الرئيسية / الأخبار / فلسطين
الملاك المتعب.. في رحلته لأن يصبح طبيبا
تاريخ النشر: الجمعة 10/11/2017 18:01
الملاك المتعب.. في رحلته لأن يصبح طبيبا
الملاك المتعب.. في رحلته لأن يصبح طبيبا

كتبت  شذى جعميصي

كان مجيئه للحياة شي أكبر من الفرح والسعادة كيف لا وهو بكر أمه وأبيه والحفيد الأول للعائلة ومن ‏سيعطي المعنى لحياتهم، ولد بتاريخ 7‏/9‏/2007 طفل صغير حنطي بعيون سوداء فيهما حور وشعر كثيف ويدين تنزلق من بينهما أصابعك من شدة نعومتها ‏"عندما حملته لأول مرة شعرت بأنني أحمل العالم كله بين يدي" هكذا وصفت خالته شعورها يوم ولادته.

عبد الكريم, لم يكن يوم ولادته سهلا بالنسبة لأمه فقد أتى قبل موعد ولادته بشهر لكنه كان يوما جميلا، ‏بدأ يكبر وينمو في أحضان العائلة الطفل المدلل صاحب الوجه الجميل ويوما بعد يوم يتعلم شيئا جديدا تعلم النطق واللعب والضحك وحتى الوقوف على رجليه بمساعدة والديه لكن أمرا لم يكن بالحسبان ‏قد حصل، فجأة بدأت حركته تقل فلم يستطع الوقوف وجلسته مائلة ولسانه أصبح ثقيلا لكن العائلة لم تأخذ الموضوع على محمل الجد وقالت من الممكن أن يكون بسبب بروز أسنانه فهو صعب ويخفف من حركة الطفل‏ ومع مرور الأيام ازداد الأمر سوءا وأصبح عمر الطفل سنة ولم يستطيع الجلوس فقرر الوالدان عرضه على طبيب أطفال ليشخص حالته .

"‏لم أصدق ما قيل لي عن ابني وأحسست أن العالم كله توقف في تلك اللحظة ابني يعاني من شلل دماغي بنسبة 60% وهذا الشلل مرتكز في الأطراف (الأيدي الأرجل) وكان بسبب نقص الأكسجين أثناء‏ عملية الولادة "‘ كانت عيناها تفيضان بالدموع عندما تحدثت إليها وكأنها جسدها كله يبكي فطفلها الأول عاجز عن الوقوف أو الحركة، كانت الأيام الأولى ‏من أصعب ما مر على العائلة فالطفل عاجز!

‏لم أرى في حياتي مثل أمه ‏فقد عانت من أشياء كثيرة وأخذت الطفل ‏عند أكثر من طبيب وسافرت إلى أكثر من مكان لكي تشخص حالة طفلها ‏وتحاول أن تعالجه بشتى الطرق فكانت الطريقة الوحيدة هي العلاج الطبيعي ليتمكن الطفل من الحركة مع مرور الوقت‘وبدأت رحلة العلاج الطبيعي في عيادة وكالة الغوث بمخيم طولكرم بعمر الثلاثة سنوات حيث كانت تصطحبه صباحا لمركز العلاج الطبيعي في العيادة، ولم يتقبل الطفل ذاك الوضع فما أن يدخل الغرفة حتى تبدأ موجة بكاء مستمرة طيلة ساعات العلاج مصحوبة ببعض الكلمات التحفيزية بأن يستمر بعلاجه حتى يتمكن من الذهاب للروضة لكن محاولات أمه تبوء بالفشل وتنتهي بعبارته الشهيرة "ما بدي أمشي اتركوني".

تقول ندى أبو عواد -أخصائية العلاج الطبيعي-"إنه أفضل بكثير من أي حالة نعالجها فهو يمتلك عقلا فذا ‏ ومن الممكن أن يستعيد حركته بتكثيف علاجه"، وبعد مرور ثمانية أشهر قرر مركز العلاج نقله لمؤسسة الأميرة بسمة للأولاد المعاقين في القدس لعلاجه وظيفيا ولفظيا ونفسيا، تصف الأم تلك الفترة" كان لدي طفل حديث الولادة ولم أستطع اصطحابه معي إلى القدس،تركته مع زوجي في البيت وذهبت مع طفلي إلى القدس لأعالجه، كانت من أصعب المراحل لأنه خجول جدا ومتعلق بي كثيرا فكان عائقا أمام الأطباء أن أكون معه في كل مكان ينتقلون إليه وبعد شهرين عدت إلى البيت لصعوبة علاجه هناك".

عاد للعلاج الطبيعي في مركز العيادة وتقرر له عملية إطالة أوتار عصبية في رجليه ، وأجريت له العملية في مستشفى النجاح الجامعي الوطني في نابلس، ويصف الطبيب علاء عزمي حالة الطفل "إن حالته ليست صعبة بالدرجة التي يعتقدونها فهولا يحتاج إلا لبعض الأجهزة الطبية وعلاج طبيعي مكثف حتى يستعيد حركته " وبعد مرور شهر على إجراء عمليته لوحظ عليه تحسنا بحركة يديه ورجليه وأصبحن أكثر لينا، كما تميز بفذاذة عقله فلا تمر عليه قصة حتى حفظها وشرحها لك بالتفصيل ودائما ما يسأل عن كل شيء بماذا ولماذا، كما بدأت والدته بتعليمه الحروف والأرقام ليكن مستعدا لمرحلة الدراسة ففاجأ الجميع بقوة ذاكرته العالية ومهاراته في الحفظ والتركيز.

"اضطررت للذهاب معه إلى روضته في أول يوم حيث كان من الصعب جدا أن يذهب دوني فهو لا يتقبل فكرة عدم وجودي إلى جانبه في أي مكان "، في كل مرحلة من مراحل حياته يوجد صعوبة ما، ففي مرحلة الروضة يجب أن ترافقه أمه وفق شروطه وإلا لن يعود لها أبدا ولعدم قدرة الأم على الذهاب معه يوميا قررت أن تلحق أخيه الأصغر بروضته لتهتم بمسؤوليات البيت دون تركه بلا مرافق.

تحمل أخاه الصغيرعماد مسؤوليته منذ أن كان في الخامسة من عمره فهو كالمرافق الشخصي لا يتركه وحده خوفا عليه، وتقيدت حركته به فلم يكن كأي طفل بعمره يلعب ويركض ويمرح بل كان أب ثان لأخيه وخلال حديثي معه باح لي قائلا:"أنا مرات بكون حابب أروح ألعب مع أصحابي بس ما بقدر أترك أخوي لحاله بخاف الأولاد يضربوه أو يضحكوا عليه بس بزهق نفسي أطلع ألعب مثلهم".

 


انتهت مرحلة روضته وتميز فيها حيث كان الأفضل بين أقرانه، وبدأت رحلته في المدرسة حيث التحق بمدرسة ذكور نور شمس الأساسية وبعد محاولات كثيرة مع مدير المدرسة وافق على دخول الأخوين في نفس الصف‘ لم يختلف الوضع كثيرا في المدرسة فكان الأول في صفه رغم عدم قدرته على الكتابة إلا أنه يحفظ كل كلمة يقولها أستاذه، "ربنا بوخد وبعطي" هكذا علقت والدته على ذكائه وأضافت بأنها فخورة جدا به رغم ظروفه فهو يعتمد على ذاكرته في كل شيء ويعتبر مخزن المعلومات في البيت.

في مدرسته تجد أطفالا يتسابقون لمساعدته فيستقبله أصدقاؤه عند دخوله المدرسة ويتهافتون على من سيحصل على حقيبته أولا ليوصله بها إلى مقعده، وللأساتذة نصيب في ذلك فعند انتهاء الدوام المدرسي يقف الطفل حائرا أمام سياراتهم فالكل يريد إيصاله لمنزله وفي موقف مضحك له قال لي:"كان خمسة أساتذة ينتظرونني حتى أعود مع أحدهم للمنزل فوقفت محتارا ثم تركتهم وقررت العودة مشيا مع أخي باستخدام جهاز المشي".

أثناء جلوسي معه سألته إن كان يرغب الركض واللعب فأجابني" يا خالته أنا كل يوم ببكي وبضرب رجلي لأني ما بقدر أوقف عليهم لحالي وألعب مع إخوتي بس رح يجي يوم وألعب أكثر منهم"، وبعد معاناة أول ثلاثة سنين في المدرسة تخرج منها بشهادة تفوق تليق به.

 


عبد الكريم علاء الدين حصري يبلغ العاشرة من عمره، بطل قصتي وابن أختي وحفيد عائلتي الأول، مصدر السعادة والفرحة في البيت ومحبوب جده ورفيق أمه الدائم ،عندما تنظر إلى عينيه يشدك بريقا ساطعا يخرج منها وكأنه يقول لك "إياك أن تستسلم" يبكي تارة على حاله ثم يمسح دموعه ويقول " سأصبح طبيبا عندما أكبر والأطباء لا يستسلمون"


 

المزيد من الصور
الملاك المتعب.. في رحلته لأن يصبح طبيبا
الملاك المتعب.. في رحلته لأن يصبح طبيبا
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017