كتبت: وداد عورتاني والاء عامر
وأنت تسير في أزقة الحارات في مدينة نابلس تعجبك ملامح المكان العتيق، وترتسم على وجنتيك إبتسامة للقاء سكانه، لا سيما وأنت تسمع صوت جميل كأنه متقوقع في أحجار البيت الذي ينبعث منه أنغام أشبه بزقزة الطيور مبتهجة بحريتها.
نرمين الكوني 21 عاماً، التي ترعرت في حي الكوني وسط المدينة، هي فاقدة لنعمة البصر منذ ولادتها، تعيش في كنف أسرتها المكونة من إثنين من الأشقاء وثلاث شقيقات، فردين من العائلة يعيشون معاناة شقيتهم وذلك نتيجة لزواج والديها وهم أقارب من الدرجة الأولى.
حياة نرمين الدراسية...
نرمين الفتاة الشابة التي تسكن مدينة نابلس تقول أنها بدأت دراستها في مدرسة هيلن كلير في مدينة القدس حيث كان عمرها ما يقارب الثلاثة سنوات ونصف لغاية الحادية عشر سنة، حيث كانت تقيم في المدرسة اقامة داخلية، متوفر لديها كل ما تحتاجه من مأكل وملبس ومسكن ثم عادت لتكمل دراستها في كل من مدرسة ابن سينا ومدرسة عمر المختار اختتاماً بمدرسة سمير سعد الدين في نابلس.
مشيرةً نرمين الى أنها كانت تدرس من خلال كتب خاصةٍ بها، فالمدرسة توفر لهم عن طريق وزارة التربية والتعليم ما يحتاجونه من مواد دراسية مطبوعة بنظام خاص بالمكفوفين يدعى "بريل".
إستطاعت نرمين أن تجتاز مرحلة الثانوية العامة بتفوق وتصل لعتبة الجامعة لترى بقلبها أن لا مكان للإستسلام أوالخنوع لظروفها، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، حلمها بدراسة الإعلام لم يمكث طويلاً فمن متطلبات هذا التخصص التصوير ونرمين لا تقوى على ذلك.
بوجه خجول وبسمة تنطلق من الشفاه تحدثت نرمين: "لم أقف عاجزة أمام أول عقبة واجهتني فأنا اخترت تخصصاً قريباً من الصحافة في اندماجه وتفاعله مع المجتمع فدخلت علم الاجتماع وتخصصت "خدمة اجتماعية" في جامعة النجاح الوطنية".
تكمل نرمين حديثها :"في الجامعة أشعر وكأنني أتعامل بيني وبين زملائي وأساتذتي كأصدقاء فهم متعاونون معي ويقومون بتوفير المواد التعليمية الخاصة بنا، وذلك من خلال كتابتها على برنامج "الورد" ومن ثم طباعتها بكتب خاصة لنا على طريقة "بريل" مشيرة الى أن ثمنها بالمجان إضافةً إلى أن إدارة الجامعة تمنحننا نصف منحة من أجل مواصلة دراستنا".
وتضيف نرمين:"أصدقائي بالنسبة لي أكثر من رائعين فعندما لم يتم توفير المادة المطبوعة لدي يقومون بتسجيلها لي على الهاتف وثم أقوم بسماعها ودراستها، بالإضافة الى أنهم متعاونون معي في وصولي للكلية وخروجي منها".
لم تستطع نرمين مواصلة حلمها في دراسة الصحافة والاعلام الا أنها استطاعت أن تمارسه من خلال عدة دورات إجازتها في كل من مركز يافا ومكتب أصداء للصحافة والاعلام والتدريب في راديو حياة.
أما عن طموح نرمين فهي تطمح بأن تنهي مرحلة البكالوريس في الخدمة المجتمعية، فهي على أبواب التخرج وأن تكمل الماستر في علم الاجتماع.
الصعوبات لدى نرمين...
تبين نرمين أن من الصعوبات التي تواجهها هي التنقل والمواصلات، تتحدث قائلة: "أنا لا أعرف أن أتجول في أرجاء المدينة وذلك بسبب عدم اعتيادي على استخدام العصا الخاصة بالمكفوفين، أما بالنسبة لصعوبات التي أواجهها داخل المنزل فهي استخدامي لنار وإعدادي أطباق الطعام لكن بالنسبة لباقي الأشياء فأنا أقوم بها بنفسي دون مساعدة أحد".
ولادة الموهبة الغنائية...
"احنا متل كلالناس قلب وروح واحساس يا ريت الكل يسمعنا احنا بشر في الأساس" بهذه الكلمات بدأت نرمين حديثها عن موهبتها الغنائية فتقول: "موهبتي الغنائية بدأت منذ أن كان عمري أربع سنوات، فمعلمتي السيدة إيمان زين في مدرسة هلين كلير اكتشفت أن لدي صوت جميل فأخذت تعلمني الغناء أكثر فأكثر في حصص الموسيقى، وتطلب مني أن أتدرب على الأناشيد ومشاركتي في الفرق المدرسية للغناء، إضافةً للكورال.
بصوتها العذب الشجي استطاعت نرمين أن تبدع فهناك الكثير من الفرق الموسيقية الذين يطلبونها، فهي تغني في كافة المناسبات الوطنية والدينية وغير ذلك، وأضافت الكوني:"قمت بتمثيل فلسطين من خلال سفري لإيطاليا والغناء على إحدى مسارحها بالإضافة إلى مشاركتي في غناء شارة المسلسلات الفلسطينية والتي من ضمنها مسلسل "بدون اخراج" للمخرج باسل عطا الله وأغنية "إحنا متل كل الناس".
لا يأس مع الحياة...
رغم تطور وسائل العصر الحديثة ودخول التكنولوجيا الذكية استطاعت نرمين اقتناء ودخول الشبكةالعنكبوتية "الانترنت".
تمسك نريمين بجهاز خليوي فتقول: "أنا أتمكن من استخدام الفيسبوك والمسنجر والواتس آب وغيرها من البرنامج الذكية وذلك من خلال تطبيق برنامج خاص بالمكفوفين يدعى "توك باك"
الموجود على الأجهزة الذكية الذي من خلاله أستطيع استخدام تلك البرامج بالإضافة الى أنه لديه تحديث من وقت لاخر كأي تطبيقٍ آخر، حيث يقوم بترجمة الكلمات والنصوص المقروءة إلى أصواتٍ مسموعة نفهمها".
تجلس نرمين مقابل والدتها السيدة صباح الواوي "ام العبد" التي عبرت عن تميز ابنتها فتقول: "نرمين من ابنائي المتميزين والمتفوقين فأنا لدي ستة أبناء ثلاثة منهم مكفوفين غير نرمين واثنان أصحاء، فأنا أرى نرمين من المتميزين المبدعين التي استطاعت أن تتغلب على ظروفها وتحديها الصعاب، فهي تحب بأن تندمج وتنخرط بالمجتمع، بالإضافة إلى أنني أقوم بإعطاءها الدافع والتشجيع لمواصلة تعليمها واستمرارها في موهبتها الغنائية".
الأحلام في حيز المستطاع ما دمنا نسعى بجدية لتحقيقها، نرمين ولدت كفيفة البصر متيقظة القلب لتدافع عن حلمٍ راودها منذ نعومة أظافرها فتربيه فيها ليكبر تارة وتتمسك فيه تارة أخرى فتُمسك به وتراه في قلبها.