إرث القذافي مازال الكثيرون يُقرنونه بالتجبر والاستبداد في زمن لا يرغبون بالعودة إليه بالضرورة، فإن الكثيرين منهم كذلك يشعرون أنه كان على الأقل "أهون الشرين".
المدنيون يحنون للاستقرار ولزمن ما كانت حياتهم فيه غير محكومة بنزاع دامٍ قطع أوصال البلاد وقطع نسيجها الاجتماعي إرباً إرباً.
سيف الإسلام القذافي في سطور
يونيو/حزيران 1972: وُلد في طرابلس الغرب بليبيا، ثاني ابن لرئيس البلاد العقيد معمر القذافي.
فبراير/شباط 2011: شرارة الثورة على حكومة القذافي تبدأ.
يونيو 2011: محكمة الجنايات الدولية تصدر أمراً بالقبض عليه بتهمة جرائم ضد الإنسانية.
أغسطس/آب 2011: غادر العاصمة بعد سقوطها في يد القوات المعارضة للحكومة وفر إلى بني وليد.
أكتوبر/تشرين الأول 2011: مقتل أبيه وأخٍ يصغره.
19 نوفمبر/تشرين الثاني 2011: اعتقلته ميليشيا وحاول الهروب جنوباً إلى النيجر، بيد أنه احتجز في الزنتان.
يوليو/تموز 2015: محكمة طرابلس تصدر ضده حكماً غيابياً بالإعدام.
يونيو 2017: تردد أقاويل بإخلاء سبيله عملاً بقانون عفو أصدرته إحدى حكومتي ليبيا المتنافستين.