الناصرة / غزة (فلسطين) - خدمة قدس برس
استقالة المنسق الخاص بشؤون الأسرى والمفقودين الإسرائيليين، ليئور لوتان، بظلالها على الرأي العام الاسرائيلي، الذي اتهم الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بالتقاعس في استعادة الجنود من غزة.
وقدّم لوتان، استقالته، الخميس الماضي، من مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، في أعقاب جلسة عقدها مع نتنياهو، بعد ثلاث سنوات قضاها في هذه الوظيفة، وكان يفترض أن يستمر في عمله.
وانشغل الإعلام الإسرائيلي بهذا الطلب في حين كانت هناك ردود فعل غاضبة من قبل الشخصيات الإسرائيلية وكذلك أهالي الجنود الإسرائيليين المحتجزين في عزة، تجاه نتنياهو واتهموه بإفشاله.
وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، اليوم السبت، أنه وبعد ثلاث سنوات من تسلم هذا الملف وجد لوتان نفسه أنه غير قادر على فعل شيء فيه، فقرر طلب الإعفاء مبررا ذلك القول: "لقد اتضح لي على مدار ثلاث سنوات سابقة وحشية وقسوة حركة حماس في التعامل معنا في قضية الجنود المحتجزين لديها"، في حين أكج نتنياهو أنهم "سيتمرون في العمل بأي وسيلة لإعادة أسرى الحرب المفقودين".
ونسبت صحفية، لمسئولين في مكتب نتنياهو القول أن "لوتان قرر الاستقالة بعد جمود الاتصالات في الفترة الأخيرة مع حماس، وأن المناورات السياسية من طرف الحكومة الإسرائيلية والمفاوضات محدودة للغاية".
وأشاروا إلى أنه منذ تعيين لوتان في منصبه قبل ثلاث سنوات، ناقش مع العشرات من المسؤولين ملف الأسرى العالقين في غزة، إلا أن سياسيات نتنياهو المتعنتة بخصوص هذا الملف منعت من إحراز تقدم أو حدوث أي جديد مما أصاب هذا الملف بالجمود، بحسب الصحيفة.
وفي السياق ذاته، قال الصحفي الإسرائيلي ألموغ بوكر، من القناة العاشر في التلفاز الإسرائيلي أن "لوتان شعر أن الحكومة تماطل وتسوف ولم تسمح له بإجراء حوار حقيقي حول هذا الملف".
وأضاف: أن "حديث ليبرمان قبل عام عن عدم موافقته عقد صفقة تبادل مع حماس هو السبب الرئيسي لاستقالة مسؤول ملف التفاوض ليؤر لوتان".
أما والد الضابط الإسرائيلي هدار الأسير في غزة، سمحا غولدن، فقال: "لوتان تلقى رصاصة في الظهر من قبل نتنياهو ولم يدعمه في إنضاج الملف".
وأضاف، في تصريحات نشرتها وسائل اعلام عبرية، "نشعر بأنه تم التخلي عنا من قبل الحكومة وهذا ليس غريبا في ظل الجمود وعدم الاهتمام الذي تمارسه الحكومة بهذا الملف طيلة الفترات السابقة, وفي نفس الوقت نشكر ليؤر لوتانعلى ما بذله من جهد في القضية".
وتابع: "استقالة ليؤر لوتان بمثابة دليل قوي حول عجز رئيس الوزراء ووزير الدفاع في محاولات استعادة الجنود الأسرى لدى حماس بغزة".
من جهتها طالبت والدة الجندي شاؤل أرون، الحكومة بالإسراع بتعيين ممثلاً آخراً، مشيرة في الوقت نفسه أنه "إذا ما تأخر التعيين فسيَثْبُت لنا أن قضية الأسرى ليس على سلم أولوياتها".
ومن جهته اعتبر وزير الأمن الإسرائيلي السابق موشيه يعلون استقالة لوتان بأنها "مقلقه"، مطالبا الحكومة الإسرائيلية التزام الأخلاقي لإعادة قتلى الجيش الإسرائيلي ودفنهم في موطنهم، الالتزام تجاه إعادة المواطنين الإسرائيليين المخطوفين.
على الجانب الفلسطيني
من جهته، اعتبر محمود مرداوي الخبير في الشأن الإسرائيلي والأسير المحرر في صفقة شاليط، أن غياب قرار سياسي من حكومة نتنياهو لإعادة الجنود بأي وسيلة ولا سيما التفاوض عبر صفقة تبادل هو أهم الأسباب لطلب لوتان إعفائه من منصبه.
وقال مرداوي لـ "قدس برس": "لقد عجز لوتان عن إحداث أي انطلاقة في ملف الأسرى ما لم تغير حكومة اليمين المتطرف سياستها المتبعة بتأثير من واقع تركيبتها وتوليفتها اليمينية الدينية المتطرفة، الأمر الذي جعل نتنياهو مرتاحاً لإدارة هذا الملف بهذا الشكل وهذه الوتيرة، كما أن أهل الجنود الصهاينة وتقاعسهم عن تبني قضية أبنائهم أثر على تضامن الجمهور الصهيوني واشتراكه في الفعاليات المتعلقة بجهود استعادتهم".
وأضاف: "أن غياب صورة للجنود أو معلومة تؤكد مصيرهم من قبل كتائب القسام جعلت الإعلام الصهيوني الذي يملك الإرادة والرغبة للضغط على نتنياهو جعلته منكفئاً غير آبه بالملف كما كان متحمساً ولعب دوراً فاعلاً في ترويج قضية شاليط وجعلها على رأس سلم أولويات الجمهور الصهيوني."
وأشار مرداوي إلى أن بطء تحرك أهل الجنود المفقودين في غزة في إدارة حملة شعبية للضغط على الحكومة من خلال استمالة واستعطاف الجمهور وتزويد الإعلام بمادة لإثارة الملف، كانت احد الاسباب لهذه الاستقالة.
واعتبر أن غياب هامش مناورة لدى لوتان في ظل غياب القرار السياسي بإعادة الجنود قيّده ومنعه من أي مبادرة أو بحث عن قنوات وتقديم مبادرات تفتح آفاق وتختبر بدائل أخرى، وكذلك عدم استغلال قناة مصر لتحريك الملف وإحياء فرص مفاوضات غير مباشرة جدية مع حركة "حماس".
وأكد على أن ملف الأسرى هذا اكبر بكثير من ملف شاليط وذلك لوجود أمور غامضة بالنسبة للجنود، وتدخل الأمور ببعضها البعض حول وجود أحياء وأموات.
وأشار مرداوي إلى أن الحكومة الإسرائيلية استبدلت ثلاثة مسؤولين خلال خمس سنوات للتفاوض حوال شاليط ولكن ضمن تكتيكات واضحة كانت لدى المفاوضين وحينما يستنفذ المفاوض كل ما لديه من أدوات تكتيكية.
واعتبر الأسير المحرر عبد الناصر فروانة، المختص في شؤون الأسرى أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو هي من أفشلت مهمة لوتان، وهي من تتحمل أيضاً المسؤولية الكاملة عن استمرار احتجاز عدد من الإسرائيليين لدى حركة "حماس" في قطاع غزة.
وقال فروانة لـ"قدس برس":"لقد أثيرت العديد من المحادثات خلال الثلاث سنوات الماضية، وأن هذا الملف قد فتح مرات كثيرة مع جهات مختلفة، ولكن تعنت الحكومة الإسرائيلية وعدم جديتها في إغلاق الملف وإصرارها على رفضها الاستعداد لدفع استحقاقات استعادة جنودها في إطار التبادلية هو ما أدى إلى فشل لوتان وسيؤدي إلى فشل من سيخلفه في استعادة الأسرى والمفقودين المحتجزين في قطاع غزة".
وأشار إلى أن التعامل الإسرائيلي مع هذا الملف لم يكن جديا، في مقابل ان حركة حماس أبدت مراراً استعدادها لإغلاق هذا الملف ولكن في إطار "التبادلية" التي لا مفر منها وتلبية مطالبها المحقة في ظل المعطيات القاسية التي تحاكي واقع الأسرى.
وأوضح فروانة أن "السلوك الإسرائيلي الشاذ في التعامل مع الأسرى والمعتقلين وتصاعد الانتهاكات بحقهم، ورفض إطلاق سراحهم في إطار استحقاقات العملية السلمية، وكذلك رفضها إطلاق سراح من تحرروا في صفقة شاليط، عززت الشعور لدى الفلسطينيين بأن خيار أسر الجنود هو المجدي والقادر على كسر قيد الأسرى، وهو ما يدفع الفلسطينيين الى التمسك بمطالبهم المحقة".
وكانت "كتائب القسام"، الذراع العسكري لحركة "حماس" قد أعلنت في الثاني من نسيان/ أبريل 2016، أن في قبضتها أربعة من جنود الاحتلال، ونشرت أسماءهم وصورهم دون إعطاء المزيد من المعلومات.
وأكدت أن أي معلومات حول الجنود الأربعة "لن يحصل عليها الاحتلال إلا عبر دفع استحقاقات وأثمان واضحة قبل المفاوضات وبعدها"، مشيرة إلى عدم وجود أي مفاوضات بهذا الشأن.
وتمكنت المقاومة الفلسطينية في تشرين أول/ أكتوبر 2011 من الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد مفاوضات غير مباشرة مع دولة الاحتلال برعاية مصرية استمرت خمس سنوات متواصلة، مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط الذي تم أسره في صيف 2006.