نابلس: تقرير سجى الحفناوي- اصداء
بينت دراسة اجراها الباحث سليمان الوعري بعنوان (هدم البيوت والمنشآت الفلسطينية) التابعة لمركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق ،ان اثار هدم البيوت لا تقتصر على الاضرار المادية فقط ، بل تتعداه الى أضرار نفسية وإجتماعية خطيرة ،فورية وبعيدة الامد ، على الاطفال والنساء في المجتمع الفلسطيني .
واظهرت الدراسة ان هدم البيت سيشعر الطفل بفقدان الامن والامان وبالاستهداف الشخصي والملاحقة الشخصية له ولذويه ، ولا يستطيع احد توفير الحماية والامن له ، وهذا بحد ذاته يجعل النتائج المتوقعة لديه شديدة في ظل تعرضه للاستهداف ، فإذا كان البعض يشعر بالخوف خارج البيت بسبب امكانية التعرض للسوء خارجه ،فإن فقدان الامن داخل البيت ، جعل الوضع فبه غير آمن للطفل ،وإن كان بعض الاطفال يشعرون بالأمن في ظل وجود الآباء وحماية الكبار لهم .
وأضاف الوعري متسائلا عن ما الذي يحدث حينما يتم اقتحام الجيش للمنازل ويقوم بهدمها ؟ مجيبا بانه يحدث شعور بالضياع لدى الطفل وضياع الامن والطمأنينة للطفل أولا ثم انتهاك المكان الخاص به وبأسرته والذي يشعر فيه بالامان والذي يشعر فيه بالامان ، وتتفافم الامور سوءا حينما لا يستطيع رمز الامن والامان توفير ذلك له امام سلطة الجيش القهرية الذي انتهك حرمة البيت وقام بتدميره .
ولخص المشاكل التي يعانيها الطفل نتيجة هدم البيوت اولا بالانحراف ، حيث يميل الطفل الي مصاحبة مثيري الشغب وأصحاب المشاكل ،باعتبارهم رمزا للقوة والبطش ، وثانيا السلوك العنيف من خلال اثارة المشاكل وتدمير الممتلكات العامة وكأنها ردة فعل سلبية لتدمير بيته الذي يمثل خصوصيته الذاتية ، وثالثا صعوبات الانتباه وتتمثل بفقدان التركيز واختلاط الامور عليهم بشكل سريع وكانهم مازالوا في مشهد الهدم واقتحام الجنود للبيت وضرب الوالد ،فهم مازالوا يعيشون هذا المشهد وجدانيا وعقليا .
ونوه الوعري ان هذا ينعكس على تحصيلهم الدراسي ، اضافة الى الانسحاب ،فالبقاء معظم الوقت وحدهم او هادئين بوجود الاخرين وهذا يعبر عن فقدان الامن بالمحيط الذي يعيشون فيه ، والمشاكل الاجتماعية ،حيث ان عدم القدرة على تكوين علاقات مع اقرانه وزيادة التعلق بالبالغين الاكبر سنا بحثا عن الامن ،والاوهام،وهذا يتمثل بالوسواس القهري وافكار توهمية لدرجة اختلاق قصص لم تحصل بالواقع ، والقلق والاكتئاب ، مثل الخوف والبكاء والعصبية والشعور بالذنب لانه لم يستطع الدفاع عن بيئته وعن والديه ، اخيرا الاعراض الجسمية، مثل الدوار واوجاع الرأس والصدر وصعوبات في التنفس دون معرفة السبب المباشر.
اما اثر هدم البيوت على المرأة الفلسطينية فقد اوضح الوعري أن الاحتلال لا يستبعد المرأة الفلسطينية من دوائر استهدافه ، كونه يدرك أن المرأة عامة هي ركيزة المؤسسة الاسرية ، وأن لها دورا فاعلا مثبتا على مر السنين في النضال ضد الاحتلال ،وأن لم يكن ذلك النضال برفع السلاح ،فهو يتمثل بالتربية على أسس ثابتة ترفض الاحتلال وتربي جيلا جديدا من المقاومين له ،وانطلاقا من إدراك سلطات الاحتلال لاهمية دور المرأة الفلسطينية بترسيخ الثوابت الوطنية في نفوس الاجيال ، يستهدفها بانتهاكات تهدف لإغراقها بهموم حياتية يومية تثقل كاهلها وتمتص طاقتها .لذلك تعد سياسة هدم البيوت اعتداءً مباشرا على المرأة الفلسطينية ،بهدم حلمها وتتشتت اسرتها ،وتوقع على عاتقها عبئا جديدا وتؤدي الى زيادة العبء الاقتصادي والنفسي على النساء الفلسطينيات ،والبيت يعتبر البيئة الحاضنة للاسرة والفضاء الآمن ،الذي تعتبر الام فيه العامل الأكثر فعالية لتربية الابناء والحفاظ على تماسك الاسرة .
وختم الوعري دراسته بأن معاناة النساء لا تتوقف على ما شهدته من أعمال قتل وتدمير وفقدان المعيل والابناء وتعرضهن لاعتداءات عنيفة ،ومن ثم مأساة التهجير القسري ، عندما يجبرن عبى اخلاء بيوتهن ،فقد تمتد لفترات طويلة خاصة عندما تفقد النساء المأوى وتجبر على تحمل مسؤولية ترميم حياة الاسرة من جديد ،في ظل فقدان المأوى والمقتنيات المنزلية التي تضطر للاستعاضة عنها بأدوات بدائية تضاعف من معاناتها ،وربما شعورها بالعجز وثقل المسؤولية . ويضاف الى هذا انعدام الشعور بالخصوصية والراحة في الحالات التي تأوي فيها المرأة مع اولادها لمساكن الاقرباء الذين عادة لا يملكون مكانا كافيا لايواء عائلة اخرى ؛ مما يسبب ازعاجا وضيقا نفسيا لهذه الاسر ،كما أن للمرأة نفسها فأنه يؤثر على تماسكها وقدرتها على تقديم الدعم المعنوي والنفسي لزوجها وابنائها بعد فقدان المسكن ، وتفقد استقلاليتها الاقتصادية وتضطر للبحث عن عمل بعد هدم البيت ،كم ان نسبة المشاكل الزوجية ترتفع بعد هدم المنازل بسبب الاوضاع النفسية السيئة ، وضيق الاوضاع الاقتصادية ،بحيث يلجأ احد الزوجين للهروب من الواقع الجديد نتيحة الشعور بالعجز.
وشددت على اهمية ان تتضافر الجهود رسميا وشعبيا مع جميع مؤسسات العمل الوطني وفصائله ؛من أجل نشر ثقافة التصدي لظاهرة هدم المنازل ،بكافة الوسائل المشروعة وفضح تعرية ممارسات الاحتلال العنصرية امام العالم حتى ينال شعبنا الحرية والاستقلال .