الرئيسية / مقالات
صف الدحيّة.. بقلم رامي مهداوي
تاريخ النشر: السبت 23/09/2017 07:15
صف الدحيّة.. بقلم رامي مهداوي
صف الدحيّة.. بقلم رامي مهداوي

الفن البدوي الأصيل المعروف باسم الدحية ينتشر مثل النار في الهشيم، معيداً التراث الثقافي بأشعار وأداء وموسيقى جديدة، حيث باتت الدحية مطلباً أساسياً في حفلات الأعراس والمناسبات السعيدة المختلفة من احتفالات وطنية مروراً بحفلة عيد الميلاد. ما جعلنا نسمع صدى أغاني الدحية بصوت مرتفع في كل مكان، وبأغلب شوارع المدن الفلسطينية تستمع لها إمّا من خلال المحلات التجارية المتنوعة أو السيارات، وأيضاً كنغمات للهواتف النّقالة.
عند استماعك للدحية ستجد نفسك منسجما معها بشكل سريع وتُدندن حتى ولو لم تفهم الكلمات، والجميل في الأمر أنه في الأعراس والحفلات لمجرد أن تسمع الدحية يبدأ الشباب بالثوران والانتفاض كأنهم منتصرون بعد معركة، وهذا هو تاريخ الدحية، حيث كانت تغنى قبل المعارك والغزوات كعملية شحن المقاتلين وتشجيعهم، أو بعد المعارك ابتهاجاً بالنصر ليتم وصف المعركة والبطولات من خلال الدحية.


وفي واقعنا الحالي؛ أجد بأن أغاني الدحية انتقلت إلى أبعد من كونها فناً وتراثاً بدوياً، حيث أصبحت أداة يتم اسقاطها على حياتنا _السياسية والاقتصادية والاجتماعية_ وتفرعاتها من أجل تحقيق الهدف المراد الوصول له بأسرع الطرق وأسلسها وأقل تكلفة، فقط ما عليك عمله أن تتقن الدحية بما يتلاءم مع ما تريد تحقيقه، مع ضمان عدم وجود منافس أقوى منك في أداء الدحية.
وبما أن أداء الدحية يعتمد على الكلمات والتصفيق_التسحيج_ وهز الرأس، تم ترجمة ذلك في العالم الافتراضي بواسطة وسائل الاتصال الاجتماعي، ما أدى الى نقل الدحية لمستوى مختلف من خلال التسحيج بكلمات المديح التي وصلت عند البعض التعظيم والتمجيد أو/و هجاء من يجب قذفه وتدمير صورته من أجل تحقيق المكاسب التي يسعى لها.
أغلب السياسيين من جميع الألوان، الاقتصاديون، "المثقفون"، أصحاب النفوذ بشكل عام لهم جماعاتهم الذين تم تجنيدهم من أجل أداء الدحية بناءً على احتياجات مختلفة، وهناك من يقوم بالدحية تطوعاً لغايات الوصول الى ما يطمح الوصول له كما ذكرت سابقاً!!
هذا التجييش من أجل أداء الدحية، جعلنا نشاهد الفرق المختلفة متنوعة الأداء على سبيل المثال لا الحصر: دحية المصالحة، دحية الحركات والفصائل، دحية تمجيد الشركة، دحية المعالي وأصحاب السيادة، دحية تجّار الوطنية، دحية الدفاع عن الفاسد، دحية الإسلام السياسي، دحية الخطابات، دحية زراعة الأوهام، دحية الحفاظ على التابوهات، دحية التغني بالماضي، دحية تكفير المعارضين، دحية أشباه المثقفين.
والمضحك بالأمر أن هناك من يريدون إثبات قدراتهم الأدائية الخاصة بالدحية في جميع المجالات السابقة، لتكون النتيجة مسلسلا من الهزائم والإخفاقات، ومع ذلك لا يعاقب أو حتى يوبخ؛ بل على العكس تماماً يتم مكافأته من أجل أن يكون مستعدا بحماسة عالية لأداء الدحية بالزمان والمكان المطلوب منه.


 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017