منذ البدايات الأولى لنشوء الحركة الصهيونية العالمية عكف حكمائها وجهابذتها على وضع البرتوكولات الخاصة إزاء الرؤية الصهيونية الكاملة تجاه الوطن العربي وفي القلب منه فلسطين والمسجد الأقصى المبارك قبلة المسلمين الأولى وثالث الحرمين الشريفين,ووضعوا نصب أعينهم إقامة الوطن القومي الخاص باليهود في فلسطين والسيطرة التامة على كل ثروات ومقدرات المنطقة العربية الممتدة بين النيل غرباً والفرات شرقاً, في محاولة محمومة لاستغلال الوازع الديني والاستناد لروايات توراتية زائفة وكاذبة تهدف إلى تضليل يهود العالم وجذبهم لفكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين ,وتمرير فرية جبل الهيكل مكان الأقصى المبارك.
وبعد مرور خمسين عاماً فقط على صياغة برتوكولات حكماء صهيون ومؤتمرهم الأول في بازل, تمكنت الحركة الصهيونية وبمساندة دول الاستعمار الكبرى من تحقيق الجزء الأكبر من أهدافها المتمثلة بإعلان قيام دولة الوطن القومي في فلسطين عام 48م على حساب السكان العرب الأصليين, الذين ذبحوا وشردوا من ديارهم وبلداتهم ,ومنذ ذلك التاريخ المأساوي (النكبة) بدأت الحركة الصهيونية في التفكير ملياً بتحقيق بقية أهدافها ومشروعها الكولونيالي الاحلالي , وعنوانه الكبير تهويد الأرض العربية الفلسطينية وكل مقدسات العرب والمسلمين فيها ,والسيطرة على مقدرات وثروات الأمة العربية والحؤول دون نهوضها وتقدمها وتحررها.
يتضح مما تقدم أن موضوع المسجد الأقصى ومسألة هدمه وإقامة هيكلهم المزعوم مكانه باتت تشكل حجر الأساس في العقل الصهيوني المريض ومسألة وقت ,حيث باشرت الحركة الصهيونية ومنذ السنين الأول لاحتلال القدس والضفة الغربية ,بإحراق المسجد الأقصى في العام 1969م كخطوة تمهيدية تسبق هدمه,ولكن بسبب الموقف الدولي وموجة الإدانات العارمة تعثر المشروع وبقي يراوح مكانه في انتظار الفرصة الملائمة لتحقيق ذلك.
لقد بات مشروع السيطرة على القدس والأقصى المبارك ومسألة تهويدهما مشروعا يراود دهاة الساسة الصهاينة ليل نهار بانتظار الفرصة المواتية للانقضاض عليهما ,حتى ظنوا العثور على ضالتهم من خلال قطار التسوية السلمية الذي انطلق مباشرة بعد العدوان الثلاثيني على القطر العراقي الشقيق عام 1991م ,حيث استثمرت الحركة الصهيونية الاتفاق المرحلي المسمى (أوسلو) خير استثمار ,وضاعفت بوتيرة عالية من مشاريع الاستيطان والتهويد في القدس ومحيط الأقصى وأنحاء الضفة الغربية ,واستطاعت خلال عشرون عاماً فقط من عمر مسيرة التسوية السلمية, قلب المعادلة الديمغرافية في القدس تحديداً لصالح اليهود وحولت الغالبية العربية فيها إلى مجرد أقلية في الفترة الزمنية الوجيزة التي تحدثنا عنها في السياق .
وراحت سلطات الاحتلال الصهيوني في الآونة الأخيرة تتصرف بشكل مجنون ومحموم ,في سباق مع الزمن ,كي تنفذ ما بقي من مخططاتها الخبيثة بشأن الأقصى والقدس ,ومحاولات فرض رواياتها الزائفة كأمر واقع على الأرض ,وتمريرها على العالم ,معتقدة أن ضعف الأمة العربية وانشغالها بأزماتها الراهنة ,يُمكّنها من تنفيذ كل مخططاتها الخاصة بالقدس ومسألة هدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه, أو على الأقل تقسيمه مكانيا وزمانيا كخطوة مرحلية كما حصل في الحرم الإبراهيمي .
أيها العرب .. أيها المسلمين..الأقصى قبلتكم الأولى وثالث الحرمين الشريفين يتعرض هذه الأثناء لأكبر خطر وتهديد حقيقي لا ينفع معه الندم لاحقاً ..أنتم اليوم مطالبين جميعاً للوقوف عند مسؤولياتكم الوطنية والقومية وأداء واجبكم الديني والإنساني تجاه قبلتكم الأولى ومسجدكم المقدس وما حوله هذا.. تعالوا نقفز على الجراح ,ونتعالى عن صغائر الأمور ,ونضع جانباً كل مختلف فيه ..تعالوا ننتصر للأقصى المبارك الذي يوحدنا ويجمع كلمتنا ..الأقصى ينادينا ويناديكم ويستصرخ ما بقي من كرامتنا وكرامتكم ..لنسخر كل طاقاتنا وجهودنا في سبيل الأقصى ..ولتخرج المسيرات المليونية وتجوب عواصم كل العالم وكل مدن فلسطين والعالم العربي تنديداً بالعدوان الصهيوني الغاشم على الأقصى المبارك ,ومنعا لتنفيذ مخططات الاحتلال اللعينة بشأن القدس والأقصى.