هل هو رجل شرير أم خيِّر؟ إنه يزعم أن هدفه القضاء على صناعة القمار في العالم، ولكنه سيربح بالإضافة لذلك بضع مئات من ملايين الدولارات.
إنه يدعى أليكس، ولا يُعرف إضافة إلى هذا الاسم الذي قد يكون مزيفاً سوى القليل عنه، منها أنه مبرمج وعالم رياضيات روسي.
في أواخر الخريف الماضي، قرَّر أليكس أنَّه اكتفى من إدارة شركته التي أسَّسها منذ 8 سنواتٍ. ومع أنَّ شركته الواقعة بمدينة سان بطرسبورغ كانت تزدهر، كان قد ملَّ من التعامل مع صداع أجور العاملين، والتوظيف، والإدارة. وتاق للأيام التي استطاع فيها أن يكرّس نفسه كلياً للتلاعب بالكود، شغفه الرئيسي. لقد جاء الوقت لتنفيذ استراتيجية للخروج، حسب ما ورد في تقرير لموقع Wired الأميركي.
لكن لم يكن بمقدور أليكس أن يأخذ ماله وينصرف كما لو كان يمتلك شركة ناشئة عادية، إذ تعمل شركته في مجالٍ ضبابي من الناحية القانونية. فقد بُني المشروع على موهبة أليكس في البرمجة العكسية للخوارزميات -والمعروفة باسم مُولِّدات الأرقام العشوائية الزائفة أو PRNGs- التي تُسيِّر سلوك ماكينات القمار.
وبامتلاكه تلك المعرفة، يمكنه توقُّع متى يُحتَمَل من ألعابٍ معيَّنة أن تجني المال، وهي خبرةٌ يشاركها أليكس مع جيشٍ من العملاء الجوَّالين الذين يقومون بدور العضلات لصالح الشركة.
يتجوَّل هؤلاء العملاء مارّين بالكازينوهات، بدءاً من بولندا حتى ماكاو بالصين، ووصولاً إلى بيرو، بحثاً عن ماكينات قمارٍ ليفكَّ أليكس شفرة الـPRNG التي تعمل بها.
ويستخدمون هواتفهم لتسجيل مقطع فيديو للماكينة المُستهدَفة وهي تعمل، ثم يرسلون المقطع إلى مكتبٍ بسان بطرسبورغ. وهناك، يحلِّل أليكس ومساعدوه الفيديو لتحديد متى ستتبدل كفة اللعبة لوقتٍ وجيز، وتصبح في صالح اللاعب وضد الكازينو.
ثم يرسلون بياناتِ الوقت المُحدَّد لتطبيقٍ مُطوَّر خصيصاً على هاتف العميل، وتؤدي هذه البيانات لاهتزاز الهاتف قبل جزءٍ من الثانية من الوقت الذي يجب على العميل فيه ضغط زر دوران الماكينة. وباستخدام هذه الإشارات الوقتية للكسب ضد ماكينات القمار في عدة كازينوهات، يمكن لفريقٍ قوامه 4 أشخاص جَني أكثر من 250 ألف دولار أسبوعياً، وفقاً لتقرير موقع Wired.
روبن هود يحلب ولا يسرق
يتخيَّل أليكس، الذي يُصرُّ على أنَّ الاختراق الذي ينفِّذه لا ينتهك القوانين الروسية، نفسه شبيهاً بروبن هود، بطل الرجل العادي في مواجهة تجارة الكازينوهات الجشعة.
ويقول أليكس في رسالة إلكترونية: "يزعم مصنِّعو الألعاب تلك أنَّهم يوفرون "ترفيهاً" للعامة، لكننا جميعاً نعلم طبيعة ذلك "الترفية" كفايةً ألا ننخدع بذلك. كل ما يفعلونه هم وأفعله أنا أيضاً هو تحريك الأموال.
وظيفتهم هم أن يساعدوا الكازينوهات في أخذ المال من العامة، وعَمَلي أنا أن أساعد نفسي والعامة في أخذ المال من الكازينوهات. لست سوى ثقلٍ صغير يوازن ما يحدث في منظومة القمار العالمية، التي يفوز فيها الكازينو على الدوام.
لكنه يعلم أيضاً أنَّ "نظام الحَلب"، على حد وصفه، ذلك الذي يمارسه، يُعَد سلوكاً إجرامياً في عدة دول، ومن بينها الولايات المتحدة: ففي عام 2014، واجه أربعة من عملائه تهماً فيدرالية بالاحتيال، بعد اكتساح كازينوهات بولايات ميزوري، وإلينوي، وكاليفورنيا.
وبينما يظل عازماً على إيجاد طريقة لتحقيق ربح يوم عمل أخير قبل إغلاق مشروعه، تواصل أليكس مع شركة Aristocrat Leisure، وهي شركة أسترالية مصنَّعة لماكينات القمار، وكانت منتجاتها الضعيفة أهدافاً رئيسية له. وفي رسالةٍ إلكترونية أرسلها، في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، 2016، إلى تريسي إلكيرتون، وهي مديرة الالتزام بمعايير الجودة التنظيمية وجودة المنتجات عالمياً بالشركة، عَرَضَ أليكس أن يوجِّه عملاءه بـ"إلغاء عملياتهم التي تستهدف ماكينات القمار من إنتاج شركة Aristocrat، وهذا سيوقف المخاطرة بعلامتكم التجارية"، وعَرَضَ أيضاً: "ومساعدة مطوِّريكم للقضاء على كل عيوب تصميم الماكينات".
وألمَحَ أليكس أيضاً إلى أنَّ شركة Aristocrat قد تواجه تبعاتٍ خطيرة إذا ما قرَّرَت تجاهله. وحذَّرَهم قائلاً: "قد يتَّخذ الوضع منحنى أسوأ إذا ما أصبحت تفاصيل شركتكم التقنية متاحة لمنافسيكم، أو إنَّ شاركها أحدهم عبر الإنترنت، أو وسائل الإعلام".
وحتى يؤكِّد لهم ضرورة أخذ كلامه على محمل الجد، أنهى أليكس رسالته الإلكترونية بدليلٍ على براعته التقنية: شرح رياضيّ مُفصَّل للخوارزمية السوية لتوليد الأرقام العشوائية الزائفة، التي تُسيِّر ألعاباً تابعة لشركة Aristocrat مثل 50 Lions وHeart of Gold.
وردَّت تريسي، في اضطرابٍ واضح سبَّبَه مضمون النهج الذي تحدَّث به أليكس، مُقتَرِحةً أن يلتقي الاثنان على أرضٍ محايدة في الولايات المتحدة، وقالت في ردِّها على الرسالة الإلكترونية: "إذا جرى ترتيب اجتماعٍ بيننا وبينك، فإنَّ هدفنا في ذلك سيكون أن نفهم الأسلوب الذي طوَّرته، والذي يُستَخدَم الآن في عدة دول لكسب مالٍ أكثر من المُتوقَّع من ماكينات قمارٍ معينة تابعة لـAristocrat".
وبالطبع، لم يكن أليكس ليوافق على لقاءٍ كهذا؛ إذ إنَّ دخوله أرض الولايات المتحدة قد يعني مخاطرته بالتعرُّض للاعتقال. ومن هنا، وفي إثر شعوره بالإحباط مما رأى فيه مماطلةً من جانب Aristocrat، قرَّرَ أليكس أن يجعل تريسي تعي تماماً قدر الفوضى التي قد يجلبها على شركتها.