ترى مؤسسة الدراسات والأبحاث العالمية جارتنر أن الضجة الكبيرة التي أحدثتها تقنيات الذكاء الاصطناعي AI والاهتمام البالغ بها، يدفع بشركات تصنيع البرمجيات باستمرار إلى تعزيز دور الذكاء الاصطناعي وممارساته ضمن الاستراتيجيات الخاصة بمنتجاتها مما يؤدي إلى زيادة حماس هذه الشركات وبالتالي المزيد من الارتباك والقضايا المتعلقة.
ويتوقع المحللون في جارتنر أن تنتشر تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير وأن يتم استخدامها في كافة المنتجات والبرمجيات القادمة تقريبًا.
وأشارت المؤسسة إلى أن مصطلح الذكاء الاصطناعي لم يكن ضمن أكثر 100 مصطلح يتم البحث عنه على موقعها في شهر كانون الثاني/يناير من عام 2016، ولكن بحلول شهر أيار/مايو 2017، احتل هذا المصطلح المرتبة السابعة، مما يدل على زيادة شعبية علم الذكاء الاصطناعي واهتمام عملاء جارتنر في فهم أفضل الطرق التي يمكن من خلالها توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن استراتيجياتهم الخاصة بقطاع الأعمال الرقمي. وتتوقع مؤسسة جارتنر أن يصبح الذكاء الاصطناعي ضمن أهم 5 أولويات للاستثمار بالنسبة لأكثر من 30% من مدراء تقنية المعلومات بحلول عام 2020.
وفي هذا السياق قال جيم هاري، نائب رئيس الأبحاث لدى جارتنر: “في الوقت الذي تزيد فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي من دورة التهويل أو الـ Hype Cycle، تتطلع العديد من شركات البرمجيات إلى الحصول على حصصهم من هذه التقنيات التي لاقت رواجًا لافتًا للغاية خلال السنوات الأخيرة. وتوفر تقنيات الذكاء الاصطناعي إمكانات ضخمة للغاية، لكن للأسف تركز معظم شركات التصنيع على تسويق منتجاتها القائمة على الذكاء الاصطناعي كهدف رئيسي، بدلًا من تركيزها في المرتبة الأولى على احتياجات العملاء وحجم الإمكانات والقيمة التي يمكنهم الحصول عليها عند استخدامهم لهذه المنتجات”.
ويشير مصطلح الذكاء الاصطناعي إلى تلك الأنظمة الذكية التي يمكنها تغيير سلوكياتها من دون أن يتم برمجتها بشكل مباشر وذلك من خلال اعتمادها على البيانات التي يتم جمعها وتحليل عمليات الاستخدام وغيرها الكثير من الملاحظات التي يتم تسجيلها والتعلم منها.
ومع ظهور مخاوف كبيرة من أن تحل تقنيات الذكاء الاصطناعي وممارساتها محل القوى العاملة البشرية، باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي والآلات ذاتية التعلم تقوم فعلًا بالكثير من المهام ومن المتوقع أن تتفوق قدرات هذه التقنيات والأنظمة الذكية على قدرات الإنسان إلى حد كبير. وفي الواقع، يمكن للآلات القيام ببعض المهام بشكل أفضل وأسرع من البشر، وإذا ما قمنا ببرمجة الآلات وتدريبها بشكل مناسب يمكننا الحصول على نتائج مبهرة وإنجازات كبيرة من خلال التعاون بين البشر والآلات مقارنة بما يمكن لهذه الآلات تحقيقه بشكل مستقل.
ومن أجل استغلال الفرص التي تتيحها تقنيات الذكاء الاصطناعي، على شركات تزويد تقنية المعلومات فهم طريقة الاستجابة لثلاثة قضايا رئيسية وهي:
1- عدم قدرة الشركات التي ترغب في تقديم تقنيات الذكاء الاصطناعي على تمييز حلولها وتفردها تؤدي إلى حالة من الإرباك وتأخير في قرارات الشراء من قبل الشركات المستهلكة لهذه التقنيات: أعداد الشركات الناشئة الكبير وشركات التصنيع التي تدعي توفير منتجات الذكاء الاصطناعي من دون أي قدرة حقيقية على التفرّد، تؤدي إلى حالات إرباك بالنسبة للشركات المستهلكة. فأكثر من 1000 شركة مصنعة للبرمجيات والمنصات تدعي أنها شركات موردة لتقنيات الذكاء الاصطناعي أو أنها تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في منتجاتها.
وعلى غرار ظاهرة “الغسل الأخضر” والتي تبالغ وفقها الشركات في مدى ملائمة منتجاتها وأعمالها للبيئة وذلك بهدف تحقيق أرباح تجارية أكبر، فإن ظاهرة “غسل الذكاء الاصطناعي” وممارساتها باتت منتشرة بين العديد من شركات تصنيع تقنية المعلومات التي تقدم الوعود الفارغة من خلال إضافة تسميات الذكاء الاصطناعي لمنتجاتها بشكل عشوائي للغاية، وذلك وفقًا لمؤسسة الدراسات والأبحاث جارتنر. ويؤدي هذا الاستخدام الواسع لظاهرة “غسل الذكاء الاصطناعي” إلى عواقب حقيقية تسبب تراجعًا في معدلات الاستثمار في هذه التقنية المتطورة.
وعلى شركات التصنيع الراغبة في تعزيز أواصر الثقة مع المؤسسات المستهلكة أن تركز على بناء مجموعة من دراسات الحالة مع تقديم نتائج قابلة للقياس يمكن تحقيقها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. وفي معرض تعليقه على ذلك قال هاري: “يجب على الشركات استخدام مصطلح الذكاء الاصطناعي بحكمة كبيرة ضمن موادها التسويقية ومبيعاتها. ويجب على أصحاب الشركات التركيز على ما يميز شركاتهم بوضوح عن باقي الشركات ضمن ميدان الذكاء الاصطناعي وما يمكن لتقنيات شركاتهم أن تقدم من حلول لمشكلات القطاع”.
2- قدرات التعلم الآلي الأقل تعقيدًا والتي أثبتت فعاليتها يمكنها أن تعالج العديد من احتياجات المستخدمين النهائيين: باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة والمعقدة مثل “التعلّم العميق” تستخدم كمصطلحات رنانة واسعة الانتشار لكنها تخفي في ذات الوقت القيمة الحقيقية لمناهج أكثر وضوحًا ومثبتة الفعالية. توصي مؤسسة جارتنر أن تستخدم الشركات النهج الأكثر بساطة بدلًا من الاعتماد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي وأكثرها تعقيدًا.
3- افتقار الشركات إلى مهارات تقييم وبناء ونشر حلول الذكاء الاصطناعي: فقد أشار أكثر من نصف المشاركين في استبيان مؤسسة جارتنر الخاص بتطورات استراتيجيات الذكاء الاصطناعي 2017 إلى أن الافتقار إلى مهارات الموظفين شكل التحدي الأكبر بالنسبة لهم فيما يخص اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في شركاتهم.
كما خلُص الاستبيان إلى أن الشركات تسعى حاليًا إلى الحصول على حلول الذكاء الاصطناعي التي تساعد على تعزيز قدرات اتخاذ القرار وتطور من عمليات الأتمتة أيضًا. وإذا ما أتيحت لهم الفرصة، فإن معظم أصحاب الشركات يفضلون شراء حلول الذكاء الاصطناعي الجاهزة بدلًا من محاولة بناء حُزم الحلول التي تناسبهم بشكل خاص.
وفي هذا السياق قال هاري: “يتعين على شركات تصنيع البرمجيات التركيز على توفير حلول للقضايا والمشكلات التي يواجهها قطاع الأعمال بدلًا من سعيها إلى توفير أفضل التقنيات وأكثرها تطورًا. كما يجب تسليط الضوء على حلول الذكاء الاصطناعي التي تساعد على معالجة مشكلات نقص المهارات وكيفة استخدامها لإضافة القيمة بشكل أسرع من مجرد بناء حلول الذكاء الاصطناعي المخصصة واستخدامها داخل الشركات”.