يحمل حاجي غلام مصطفى أعوامه السبعين على ظهره وعصاه بيمينه ويتجه إلى الجبل فجر كل يوم جديد لممارسة نشاطه المعتاد، كعضو في ناد لتسلق الجبال في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، المدينة الصديقة للبيئة.
وكان "نادي مرغلا للتسلق" يضم في بدايته مجموعة من الشيوخ وكبار السن فقط، حتى بدأ ينضم لهم الشباب واليافعون من عشاق هذه الرياضة الممتعة، التي تشكل الجبال الخضراء في باكستان أرضا خصبة لازدهارها.
يتذكر غلام مصطفى بداية حكايته مع تسلق الجبال قبل سنين عدة، وتحديدا بعد تقاعده من الخدمة حين كل يعمل في السلك القضائي، ولازمته آلام المفاصل وتشنجات الظهر لكثرة المكوث في المنزل.
وقال -وهو يداري لهاثه متأبطا عصاه- "ابتسمت حين عرض علي ولدي الفكرة آنذاك، وقلت له يا ولدي لا أريد أن أرش على الموت سكرا، لكنني أنا اليوم من يوقظه ليرافقني، وكثيرا ما يتخلف عني، لقد تغيرت حياتي كليا، هجرتني الآلام والتشنجات وضيق التنفس وتجدد شبابي بالكامل".
متنفس وملجأ
وتمثل هذه الجبال أيضا متنفسا للسيدات اللاتي لا يفضلن الذهاب إلى الأندية الرياضية لتخفيف الوزن، فيلجأن إلى الجبال الخضراء التي تحيط بمدينة إسلام آباد، التي تكسوها الغابات الطبيعية والأشجار الحرجية كالبلوط والسرو والصنوبر والمرجان والتين البري، وتعيش فيها أنواع كثيرة من الحيوانات الجميلة والنادرة، كالقردة والسنانير والغزلان والخنازير البرية.
كما تعشش فيها فصائل نادرة من الطيور المختلفة، في ما يشبه محمية طبيعية حتى لو لم تعلن كذلك، نتيجة عزوف الناس عن الصيد بحكم العرف الاجتماعي الذي يحترمه الجميع.
ولذا ترعى الحكومة هذا النشاط كرياضة شعبية لها كثير من العشاق، وقامت بتعبيد عدد من الطرق والمسارات الجبلية التي تمر بين الأشجار الكثيفة والصخور الكبيرة والعيون الباردة التي تمثل استراحات على طول الطريق الطويل والرحلة الشاقة، حيث يتحلق غلام مصطفى وفريقه لالتقاط أنفاسهم قبل متابعة الرحلة.
تسلق جبال مرغلا من أجمل ما يحمله معظم زوار إسلام آباد في ذاكرتهم، إذ لا تقتصر هذه السياحة البيئية على أبناء المدينة وحدهم، فهذا خواجة عبد الناصر -الذي يقارب عمر زميله غلام مصطفى- يتسلق المرتفعات والصخور الوعرة دون أن يستعين بعصا، أو تظهر عليه آثار التعب.
ويصطحب عبد الناصر معه زوجته التي تقاربه سناً، حيث قال للجزيرة نت مداعبا "أنا أصبغ لحيتي حتى أتخلص من نظرات الفضوليين وتعليقاتهم، ولكي أحافظ على هذه الحياة دون إثارة انتباه أحد، نحن من أبناء الجبال؛ فيها تربيتنا ولا نطيق العيش في سواها".
رياضة وهواء نظيف
ونفى عبد الناصر استخدام الأدوية رغم أنه كان يعاني من مرض السكر الذي استطاع تطويعه بالرياضة اليومية، وأردف قائلا "لماذا أحتاج الدواء وأنا أستنشق هواءً نظيفاً وأمارس رياضتي اليومية وأعاشر هذه المخلوقات البريئة وأشرب من مياه الينابيع الصافية التي هي في حد ذاتها استشفاء".
ولما سألناه عن خطر الحيوانات البرية أو الزواحف المنتشرة بكثرة في تلك المرتفعات، قلل من تلك المخاطر قائلا إن هذه الدروب مطروقة والحيوانات المؤذية تحترز منها فتمر عابرة، كما أن المسارات الجبلية كلها محروسة جيدا نظرا للعدد الكبير من الدبلوماسيين والأجانب الذين يمارسون هذه الرياضة.
وتنشر الجهات الحكومية عناصر من قوات الكوماندوز على طول الممرات للاستجابة في حالات الطوارئ، كما تقوم مجموعة من المتطوعين بالحفاظ على نظافة الغابة الجبلية لتبقى ذخراً للأجيال القادمة، كما قال حاجي شعيب خان الذي يقود فرقة من المتطوعين الذين يطلبون من الزوار بلطف عدم التدخين أو إشعال النار وإحصاء ما أخذوه من العلب الغذائية والمشروبات لإرجاع فوارغها إلى الحاويات المخصصة.
ويستدرك حاجي غلام مصطفى -الذي كان يعمل محاميا- أنه يقوم وأعضاء ناديه، بالإضافة إلى الجمعيات الرياضية الأخرى المهتمة برياضة تسلق الجبال، بأنشطة كثيرة للفت أنظار الجهات المعنية للقضايا التي تتعلق بالحفاظ على نظافة البيئة والتنوع الحيواني والبيولوجي وزراعة بعض الأشجار الضرورية لتكاثر الأجناس المنتشرة في هذه الجبال، لتبقى الرياضة الصديقة للبيئة رياضة حية تتوارثها الأجيال، وسياحة تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
نقلا عن الجزيرة نت