د. خالد معالي
حب المسجد الأقصى؛ دفع شبان في مقتبل العمر؛ برغم أن خبرتهم في اختراق الأمن التابع للاحتلال تكاد تكون معدومة؛ نظرا لحداثة سنهم؛ يقوموا بعملية ناجحة ومميزة، في باب العمود، متخطين بنجاح كافة إجراءات الأمن من قبل امن الاحتلال الذي بدا هشا وقابل للاختراق لمن أراد أن يخترقه؛ هازئين بكل تدابير الأمن واحتياطاته.
يصر "نتنياهو" على استباحة المسجد الأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان، تزامنا مع عملية وعد الحق قبل يومين؛ التي قتل فيها مجندة تابعة لجيش الاحتلال وجرح ستة آخرين، واستشهد فيها ثلاثة شبان في القدس المحتلة؛ مستفزا ومتحديا أمة المليار ونصف من المسلمين، ومستخفا ب 400 مليون عربي، فلا اعتبار بنظر "نتنياهو" عنده إلا للقوي الذي يملك أوراق قوة وضغط، فالعرب والأمة ألان تعيش وتمر في اضعف مراحلها؛ خاصة بعد حصار قطر؛ بحسب تقييمه الخادع والكاذب.
يريد أن يوصل "نتنياهو" رسالة للفلسطينيين؛ بأنه لا يأبه لعمليات المقاومة وأنه ماض في مخططاته، ولكنه يكابر، فالجرح والوجع ضربه في القلب هذه المرة، رغم كل تدابير الأمن، وهذا حال كل من يحتل أرض غيره بالقوة ويظلم شعبا حرا أبيا.
"نتنياهو" يظن أن احتلاله للقدس يدوم للأبد؛ مكابرة وعنادا؛ وتكرار اقتحامات المستوطنين- جهارا نهارا -عبارة عن رسالة تحدٍّ لمعتقدات الفلسطينيين وجموع المسلمين، وتأجيج للأوضاع وإشعال لحرب دينية لاحقًا لا تبقي على الأخضر ولا اليابس.
مستوطنون مستجلَبون؛ يستبيحون أكثر الأماكن قدسية وطهارة لدى العالم الإسلامي، وفي شهر رمضان، وبحراسة كبيرة من القوات الخاصة الشرطية التي استنفرت بشكل كامل خلال تدنيسها للمسجد الأقصى صباح يوم الأحد 18\6\2017.
يريد "نتنياهو" أيضا؛ جس نبض الشارع الفلسطيني ومن خلفه العربي والإسلامي؛ تمهيدا لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه، وهو ما يشير إلى أن المخفي والمنتظر لاحقا أعظم بكثير، ويشكل خطرا حقيقيا وداهما على المسجد الأقصى المبارك.
القدس المحتلة لها معانٍ ودلالات مزروعة في قلب وعقل كل مسلم وعربي وفلسطيني، وعقيدة دينية متأصلة، تجعل كل فرد يقدم روحه رخيصة في سبيل الدفاع عنها، وتخليصها من الاحتلال؛ وهو ما فهمه الشبان الثلاثة مبكرا.
في الوقت الحالي؛ كأن المسجد الأقصى لا يوجد له حماة أو مدافعون عنه من أمة المليار ونصف، الذي من المفترض أن يدافعوا عنه ويتحركوا لنصرته سريعا قبل فوات الأوان؛ ولكن شبان بعمر الزهور نابوا عن تقاعس الأمة ولقنوهم درسا في كيفية التضحية لأجل المقدسات، وضرب عمق الاحتلال.
أريقت دماء الشبان الثلاثة على باب العمود بكل عزة وشموخ؛ كما أريقت سابقا مئات دماء آلاف من الشهداء المسلمين، للحفاظ على قدسيتها الخالصة للعرب والمسلمين وتحريرها، ممن تعاقبوا عليها محتلين مغتصبين، ودحرهم عنها وكنسهم لمزابل التاريخ.
القدس؛ بقيت وستبقى للأبد؛ تذكر في الصلوات حتى يوم القيامة، وما زالت ملازمة للوعي الجمعي للأمة، والدفاع عن القدس وهويتها ومقدساتها لا تخص الفلسطينيين وحدهم دون غيرهم؛ لكن لا حياة لمن تنادي.
تدنيس أكثر الأماكن قدسية للمسلمين؛ وفي أواخر شهر رمضان؛ على درجة عالية جداً من الخطورة، ووصل وتعدى الخطوط الحمر جميعها، وما عاد يجدي الشجب والاستنكار الذي يفرح "نتنياهو" ويبهجه ويطربه.
لن تتوقف عمليات المقاومة ما دام الاحتلال متواصلا للأرض الفلسطينية، و"نتنياهو" مصر على دق طبول الحرب ومواصلة إراقة الدماء التي هو مسئول عنها؛ كونه من يؤجج نار الحرب، ولا يريد إعطاء الشعب الفلسطيني حريته كبقية شعوب العالم؛ لكن في نهاية المطاف لن يخرج عن إطار السنن الكونية التي قضت ب "سيهزم الجمع ويولون الدبر".