فاجأ المقدسيون مرة أخرى الجميع بردة فعلهم تجاه مساس مؤسسة الإحتلال الاسرائيلية بالمسجد الأقصى، واثارت حفيظة الكل الوطني داخل المدينة المقدسة لمنع تثبيت واقع جديد حول الحرم الشريف.
المسألة بالنسبة للمقدسيين قصة كرامة وسيادة، وبشكل تلقائي اندمج الملحد والمتدين في الخندق ذاته، في مواجهة الإحتلال ورفض سياساته، وبكل تأكيد قام المقدسيون بكل ما عليهم على أكمل وجه. لكن ما تبقى هو قيام المؤسسات ذات العلاقة بما عليها، فيما يتعلق بالاسئلة السياسية السيادية على القدس الشرقية والحرم الشريف.
البوابات الإلكترونية أو الكاميرات هي نتيجة حتمية لجهود اسرائيلية مستدامة مورست منذ عام 1948، عززت بعد الاحتلال عام 1967 هدفها انهاء اي ملامح للسيادة العربية او الفلسطينية على القدس الشرقية.
وانطلقت المخططات الإسرائيلية لمدينة القدس من منطلق المكانة الدينية والديمغرافية والسياسية، وسعت للسيطرة عليها كقلب ثقافي وسياسي وديني حصري لها. واعتمدت في ذلك على قاعدة التفسير المصلحي حسب مصادر القوة والهيمنة للقرارات الدولية، وغدت تصنع يوما بعد يوم واقعا جديدا للمدينة المقدسة.
وكان الهدف الأساسي لكل ما قامت وتقوم به إسرائيل تغيير الهوية الفلسطينية والعربية للمدينة المقدسة، وقامت لأجل ذلك بعدة خطوات تمثلت بتطوير شبكة طرق تامن الوصول لأي نقطة في مدينة القدس، وخدمة المستعمرات، اضافة إلى محاصرة الوجود الفلسطيني من خلال اقامة مجموعة من الدوائر الإستعمارية بدات منذ عام 1968 شملت ( التلة الفرنسية، اشكول، وراموت).
وعملت ايضا اسرائيل على فصل القدس عن محيطها الفلسطيني، ولذلك قامت بإقامة مجموعة من المستعمرات على الحدود التي اقرتها بلدية الإحتلال للمدينة شملت ( غيلو، بسجات زئيف) وبنت مراكز استعمارية اخرى حول القدس لتشكل الظهير الحامي للمطامع الاسرائيلية ك( غوش عتصيون، ومعاليه ادوميم).
ولم تكتفي الماكنة الاسرائيلية بذلك فحسب بل توغلت في الاحياء الفلسطيني بالمدنية القديمة كما يحصل في سلوان والشيخ جراح ورأس العمود. وقطعت الإحياء العربية الى مناطق صغيرة غير متصلة ببعضها البعض من خلال مصادرة اراض، واقامة طرق، ومناطق عسكرية مغلقة.
البريفيسور راسم خمايسي يصف استراتيجية التخطيط الاسرائيلية في القدس بالتخطيط المقنن الذي ادى فصل مدينة القدس عن امتدادها العربي الفلسطيني الطبيعي، وزاد من تبعية القدس الشرقية الاقتصادية للجزء " الاسرائيلي" خاصة بعد بناء جدار الفصل والضم. كما ادت قلة الاراضي المخطط لها الى قلة فرص السكن، وارتفاعا كبيرا في الاسعار ادى الى هروب السكان نحو الأطراف، مما يسهل الهدف الاسرائيلي الديمغرافي بتقليص عدد المقدسيين هناك.
هذه السياسات وغيرها مهدت الطريق أمام السلطات الإسرائيلية نحو فرض سيادتها على الحرم الشريف، والصخرة الوحيدة التي تفشل هذه المخططات والسياسات حتى اليوم هي الوجود المقدسي الذي يبلغ الان نحو 270 الف نسمة ويتوقع أن يشكلوا 40% من مجمل سكان مدينة القدس مع حلول عام 2020.
إن الوجود الفلسطيني في القدس هو راسمال المؤسسة الفلسطينية والعربية على حد سواء، والمطلوب اليوم وقف النزيف والضمور الذي يتعرضون له من خلال مجموعة من برامج التنمية الاقتصادية من جهة، و مأسسة الحضور السياسي الفلسطيني من خلال خلق مراكز سياسية فلسطينية من جهة اخرى كالذي مثله بيت الشرق بقيادة الشهيد فيصل الحسيني، وإحياء الحياة الثقافية والفكرية، فقليل من الصراخ وكثير من الفعل وحده ما يحمي القدس وسيادتنا عليها.