الرئيسية / مقالات
استراتجية ترامب الإيرانية: من المستفيد؟
تاريخ النشر: الأحد 15/10/2017 13:23
استراتجية ترامب الإيرانية: من المستفيد؟
استراتجية ترامب الإيرانية: من المستفيد؟

الكاتب: د. حسن أيوب؛ رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية

  لم يسبق لأحد أركان النظام في إيران أن استخدم لغة التهديد الصريح في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية. فكيف إذا كان هذا التهديد على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني علي جعفري، الذي لوح باستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة إذا ما صعدت واشنطن ضد بلاده أو فرضت عليها عقوبات مغلظة. جاء هذا التصريح في سياق حملة دبلوماسية وإعلامية إيرانية شارك بها وزرير الخارجية، والرئيس الإيراني. الحملة الإيرانية وإن كانت تشكل ردا على الإشارات الأمريكية المتكررة من قبل الرئيس ترامب بشأن إلغاء أو تعديل الاتفاق النووي مع إيران، وتكراره لاتهامها بخرق الاتفاق، فإنها (أي الحملة الإيرانية) تعكس شعور إيران المتزايد بالقوة في مواجهتها مع الإدارة الأمريكية. وأغلب الظن بأن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب يوم أمس التي حدد فيها استراتيجيته "الجديدة" تجاه إيران هي محاولة لإعطاء انطباع بأن واشنطن لا تزال في موقع القوة. فمن الملاحظ بأن ترامب قد استهدف حصرا تهديد الحرس الثوري الإيراني. فمن اين تأتي القوة الإيرانية؟ وماذا وراء هذه المواجهة الخطيرة؟

تستغل إيران بصورة فعالة عاملين مترابطين يتعلقان بصنع السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة ترامب: غياب الاستراتيجية وارتباك الأهداف وفي بعض الأحيان تضاربها، من جهة. والصراعات الداخلية في مؤسسات صنع القرار في واشنطن من جهة ثانية. لقد أدت سياسة التوتير مع الحلفاء والإصرار على إقصائهم وتدفيعهم أثمان تحالفهم مع واشنطن إلى توترات ملموسة بين واشنطن وأقرب حلفائها الإقليميين مثل تركيا وقطر لمصلحة علاقات ثنائية وتحديدا مع المملكة العربية السعودية. وبذات الوقت أدت سياسات ترامب في منطقة المحيط الهادئ إلى تعطير العلاقات مع الصين وروسيا، وتصعيد التوتر الخطير مع كوريا الشمالية. بعكس إدارة أوباما التي سعت إلى إيجاد توازن في شبكة العلاقات الإقليمية والدولية يحفظ لواشنطن موقع التفوق. أدت سياسة ترامب غير المتوازنة إلى ترك فراغ سياسي ودبلوماسي تقدمت قوى منافسة لواشنطن لتحتله وتحديدا روسيا الحليف القريب لإيران.

أتت الأزمة القطرية وما الت إليه من فشل في إخضاع هذا البلد الصغير لإرادة حلفاء واشنطن المقربين، لتزيد من قوة الموقف الإيراني. فقد دفعت الأزمة بالعلاقات القطرية الإيرانية إلى مستويات متقدمة أكثر من أي وقت مضى، وأظهرت واشنطن بمظهر العاجز عن تحقيق تعهداته لأقرب الحلفاء، ناهيك عن فشلها حيث تحقق روسيا وحلفائها نجاحات ملموسة في محاربة "داعش"، وفي تبني دبلوماسية واقعية ومتوازنة تمارسها موسكو بنجاح ما أتاح لها أن تمسك بزمام المبادرة في المنطقة. حتى أقرب حلفاء واشنطن؛ النظام السعودي لم يجد مفرا من التقرب لموسكو في محاولة للحفاظ على مصالحه عبر بناء علاقات تقارب مع هذا الطرف صاحب الحضور المتزايد في المنطقة.

على صعيد اخر فقد اندفعت الدبلوماسية الإيرانية لاستثمار رفع العقوبات عنها، وفك العزلة الدولية التي فرضت عليها. فتحت طهران علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، الأمر الذي أثمر على سبيل المثال اتفاقية الطاقة الإيرانية-الفرنسية مع شركة "توتال". هي من أهم الاتفاقيات التي تتوصل إليها إيران في العقود الأخيرة، ليس فقط لقيمتها المالية والتي تبلغ خمسة مليارات دولار، وإنما لأنها ستتيح لإيران تطوير صناعات الطاقة فيها، وفوق ذلك لأن الاتفاقية تضم أطرافا أخرى لا تتفق مع سياسات واشنطن تجاه إيران وهي قطر، والصين. هذا التطور يفسر إلى حد كبير الموقف الفرنسي الناقد لموقف الإدارة الأمريكية تجاه الاتفاق النووي مع إيران، ورفض الرئيس الفرنسي ماكرون من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة لتصريحات ترامب في ذات المحفل حول نيته إلغاء الاتفاق، إذ اعتبر ماكرون بأن الاتفاق متعدد الأطراف ولا يحق لواشنطن إلغائه.

تراقب إيران عن كثب أيضا حالة الفوضى والتخبط التي تعتري البيت الداخلي في واشنطن وبخاصة فيما يتعلق بالموضوع الإيراني. يتفق المراقبون بأن مواقف جنرالات الجيش الأمريكي وبشكل خاص موقف وزير الدفاع جيمس ماتيس هي التي تكبح حتى الان تهور الرئيس ترامب باتجاه التصعيد مع إيران. يمثل هؤلاء ومعهم وزير الخارجية القوة صاحبة الخبرة في السياسة الخارجية، وبينما يتعمد ترامب تهميش وزير خارجيته ريكس تيليرسون في ملفات حساسة مثل الملفين الإيراني والكوري الشمالي، تمارس سفيرته في الأمم المتحدة نيكي هالي دور وزير الخارجية بقوة الأمر الواقع، وتجسد التوجهات الصقرية والمتعالية لإدارة ترامب.

خرجت هذه الخلافات إلى العلن في وسائل الإعلام وعلى "تويتر"، وطالت أقرب حلفاء ترامب الأقوياء السابقين في الحزب الجمهوري مثل السيناتور بوب كروكر. في هذا السياق يمثل موقف وزير الدفاع الأمريكي العقبة الأكبر أمام تهور ترامب. فقد اعتبر ماتيس  -بخلاف ما يدعيه ترامب- بأن الاتفاق النووي الإيراني يخدم المصالح القومية الأمريكية، وبأن إيران ملتزمة بالاتفاق وإن كان ثمة شك في بعض الخروقات. ويرى ماتيس بأن إعادة تقييم الاتفاق واردة، ولكن ليس التخلي عنه. فإن كانت إيران ملتزمة بالاتفاق بنظر أركان إدارة ترامب، وهو ما يعززه تقدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك بنظر معظم دول أوروبا، فمن هي الأطراف التي يحاول ترامب التجاوب معها في إصراره الهستيري على التصعيد مع إيران.

يقف أهم حلفاء وأصدقاء واشنطن وفي مقدمتهم الاتحاد الاوروبي، وبريطانيا، وفرنسا وألمانيا، شأنهم شأن خصومها ومنافسيها على الساحة الدولية مثل روسيا، ضد نزعة التصعيد والمواجهة التي تنتهجها إدارة ترامب في هذا الصدد، وبخاصة ضد الاستراتيجية التي أعلن عنها يوم أمس. فمن بقي ليساند هذه النزعة العدوانية التي تشي بنذر الحرب؟ إنهما اسرائيل والمملكة العربية السعودية (وبطبيعة الحال الإمارات العربية المتحدة والبحرين). لم يتوقف هذان الطرفان يوما واحدا عن التحريض العلني ضد إيران، والدعوة "لوضع حد لعدوانية طهران، ودعمها للإرهاب..الخ)، إلى الحد الذي دفع بالعلاقة بينهما إلى حد التحالف. يبدو للطرفين بأن ثمة فرصة اليوم في ظل وجود ترامب في منصب الرئاسة لكي يدفعا بالمسألة إلى حالة الأزمة التي سبقت توقيع الاتفاق النووي، وصولا إلى دفع واشنطن لمواجهة مباشرة مع طهران. يستغل الطرفان سيكولوجية ترامب المصاب بجنون العظمة، والمهووس بفعل كل ما يثبت بأنه نقيض أوباما، والتزامه الذي أعلنه في سياق قمة الرياض الشهيرة والأزمة القطرية ليوصلاه إلى نقطة اللاعودة. إنها حالة نموذجية لسياسات الحرب الباردة حيث يمكن لقوة فرعية إن تورط راعيتها أو حليفتها العظمى في حرب لا تخدم بالضرورة مصالح هذه القوة العظمى. فهل سيذهب ترامب، بل هل سيتم جره إلى مواجهة لن يستطيع التحكم لا بمجرياتها، ولا بمالاتها؟ِ

 

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017