الرئيسية / الأخبار / فلسطين
دمعة أم الشهيدين من مخيم عسكر.
تاريخ النشر: الخميس 02/11/2017 05:15
دمعة أم الشهيدين من مخيم عسكر.
دمعة أم الشهيدين من مخيم عسكر.

رانيا العبدالله وهناء ابو عياش

"ولك يا موت شو دلّك عليّ ، قتلت صغيري و كبيري و الغاليين عليّ ، بقوا زغاليل في حضني و فروا من إيديّ ، برصاص لعين طخيتهم و حزنوا عليّ "
هكذا استقبلتنا الحاجة أسماء عمر عبد العزيز شنير(أم غسان) ، أم الشهيدين ، تقرأ أبيات من الشعر ممزوجة بالدموع , يعتصر قلبها ألما على فقدان فلذات كبدها بشار و بسمان في لمحِ البصر,وتجلس كعادتها كل يوم حزينة ووحيدة تلبس الكوفية الفلسطينية على رأسها ولم تفارقها أبدا ، تحاكي صور أبناءها كأنهم بجانبها ، على أمل بصيص لتتكلم الصورة و لكن لا رد ولا استجابة .ولدت الحاجة الستينية بعد النكبة الفلسطينية في مخيم بلاطه التي كبرت وترعرعت فيه، وكتب لها النصيب في مخيم عسكر وتزوجت فيه و رزقت بخمس بنات وأربعة أولاد ,و مع مرور الزمن ، و في أحداث الانتفاضة خصيصا ، فقدت ابنها الأول بشار ، الذي خرج برفقة خلانه ككل صباح و لم يكن يعلم أن هذا الصباح سيكون اللقاء الأخير لأمه و سيكون بوابة العبور للسماء.


وأتى بشار برفقة أصدقائه على موعد الغذاء ، و أعددت لهم الحاجة أم غسان" المقلوبة " و تناولوها ,و بعد انتهائهم من الغداء ، كعادة كل شابٍ الخروج و التجول في المخيم ، وخلال انشغال الحاجة في ترتيب المنزل ، أتى أطفال يقولون لها " بشار نصاب " ، ولكن هي لم تصدق و بدأت تردد " بالروح بالدم نفديك ي بشار " وخرجت للرؤية ابنها وسألت :"أين ابني ؟ ":أين بشار ؟ "قالوا لها انه بالمستشفى يتلقى العلاج ، و عند وصولها إلى للمستشفى بدأت بالبحث و هي تردد " وينو الشهيد الشنير ، الاسمراني أبو شعر ناعم " ، قال لها أحدهم: "أنتي والدته "؟ و أضاف بقلق " لا ما استشهد يا حجة لساته عايش "ولكن هي ما زالت تردد" بالروح بالدم نفديك يا بشار" ، يقولون لها انه يتعالج و هو قد استشهد .فارقناه بألم ، و قبل دفنه ، أرادوا أهل مخيم بلاطة أن يُدفن ببلاطة ، فعارضت و قالت" لن يدفن إلا بالمكان إلي أنا عايشه فيه "

ثلاثُ سنوات مضت ، و حال أم غسان كما هو ، الدمع لم يجف في عينيها ، و ذكرى ابنها بشار لم تغب عن بالها أبدا ,لم تكن تعلم أم غسان ، أن بشار كان ينادي أخاه بسمان و يريده بجانبه ,ولم يخب ظن بشار بأخيه ، فقد لبى نداءه و انتقل لجواره ,فلم يحتمل قلب الأم على فراق بشار فكيف الآن مع بسمان أيضا ؟!

في الصباح ، تناول بسمان الفطور و اغتسل و ارتدى ثيابه ، و ذهب لوالدته يطلب منها بعض من المال ، فسألته " بدك تدخن ؟ " وذهب بسمان ، فقلقت عليه أمه لأن في هذا الوقت كان المخيم مليء بالدبابات الإسرائيلية ، بجانب المدرسة ,فقالت:" رحت أجيبه ، حكالي يما و الله هلقيت باجي روحي ، قالت: كيف أروح ! ، بديش أروح ، بدي اتفرج " و بقيت في نفس المكان الذي يتواجد فيه ابنها .وأضافت " في ناس بدها تطخ ابني " حيث كان بسمان يحمل في يديه "المولوتوف " و يلقيها على الدبابات ولحظات فقط ،و الرصاصة تدخل في قلب ابنها .. و استشهد .

واخدت الحاجة الحلوى ، و بدأت بتوزيعهم بالمستشفى ، وتقول لهم :"يا شباب تفضلوا ، هي بشار تزوج و هي عرس بسمان الثاني " ورغم كل هذا لم تنزل من عينيها دمعة واحدة عند نبأ استشهاده ، لكن الآن هي تبكي و بحرقة أيضا ,وقالت ألحاجه:" تكررت معي قضية دفن ابني بأن يدفن في بلاطة و لم أوافق"
وها هي الحاجة مضى سبع عشرة عاما على فراق ابنها ، و ما زالت دموعها تذرف منها دون إدراك منها .

و هذا بالاضافه إلى أن للقائد الفاضل أبو عمار كان له تعزية خاصة لأم الشهيدين ، فأمر ببناء مقام لهما على باب المنزل بعد مرور أسبوع على وفاة بشار ،وبعد وفاة بسمان وضعت صورته بجانب أخاه ، تبتسم له كما كانت تبتسم لهما ، غير مصدقة أنهم تركوها وحدها تتذوق مرارة العيش بدونهم . و أضافت " أمرهم حبيب الشعب كله أنهم يبنوا ، عزوة و افتخار إلي لأني أنا مقاومة ببلاطة و بعسكر ، بطلت أضل بالدار " و تابعت " كانت تقلي أمي ، مش مطولة يا أسماء ، ناوية تيتمي أولادك و تروحي " و ستبقى حسرة أولادها عالقة في قلبها طوال العمر.
" بقول لكل الشعب الفلسطيني يدير باله من العدوان إلي بيقتلو أولادنا على سهوه ، وبقول و لكل زوجة و لكل بنت تدير بالها على أولادها ، أنا اخدتهم المنية من ايدي . أخدتهم المنية " هكذا ختمت الحاجة كلامها ، تدعو لكل النساء بأن يلتهم الصبر قلوبهم و يخفف العذاب عنهم .

ولهذا علينا أن نستذكر كل شهيد في هذا الوطن كذكرى أيّام ولاداتهم واستشهادهم وأن لا ننسى بأن الجلادين الذين قتلوهم فلم يكن هدفهم سوى أن يمحوا أثرهم من هذه الدنيا وبسكوتنا نحن سنحقق أهدافهم، ولكن الشعب سيبقى دائماً وفياً لهؤلاء الأبطال وأن يبقى على العهد وفي نفس الطريق يسير.

 

 

 

المزيد من الصور
دمعة أم الشهيدين من مخيم عسكر.
دمعة أم الشهيدين من مخيم عسكر.
دمعة أم الشهيدين من مخيم عسكر.
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017