مضى رمضان و عيد الفطر و كل عام و انتم بحال افضل , لم أكتب مقالا واحدا خلالهما و اكتفيت بمنشورات و تعليقات يومية على الاحداث و لاسباب متعددة , و لذلك فقد تراكمت الأفكار و الاحداث و بدأت أكتب و أنا أتساءل : ما المواضيع الأكثر أهمية و الأكثر الحاحا , فوجدتها جميعا تحمل نفس الأهمية بل ترتبط مع بعضها البعض بالكثير من التداخل و التأثير و التأثر ,, فكرت كثيرا و ازددت حيرة ,, هل أستطيع أنا أو غيري كتابة مقال لا يمل منه القاريء و يربط كافة الأحداث بالمنطقة و العالم و بسرد معقول ؟! ان الأمر أشبه بالمعجزة و بالتأكيد لسنا في عهد المعجزات و لو كنا كذلك فلست مؤهلا و لا انا ممن يستطيع فعلها ,, اذا ما العمل ؟ استطيع كتابة سلسلة مقالات تتناول القضايا المختلفة و أترك للقاريء ربط الأمور و تحليلها كما فعلت كثيرا ,, جيد و لكن القضايا متتالية و متسارعة و سندخل في متاهاتها قبل القدرة على الربط و سنجد اننا ننتقل من موضوع لآخر في دوامة مستمرة فلا نطرح حلول و لا نعالج قضايا بل نستمر في ارباك الرأي العام و اهتماماته ,, و بمعنى آخر سنجد انفسنا معلقين على الأحداث لا ميسرين لفهمها و إيجاد الحلول لها و الحقيقة أن سرد الأحداث و التعليق عليها مهمة وسائل الإعلام و ليست مهمتنا بالتأكيد .
بالتأكيد هذا ليس المقال الأخير الذي أكتبه و بمشيئة الله سأستمر حتى تتوقف أصابعي عن الحركة فأشعر بمسؤولية كبيرة علي و على غيري ممن يكتب بالشأن الوطني و العام و ذلك أضعف الايمان ,, كما أشعر أنني أمام مقال مفصلي في لحظة مفصلية , و اهتديت الى أن أكتب مقالا شاملا قدر الإمكان و بايجاز لا يفقد المعنى و الهدف ,, و أسميت المقال ( صراع البقاء ) لأنني أشعر أننا كفلسطينيين بل كعرب ندخل صراعا من أجل البقاء يحتاج لكافة القدرات و الأسلحة لاجتياز الزمن قبل أن يجتازنا ,,
قانون الغاب يقول أن البقاء للأقوى ,, و القانون الفكري يقول البقاء للأذكى ,, و قد يتصف البعض بالقوة و الذكاء فيستحوذون على البقاء و يحرمون الضعفاء منه ,,, أما القانون الإنساني فيقول أن البقاء للجميع ,, و لكن هذا يغدو شعرا او نثرا في مواجهة عالم تحكمه المصالح و منطق القوة لا قوة المنطق ,,, بمعنى أنه لا يكفي أن نقول أننا على حق لنفرض على العالم قبولنا و حماية وجودنا ,, أي أننا عندما لا نملك القوة و الذكاء فسنفقد البقاء تدريجيا حتى الفناء و لن يفيدنا انتظار العطف و التعاطف .
علينا أن نسأل أنفسنا كفلسطينيين خاصة و كعرب عامة أسئلة ثلاث :
- هل نريد البقاء ؟
- ثم هل نستطيع البقاء ؟
- و أخيرا كيف نحقق البقاء ؟
السؤال الأول يعتبر بديهي و سيجيب عليه الجميع بأكيد لا نريد أنن ننقرض ,, بل نريد الحياة و البقاء ,, و لكن و بصراحة هذا الجواب ليس اقل سذاجة من السؤال ,, لأن إجابة السؤال الأول لن تتحقق قبل إجابة السؤال الثاني و الثالث .
أما السؤال الثاني فسنجد تباينات في الإجابة عليه بين الاحباط و التفاؤل و مستوى الوعي و المعرفة و الادراك و حالة المعيشة و القدرات الاقتصادية و العسكرية و بين المبدأية و اللا مبدأ و بين أمور كثيرة ,, فسنجد أن الاجابات : نعم نستطيع و جزء كبير منها سيكون مكابرة,, بدون وعي و ادراك ,,, و سنجد أيضا إجابات كثيرة بلا نستطيع و هي بين عوامل الإحباط و اليأس و قلة المعرفة أيضا و الأهم حالة فقدان الثقة في النفس و كي الوعي الذي مورس ضد عقولنا و داخلها .
أما السؤال الثالث و الأصعب فسنجد القليل جدا من الإجابات عليه لأننا نشعر أننا أضعف من أن نخطط أو نجتاز مآسينا و نبني لمستقبل مختلف ,, و نفشل عن تحديد أهدافنا و توجهاتنا بأسباب كثيرة و متعددة فلا يستطيع السواد الاعظم الإجابة على سؤال كيف نبقى !!
و رغم كل هذه الصعوبات و التعقيدات فلا بد من الإجابة على الأسئلة الثلاث و لا عبور لنا و لا اجتياز للمرحلة الا بالاجابات و لن نستطيع الهروب أو التهرب و لا دفن الرأس في الرمال و هي أشبه بحال امتحان الثانوية العامة ,, فلن تستطيع العبور الى الجامعة دون اجتيازه مهما بلغت الصعوبات و الاجتهاد الا انه ممر اجباري و بالتأكيد الأسئلة الثلاث ممر اجباري لا بد منه .
أقولها بأعلى صوت و بالفم الملئان نعم نريد البقاء و نستطيع البقاء و تعالوا معا لنفحص كيف نستطيع البقاء :
- نستطيع البقاء عندما نحدد معسكر الأصدقاء و معسكر الأعداء .
- نستطيع البقاء عندما نقتنع في قرارة أنفسنا أن إرادة أمريكا ليست قدرا و أن ارادتها بدأت تتكسر في فيتنام فامريكا اللاتينية فالعراق و سوريا ,, و عندما نحول هذه القناعة لفعل يحدد الموقف من امريكا و حلفائها .
- نستطيع البقاء عندما نقتنع أيضا أن إرادة ( إسرائيل ) ليست قدرا و أن قوتها و جبروتها ليستا اسطورية و قد ثبت هذا منذ الانسحاب من لبنان و غزة و حتى اليوم و مرورا بكافة معاركها منذ ذلك الحين و حتى اليوم و الغد .
- نستطيع البقاء عندما نقنع بأن العالم متغير و أن سياسة القطب الواحد قد تلاشت و أن تعدد الأقطاب الاقتصادية و السياسية و العسكرية أصبح واقعا فسقطت الهيمنة الامريكية و تراجعت كقوة متحكمة في العالم .
- نستطيع البقاء عندما نقتنع بقدرة إخواننا على الصمود و تحقيق التغيير في موازين القوى و الأحلاف ,, في اليمن و سوريا و العراق و لبنان ,, و أن ظلم و تراجع الجماهير لن يستمر .
- نستطيع البقاء عندما نكشف حالات التآمر و بيع الأوطان عند الكثير من الحكام و كشف و تعرية التوجهات ,, و هذا الامر اصبح أسهل مع سقوط ورقة التوت و بدء اللعب على المكشوف .
- نستطيع البقاء عند تحويل خيرات بلادنا الى أسلحة و أدوات تقدم تملكها الشعوب لا الطبقات الحاكمة .
- نستطيع البقاء عندما نلغي الموروث السيء الفكري و الثقافي المرتبط بالجهل و التخلف و استعمال الدين لتمرير مآرب و أهداف الحكام .
- نستطيع البقاء عندما نحيي الحياة المدنية و نطور المفاهيم الثقافية و الفكرية و العلمية و نرسي قواعد الحرية و العدالة .
- و أخيرا نستطيع البقاء عندما نؤمن أن الله هو العدل و و أن العلاقة معه علاقة سامية بعيدا عن التهويل و التخويف و أن الله لا يقبل الظلم و لا التبعية للجهلة من الحكام و لا سرقة خيرات الناس و لا ارتماء القادة في أحضان الأعداء .
نعم لقد بقي الشعب الفلسطيني قرن من الزمان رغم كافة المكيدات و المؤامرات و المجازر و بقيت الشعوب العربية رغم الاستعمارات و القتل و التفرقة و التدمير و القتل ,, و لم يحدث أن افني شعب في التاريخ و لكن قد تغيب الحقيقة لفترة من الزمن و قد تنتهك الحقوق و قد يزور التاريخ و قد يقلب الحق للباطل و الباطل للحق ,, و لكن هذا كله الى حين و لن يستمر الى الأبد ,,, و سنظل مستمرين في قول الحق و تعرية الباطل و الفاسد و سنظل ندعم أواصر البقاء لأننا خلقنا لنبقى و سنبقى ,, و سنناقش القضايا المختلفة في مقالات قادمة ,, و لكن تحت عنوان الإصرار على البقاء و ان انتقدنا فسننتقد بإيجابية و نحو البناء ,,, و سنثبت أننا اهل للبقاء في صراع البقاء ,,, و اللي على راسة بطحة يحسس عليها .