الرئيسية / مقالات
هلال رمضان والعيد والحساب الفلكي!
تاريخ النشر: الخميس 22/06/2017 10:04
هلال رمضان والعيد والحساب الفلكي!
هلال رمضان والعيد والحساب الفلكي!

عصام تليمة 

 

قضية تثار كل عام مرتين، وربما ثلاث مرات، مرة في هلال رمضان، ومرة في هلال شوال (عيد الفطر)، ومرة ثالثة في عيد الأضحى، لكن الثالثة تحسمها المملكة العربية السعودية نظرا لوجود (عرفة) في أراضيها، وهو عيد مرتبط بوقفة عرفة والحجيج، أما المرتان الأوليان، فتُعنى بعبادة مهمة عند المسلم، وهي الصوم، ونحتاج إلى وقفة فقهية علمية مع المسألة، والتي يختلف فيها العلماء والمعاصرون - والناس تبعا لهم – في حكمهم عليها، بين من يصر على الرؤية بالعين، أو بالأجهزة ، وبين من يرى أن الحساب الفلكي بلغ من الدقة مبلغا مهما، يمكننا الاعتماد عليه، والقضية لها جذور فقهية تراثية، ومعلومات معاصرة.

أدلة من يرفضون الحساب الفلكي:
يستدل الذين يصرون على اعتماد الرؤية، وترك الأخذ بالحسابات الفلكية، على نصوص من القرآن والسنة، كقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة: 185، وقد فسر بعض العلماء الآية، هنا: شهود الشهر هنا: رؤيته البصرية، وهي السبب الشرعي لوجوب شهر رمضان، فتعتمد الرؤية لا الحساب الفلكي. وهنا أمر مهم في القضية، فهل السبب الشرعي لوجوب الصيام: رؤية الشهر، أو دخول الشهر، سواء رآه من صامه أم لم يره؟ إن الواضح هو دخول الشهر هو السبب الشرعي لا رؤية هلال الشهر، فالرؤية هي وسيلة مشروعة للتأكد من دخول رمضان، وإذا تعذرت فقد دلنا الشرع على وسيلة أخرى هي الإكمال لثلاثين يوما من شعبان، وإذا وجدت وسيلة أخرى للتأكد من دخول الشهر أكثر يقينا، فيحسن اعتمادها، وربما وجب المصير إليها إذا كانت أدق في الوصول إلى الهدف المطلوب. [1]

واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" وقوله صلى الله عليه وسلم: "نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب". فهذا النص النبوي لا يعطي دلالة تشريعية، بل يعطي دلالة واقعية، أي أنه يصف واقعا للأمة الإسلامية وقتها، ولا يعطي أمرا شرعيا، فهو يتحدث عن حالة تعبر عن تقصير الأمة في الجانب العلمي، وهي ليست حالة صحية، بل حالة ضعف للأمة وهي أنها لا تكتب ولا تحسب، فهل زكى الإسلام هذه الحالة أم عمل على تقويتها، بأن تتعلم الأمة الكتابة والحساب؟ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم سعى لمحو أمية هذه الأمة، عندما خير أسرى غزوة بدر من المشركين أن من لم يمتلك فدية يؤديها للمسلمين، أن يقوم بتعليم عشرة من أبناء الصحابة.

سوء سمعة علم الفلك قديما:
كما أن هناك عاملا مهما جعل الفقهاء لا يثقون بعلم الفلك، فقد كان مشهورا بأنه علم التنجيم، وأنه علم قائم على الدجل، والخرافات، والسحر، وليس كما هو فيما بعد، إذ غدا علما قويا، قائما على الحقائق العلمية، والحسابات الدقيقة، وهذا هو تفسير الحملة التي نراها في كتب الفقهاء قديما لعلم الفلك، فقد كانوا يسمونه: علم التنجيم، [2]ولكن هذا الماضي قد تغير، نتيجة الخلط القديم بين علم الفلك، وعلم السحر والشعوذة والدجل، فأصبح ماضيا لا صلة له بالواقع العلمي المعاش.

عدم دقة علم الفلك:

ومن حججهم لرفض الحسابات الفلكية: أنها غير دقيقة، ونلاحظ في كلام المشايخ هنا أنهم يخلطون بين الأرصاد الجوية، وعلم الفلك، ويخلطون بين الكلام المرسل والفكرة القديمة عن هذا العلم، وأنه قائم على التخمين، وبين علم الفلك الآن، الذي صار له كليات تدرسه، وتخصص علمي قائم على أدوات علمية، ومراصد كبرى، وآلات جبارة ترصد النجوم والأفلاك بشكل دقيق، نسبة الخطأ فيه قليلة جدا لا تكاد تذكر. [3]

أدلة من يقولون بالحساب الفلكي:
بعد مناقشة أدلة من يرفضون الحساب الفلكي، نشير سريعا إلى أهم الأدلة التي استدل بها العلماء الذين يقولون بالأخذ بالحساب الفلكي، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) يس: 40،39، فالآية تبين أن الشمس والقمر لهما مسار محسوب دقيق. ويقول تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) يونس: 5، فالآية هنا منازل القمر وتقديرها لحكمة وفائدة للإنسان، وهي معرفة عدد السنين والحساب.

وما قام به العلماء من ردود على أدلة من يرفضون الحساب الفلكي، اشتملت ردودهم بين ثناياها على أدلة من مدلولات الآيات، والأحاديث أدلة على الأخذ بالحساب الفلكي لا رفضه.

مواقيت الصلاة بالحساب الفلكي:
ومن مواضع التناقض الشديدة، أن المخالفين للحساب الفلكي، يعتمدون في الصلوات ومواقيتها، الحساب الفلكي، وهي عبادة تؤدى كل يوم خمس مرات، وهو دليل قوي لاعتمادنا الحساب الفلكي في كل ما يتعلق بالعبادة، فكيف نأخذ به في عبادة يومية، ونثق به، ونرفضه في عبادة سنوية، لمرة واحدة؟!!

دور العلم في حسم نزاعات فقهية:
كما أن العلم له دور كبير في حسم نزاعات فقهية، كانت من قبل، وتطور العلم وقوته، تجعل من الاعتماد عليه فيما قوي فيه، وأصبح مسلما به، مرجعا في الأمر، فنحن نفتي للمرأة الحامل بالإفطار، بعد قول الطبيب، ونفتي المريض بالتيمم بعد قول الطبيب أن الوضوء يضره، فالفقيه في فتواه التي لها علاقة بالعلم يرجع أولا لأصحاب التخصص، ثم يبني فتواه بالنصوص التي تسير جنبا إلى جنب مع حقائق العلم. مما حدا بباحث كتب رسالة دكتوراه بعنوان: (أثر التقنيات الحديثة في الخلاف الفقهي)، وقد جعل العلامة القرضاوي من موجبات تغير فتوى الفقيه: تطور العلم، وتطور معلومات الفقيه نفسه، كما فصل ذلك في كتابه: (موجبات تغير الفتوى) والأمثلة في ذلك كثيرة في حياتنا وفقهنا الإسلامي المعاصر، في تأثير العلم في الفتوى، مثل: قضية الحمل ومدته، ومثل قضية: إثبات النسب، ومثل قضية: الشهود إذا شهد رجلان كذبا على رجل بالسرقة، ولكن الآن أصبحت البصمات، والكاميرات المعلقة في كل مكان، هل هنا لو جاءنا شاهدان شهدا على شخص باتهامه، بينما كل الدلائل العلمية تنفي التهمة عنه، مثل البصمات، والكاميرات، وغيرها، عند دلالتها الصحيحة دون تلاعب.

كما أن الفقهاء قديما كانوا يفتون بجواز التداوي (العلاج)، ولم يروا بأسا بتركه، وذلك لأن الطب والتداوي قديما لم يكن بقوته الآن، ولم تكن نتائجه موثوق بها، فكانت فتوى الفقهاء بهذا الرأي، ولكن بعد تطور الطب ونتائجه التي أصبحت نتائجه معلومة بنسبة كبيرة، في معظم الأمراض، لم يعد فقيه يفتي أحدا بترك العلاج، بل الفقهاء والمشايخ أنفسهم أول من يسرع إلى العلاج والتداوي.

علماء قالوا باعتماد الحساب الفلكي:
هناك علماء قدامى قالوا باعتماد الحساب الفلكي، وهناك من فرق بين الإثبات والنفي، فممن قال باعتماده إثباتا ونفيا، منهم: العلامة الشافعي تقي الدين السبكي، ومن المعاصرين: العلامة الشيخ أحمد شاكر، والعلامة فيصل مولوي، والعلامة القرضاوي، ومجلس الإفتاء الأوربي وغيرهم، وقد فصل في ذكر أسمائهم الدكتور ذو الفقار علي شاه في كتابه الرائع: (الحسابات الفلكية وإثبات شهر رمضان) والمرحوم الدكتور محمد الهواري عضو مجلس الإفتاء الأوربي.

فوائد اعتماد الحساب الفلكي:
لاعتماد الحساب الفلكي فوائد مهمة تعود على المسلمين:

1ـ أنه يسعى للقضاء على هذا التفرق والتشرذم المستمر في بلاد المسلمين كل عام، في عبادة مهمة وهي الصوم.

2ـ ينهي حالة الاختلاف والتفرق للمسلمين في الغرب، فنجد في الغرب مسلم يصوم على الفتوى السعودية، وآخر يصوم على فتوى بلده، وآخر على فتوى بلد ثالث، وعندما يذهب لطلب إجازة لعيده، يسأله المسؤولون الغربيون: على أي عيد نعطيك على عيدنا هنا، أم عيد البلد الفلانية.

3ـ كما أنه ينهي حالة التدخل السياسي في هذه المسألة الدينية، فلم يعد خافيا أن دولا لخلاف زعمائها السياسي مع دول أخرى، تصر أن تكون رؤيتها غير الأخرى، ليست حالة عامة لكنها موجودة، وتعيشها الأمة، ولعل هذا يذكرنا بما فعله القذافي في سنة ما، صام المسلمون في معظم بلاد العالم السبت، وصام آخرون الأحد، فصام هو في ليبيا الثلاثاء!!

4ـ يعلي من اتصال الشرع الحنيف بالعلم المعاصر، والذي تطور تطورا كبيرا، ولم يعد قائما على التخمين، إلا في مسائل لم تحسم بعد.

-----

 

[1] انظر: السبب الشرعي لوجوب صيام رمضان، بحث للشيخ فيصل مولوي رحمه الله، مقدم لمجلس الإفتاء الأوربي، نقلا عن: الحسابات الفلكية وإثبات شهر رمضان للدكتور ذو الفقار علي شاه ص: 143.
[2] انظر: الحسابات الفلكية وإثبات شهر رمضان للدكتور ذو الفقار علي شاه ص: 51-56.
[3] انظر: تيسير فقه الصيام للدكتور القرضاوي ص: 23-34، وبحوث في قضايا فقهية معاصرة للشيخ محمد تقي العثماني (2/243).


نقلا عن الجزيرة مباشر 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017