هنا القدس , على توقيت سرب الحمام فوق مآذنها تصحو, وعلى صوت الرصاص تعيد ترتيب نفسها بما يتناسب و رحيل الشهداء من ساحاتها الى السماء , هنا فلسطين ,أول المقاومة واول الصمود , وآخر القلاع النظيفة على إمتداد الجرح العربي .
يتجرؤ شلومو مرة أخرى على القدس , مستفيداً من تناحر الأخوة العرب , وانقسام الاخوة الفلسطينيين , متناغماً مع سقوط الخليج في مستنقع المجنون ترامب , فإزدادوا جنوناً على جنونهم , و سقوطاً في الهاوية أكثر وأكثر .
يتقدم شلومو خطوة أخرى نحو استباحة القدس , بينما نحن نتراجع خطوات الى الخلف , صامتين او منددين او معتصمين في مراكز محافظاتنا, محافظين على الهدوء وضبط النفس , مكتفين برفع الشعارات ,ورفع الأيدي الى الله ان يفك رب البيت قيد البيت.
يزداد المشهد بشاعة, وألماً حيث يمنع الاحتلال الأذان , يغلق الابواب في وجه العابدين المصلين , وفي نفس الوقت يغلق العرب أفواههم , و ترابط الفصائل الفلسطينية في مكاتبها , تصمد وتصبر تحت المكيف الى أن يحضر الاعلام , يصوب المتحدث باسم التنظيم غضبه على الاحتلال , يراوغ ,يتقدم , ويطلق تهديده عبر شاشات البث المباشر , ان القدس لنا , ولن نتنازل عنها ,ويحذر مهاجماً الاحتلال , ان استمرار اغلاق ابواب القدس هو استمرار للتعنت "الاسرائيلي" وان صبرنا شارف على الانتهاء , ويصرخ امام الكاميرات بأن القدس عاصمتنا الابدية , وقبل ان ينهي , يجفف العرق عن جبينه بمنديل حريري , ويدعو الجماهير العريضة الى الاعتصام والتحرك من اجل القدس .
بينما القدس تجلس تحت شجرة زيتون من عمر القهر , او أكثر , لا تكترث بنا , ولا تحسب حساباً لكل الجنود المدججين بالرصاص وبالسلاح و بالغضب , تبتسم كعادتها فيرتبك الجنود على عتباتها ,تعرف جيداً أين هي ذاهبة , وتعرف عشاقها وعاشقها , و تستقبل السلاح النظيف بحضنها , وتقبل الدم على جسد الشهيد القادم إليها , وتصلي ركعتين على روحه قبل ان تزفه الملائكة قديساً جديداً الى السماء .
نحن في زمن التارجع و التيه , زمن نسير فيه ,في صحراء بلا هدف , تأخذنا الرياح مرة , ويستقطبنا السراب مرات , ونبكي على حالنا حين يحل الليل , ونصحو مرة أخرى نعيد نفس الخطأ ونفس الطريق بغباء مطلق.
نحن في زمن الخذلان , واغتيال الغزلان , و غدر الأخ و جفاف الانتماء , اكتفينا بالصمت بديلاً عن الصراخ , وبالاعتصام بديلاً عن التقدم نحو القدس , و بالموقف بديلاً دنيئاً عن الثورة .
أضعنا البوصلة و سرنا في القطيع خلف الوهم , بلا عقل يدلنا على الحقيقة , ولا قائد يشير لنا على الحق , تيتمنا بعد ان غادرنا الكبار , واستبدلنا الثورة بالسلطة , والفدائي بالمسؤول , والمغارة بالمكتب , و الشعار بالتصريح , و بيان القيادة الوطنية الموحدة باعلام ضعيف , لا هو قادر على ايصال الرساله , ولا قادر على وصف الحالة , والله وحده يعرف حالنا , واحوالنا , و الى الله المشتكى .
هذا الواقع الذي يعصر نفسه على عالمنا , ليس الا نتاج انقسام الاخوة في فلسطين , وتقاسم المصالح , و الجري المجنون خلف كرسي تحت قدم الاحتلال , هذا الواقع البائس سينتهي يوماً ما , وسيعود للقدس رجالها , سينبعث الشهداء من تحت التراب , ليشعلوا فينا الغضب , وينيروا لنا الدرب الذي فقدناه , ويعيدوا لنا البوصلة من جديد , حينها فقط سنعيد للارض كرامتها , وللقدس عزتها , والى ان يحين ذاك الوقت , سنظل نغني , لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي , سأدق على الابواب , وسأفتحها الابواب , للقدس سلام آت.