بدون أدنى شك، نجحت حركة حماس بإرسال رسالة واحدة للمجتمع الفلسطيني والعربي والأجنبي بصيغ مختلفة تتمحور بأن «حماس» ستقدم/ وتقدم كل ما لديها من أجل إتمام المصالحة وتمكين وإنجاح وتسهيل عمل حكومة «الوفاق الوطني» من أجل القيام بمهامها ومسؤوليتها اتجاه قطاع غزة.
هذا المقال مبني على عملية رصد و»تحليل المضمون» لتصريحات حركة حماس حول موضوع المصالحة، من خلال المتابعة اليومية لوسائل الإعلام الحديثة والتقليدية، قمت بها في الفترة الواقعة ما بين 28 أيلول و5 تشرين الأول.
ادعائي هنا بأن الماكينة الإعلامية لحركة حماس قامت بجدارة بخلق رأي عام حيوي ومساند لها ضمن الأطروحة التالية: «حماس» قدمت كل ما يمكن تقديمه من أجل إنجاح المصالحة، والآن المسؤولية هي مسؤولية الحكومة في تحمل مسؤوليتها الكاملة بكافة مناحي حياة
القطاع.
واستطاعت الماكينة الإعلامية محو شريط الانقلاب وكأن شيئا لم يكن؛ دون أن تتحمل «حماس» نتائج سنوات الانقسام، بل على العكس كلياً، قامت بوضع كافة القضايا المتدهورة من الصحة والتعليم والاقتصاد والمياه والكهرباء بيد الحكومة، مطالبة منها أن تتحمل مسؤوليتها!!
سأضع هنا عددا من المشاهدات والأدوات التي خدمت رؤية «حماس» التكتيكية المتمثلة بأن يدها ممدودة للمصالحة، والإستراتيجية المتمثلة في حال فشلت المصالحة بتحميل المسؤولية الكاملة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح».
ما هدد به قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار بـ»كسر عنق كل من لا يريد المصالحة، سواء كان من (حماس) أو غيرها». وما أضافه خلال لقاء عقده مع عشرات من النشطاء في غزة، بتقديم «تنازلات كبيرة جداً» لإنجاح المصالحة، زاد من شعبيته ومن شعبية «حماس» لدرجة أن الكثير من أبناء حركة فتح تغنوا به من خلال وسائل الإعلام الحديثة.
ضخ العديد من التصريحات المتنوعة ــــ لكن بمضمون رسالة واحدة ـــ من قبل قيادات صف أول في حركة حماس والمتحدثين الإعلاميين التابعين لها بشكل يومي؛ خلق انطباعا لدى المواطن بأن «حماس» قامت بما يجب أن تقوم به من خطوات بطريق المصالحة، وخير مثال على ذلك كثافة كمية الرسائل الإخبارية التي استقبلها المواطن عبر الهواتف النقالة من خلال مواقع إخبارية مستقلة كانت النسبة الأكبر بشكل يومي لحركة حماس، هذا ما يسمى تكثيف الرسالة الإعلامية من أجل خلق إيمان بالمضمون.
ذلك الضخ الإعلامي المكثف لم يكن عشوائيا وإنما تم التسلسل به ضمن منهجية الثلاث خطوات وهي: قبل وصول الحكومة، أثناء وصولها وعند مغادرتها، وخير مثال على ذكاء التكتيك الإعلامي الحمساوي؛ هو التصريح الإعلامي الأخير لها قبل لحظات من مغادرة الحكومة للقطاع عائدة إلى رام الله المتمثل في «قطاع غزة ووزاراته اصبح تحت إدارة حكومة الوفاق».
ذلك كله لم يقابل من حركة فتح أو من الحكومة الفلسطينية بإستراتيجية إعلامية توضح المعطيات والأحداث المختلفة على أرض الواقع، وتم الاكتفاء بالأخبار الفردية والتقاط صور هنا وهناك!! دون أن يجيب أحد على أسئلة: هل قامت «حماس» بتسليم السلطة بشكل فعلي للسلطة؟ هل قامت «حماس» بإخلاء مؤسسات حركة فتح والسلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية وتسليمها بالشكل المتعارف عليه؟ هل قامت بتسليم شقق ومنازل أبناء حركة فتح لأصحابها؟ هل تم إطلاق سراح جميع المعتقليين من أبناء «فتح» المتواجدين في سجون «حماس»؟
في حال فشلت المصالحة لأي سبب كان، سيخرج أي عضو في حركة حماس يقول: بعد كل التضحيات التي قمنا بها لم تلتزم الحكومة بما عليها من التزامات، ولم تتقدم «فتح» خطوة واحدة باتجاهنا، اتجاه يدنا الممدودة للمصالحة، هذا التصريح سيكون الأقرب لقلب وعقل المواطن بعد هذا الأداء الإعلامي المُمنهج الناجح للحركة، ما سيجعل الحكومة و»فتح» الخاسرين دون أدنى شك!!