طه اغبارية
في مثل هذا اليوم من السابع عشر من تشرين ثان عام 2015، وفي ليل الاثنين- الثلاثاء، اقتحمت قوات الأمن الإسرائيلية، مكاتب الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) في مدينة أم الفحم وغيرها من البلدات العربية، كما اقتحمت قوات الأمن نحو 23 مؤسسة أهلية قالت إنها تابعة للحركة الإسلامية.
وصادرت قوات الأمن الإسرائيلية حواسيب وأجهزة إلكترونية والعديد من الملفات، واستدعت للتّحقيق حينها كلًّا من رئيس الحركة، الشيخ رائد صلاح، ونائبه، الشيخ كمال خطيب، ومسؤول ملفّ القدس والأقصى، د. سليمان أحمد، كما اعتقلت مسؤول العلاقات الخارجيّة فيها، د. يوسف عواودة.
ورافق اقتحام مقرات ومكاتب الحركة الإسلامية ومؤسساتها، الإعلان عن حظر الحركة الإسلامية والمؤسسات التابعة لها، وقد صدر القرار بتاريخ 15/11/2015 موقعا من قبل وزير الأمن الاسرائيلي حينها، موشيه يعالون، مستندا إلى قانون الطوارئ الانتدابي وبذريعة أن الحركة الإسلامية (الشمالية) تشكل خطرا أمنيا على إسرائيل.
ومن بين المكاتب التي تم اقتحامها، المقر القطري للحركة الإسلامية، في مجمع ابن تيمية بحي الباطن في أم الفحم، ومكتب “صحيفة صوت الحق والحرية” وموقع “فلسطينيو 48” ومركز الدراسات المعاصرة وكانت في بناية الشافعي بحي عين النبي بأم الفحم، ومنزل الشيخ رائد صلاح، والشيخ كمال خطيب ويوسف عواودة.
واقتحمت قوات الأمن أيضًا مقر جمعية “يافا” بمدينة يافا، بالإضافة إلى “مكتبة اقرأ الشاملة”، و”مدرسة حراء لتحفيظ القرآن” في رهط، ومكتبي جمعية “اقرأ” و”مؤسسة النقب للأرض والإسكان” في بئر السبع.
وصدر في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 17/11/2015 بيان من الشيخ رائد صلاح جاء فيه: “بعد أن أعلنت المؤسسة الإسرائيلية عن الحركة الاسلامية كمؤسسة محظورة، وأعلنت عن بعض شخصياتها ولجانها انها أصبحت محظورة، داهمت الاذرع الأمنية الاسرائيلية مكاتب الحركة الاسلامية الكائنة في مجمع ابن تيمية في مدينة أم الفحم، ليلة الثلاثاء الموافق 17/11/2015 وقامت بإجراء تفتيش دقيق فيها وصادرت منها بعض الملفات والأجهزة، وفي نفس الوقت أرسلت (استدعاء تحقيق) إلى كل من: الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية، الشيخ كمال خطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية، الدكتور سليمان أحمد، مسؤول ملف القدس والاقصى في الحركة الاسلامية، حيث سيمثلون اليوم الثلاثاء 17/11/2015، في مبنى (محوز حوف) الشرطي في حيفا. كما وأعلنت المؤسسة الإسرائيلية عن إخراج 17 مؤسسة أهلية خارج القانون”.
وأضاف البيان “على اثر كل هذه الاجراءات التعسفية الظالمة، فإني أؤكد ما يلي: أولا؛ كل هذه الاجراءات التي قامت بها المؤسسة الإسرائيلية، هي اجراءات ظالمة ومرفوضة. ثانيا؛ ستبقى الحركة الإسلامية قائمة ودائمة برسالتها تنتصر لكل الثوابت التي قامت لأجلها، وفي مقدمتها القدس والأقصى المباركين. ثالثا؛ يشرفني أن أبقى رئيسا للحركة الإسلامية انتصر لاسمها، وانتصر لكل ثوابتها وفي مقدمتها القدس والمسجد الأقصى المباركين، وأسعى بكل الوسائل المشروعة المحلية والدولية لرفع هذا الظلم الصارخ عنها”.
ولفت الشيخ رائد إلى استغلال المؤسسات الإسرائيلية الأجواء المتوترة إثر تفجيرات باريس في إصدار هذا القرار، وقال: “في الوقت الذي أعلنت فيه الحركة الإسلامية عن رفضها لتفجيرات باريس، إلى جانب ذلك نحن لا زلنا نؤكد رفضنا للإرهاب الإسرائيلي”. مضيفًا: “من الواضح لدينا في نفس الوقت أنهم يحاولون من وراء تفاهمات كيري – نتنياهو، فرض أمر خطير جدًا على المسجد الأقصى، وهو اعتبار اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى كأنها زيارات بريئة، ولذلك يحاولون إبعاد الحركة الإسلامية عن المسجد الأقصى، ظنًا منهم أنهم سينجحون بفرض هذه المقولة”.
كما أصدرت لجنة المتابعة العليا وكافة القوى السياسية والقيادات في الداخل بيانات تنديد ورفض لقرار الحظر، وأكدت مواجهتها لهذا القرار.
وصدرت بيانات منددة بقرار حظر الحركة الإسلامية من مختلف الفصائل الفلسطينية في الضفة والقطاع والعديد من الشخصيات والهيئات والمؤسسات العربية والإسلامية، معتبرين أن القرار محاولة لإسكات كل صوت يدافع عن المقدسات ويتكفل بحماية الأقصى.
واعتبر عدد من الحقوقيين أن قرار حظر الحركة الإسلامية في العام 2015 كان بمثابة إعلان حرب على الداخل الفلسطيني والعمل السياسي والأهلي، وأكدوا أن “الحكومة الإسرائيلية من خلال هذا القرار تفتح مواجهة وتعلن الحرب ضد المجتمع العربي داخل البلاد، فالحركة الإسلامية الشمالية لم تقم بأي عمل غير قانوني، وإذا كان هناك من بين أفرادها مَن قام بعمل غير قانوني فمن المفروض أن تقدمه الحكومة للمحاكمة وألا تُخرج جميع أعضاء الحركة الإسلامية ومؤسساتها خارج القانون، وأن تهدد كل من يكون على اطلاع وعلى ارتباط بها ليكون معرضًا للمحاكمة، وبالتالي هذه الخطوة هي انتهاز لفرصة ما يحدث على المستوى العالمي وعلى المستوى الإقليمي، وبالتالي القرار هو رضوخ من قبل رئيس الحكومة ومجلس وزرائه المصغر لليمين الإسرائيلي المتطرف في هذه المرحلة”.
خيمة مناهضة الحظر
بعد قرار حظر الحركة الإسلامية، عقدت “لجنة الحريات والشهداء والأسرى والجرحى ” المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا يوم الأربعاء 18/11/2015 اجتماعا طارئا، وأقرت القيام بحملة بعنوان “حملة مناهضة حظر الحركة الإسلامية “، وتقرر نصب خيمة اعتصام باسم “خيمة مناهضة حظر الحركة الإسلامية ” في أم الفحم قرب ملعب السلام (منطقة السوق البلدي) في اليوم التالي (الخميس 19/11/2015).
كما شل الإضراب كافة مناحي الحياة في المدن والبلدات العربية في الداخل الفلسطيني يوم الخميس 19/11/2015، وذلك احتجاجا على قرار الحكومة الإسرائيلية حظر نشاط الحركة الإسلامية. وجاءت الدعوة للإضراب من لجنة المتابعة.
خيمة مناهضة الحظر
خيمة مناهضة الحظر
هذا واستمرت فعاليات خيمة الاعتصام على مدار عدة أشهر، وشهدت التفافا جماهيريا كبيرا حولها وتوافد عشرات الآلاف من أبناء الداخل الفلسطيني والقدس المحتلة ووفود من الضفة الغربية، وأقيمت فيها صلوات جمعة حاشدة.
كما نظّمت في العديد من البلدات العربية مظاهرات حاشدة ووقفات احتجاجية منددة بقرار الحظر. وتوجّت هذه الفعاليات بمظاهرة جباّرة في مدينة أم الفحم بحضور عشرات الآلاف من أبناء الداخل الفلسطيني ومشاركة من مختلف الحركات والأحزاب العربية.
ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية والرايات الخضراء ولافتات كتب عليها “لا لحظر الحركة الإسلامية”، ووصفوا قرار الحظر بأنه سياسي وباطل، مرددين هتافات “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”.
وقدر عدد المشاركين في المظاهرة التي دعت لها لجنة المتابعة للجماهير العربية في الداخل بنحو خمسين ألف متظاهر.
وفي المهرجان الخطابي بعد المظاهرة، استنكر الشيخ رائد صلاح القرار الإسرائيلي بحظر الحركة والمؤسسات التابعة لها والتي قال إن خدماتها كانت تصل لأكثر من نصف مليون من شعبنا الفلسطيني، واصفا إغلاق إسرائيل هذه المؤسسات بأنه “إرهاب بامتياز”.
وقال إن “عهدنا للشعب الفلسطيني أن نبقى معكم حتى قيام دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس المباركة، وأن تبقى القدس في العيون حتى تسير هذه الحشود قريبا إن شاء الله لنرفع فرحين أعلام الاستقلال في سمائها عاصمة لفلسطين”.
وحذر الشيخ رائد صلاح الإسرائيليين من أن “(رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو يقودهم إلى المجهول”.
من جهته، شدد رئيس لجنة المتابعة العليا محمد بركة خلال كلمته في المهرجان على أن هناك من راهن على الاستفراد بالحركة الإسلامية بعد وضعها خارج القانون، “لكنها كانت وستظل داخل قلوبنا”.
وتابع أنه إذا كانت التهمة للحركة الإسلامية هي الدفاع عن المسجد الأقصى فنحن نعتز بها، وإذا كان الدفاع عن القدس والأقصى وفلسطين هو تهمة وجريمة يعاقب عليها القانون فكلنا خارج هذا القانون.
الحظر في عين الاعلام الاسرائيلي
انشغلت الصحف الإسرائيلية بصورة مكثفة بقرار حظر الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي)، وبحثت تبعاته المتوقعة، وكشفت النقاب عن خلافات داخلية لدى اتخاذ القرار.
فقد ذكرت صحيفة هآرتس أن قرار حظر الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح صدر عقب ضغوط مارستها الشرطة الإسرائيلية خلال الاجتماعات الأخيرة للمجلس الوزاري الأمني المصغر. وقدرت الشرطة أن هذا القرار في حال صدوره لن يؤدي إلى تصعيد الوضع الميداني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في حين أكدت أوساط جهاز الأمن العام (شاباك) أنه قد تكون له تبعات أمنية ميدانية غير مريحة لإسرائيل.
وأضافت الصحيفة أنه “منذ اندلاع الأحداث الفلسطينية أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر خمسة اجتماعات مطولة على الأقل بحثت جميعها في إمكانية إصدار قرار بحظر الحركة الإسلامية واعتبارها خارجة عن القانون”.
وقد شهدت تلك الاجتماعات –بحسب هآرتس- خلافات واضحة في الرأي بين الشرطة التي أيدت إصدار القرار، والشاباك الذي أبدى تحفظه عليه.
وكتبت مراسلة صحيفة “يديعوت أحرونوت” توفا تسيموكي أن قرار الحظر اتخذه نتنياهو قبل أسبوعين من إعلانه، وتم الاحتفاظ به بصورة سرية إلى حين إعلانه بشكل رسمي.
واستطردت قائلة إن “جهاز الشاباك جمع الأدلة والشواهد الأمنية ضد الحركة الإسلامية، ومنها أن مصادر تمويلها كانت تأتي من جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، رغم معارضة رجال الجهاز لقرار الحظر خشية أن يتسبب في إشعال الوضع الأمني من جديد، وقيام موجة من التحريض ضد إسرائيل. كما أن هذا القرار ستكون له تبعات صعبة على باقي العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل”.
الصحيفة أوردت كذلك ردود فعل الأوساط السياسية الإسرائيلية على القرار، حيث أعلنت وزيرة القضاء آيليت شكيد أن طواقم الوزارة التي كانت مشغولة في الفترة الماضية باستصدار مثل هذا القرار، تعتقد أن تصريحات الشيخ رائد صلاح بأن إسرائيل تنوي السيطرة على المسجد الأقصى، كان لها دور كبير في تحريض غير مسبوق ضدها، وأدت في النهاية إلى تنفيذ أعمال قتل ضد اليهود.
وأضافت الوزيرة الإسرائيلية أن الحركة الإسلامية تعارض من الأساس قيام إسرائيل كدولة يهودية، وتحاول بث هذه المفاهيم للأجيال الصاعدة في مؤسساتها التعليمية، وقد تم اتخاذ القرار بمشاركة جميع الجهات الأمنية والقانونية والقضائية في الدولة.
وحذرت من أن الحركة قد تُنشئ كيانا أو تنظيما آخر باسم جديد للالتفاف على قرار الحظر، “لكن إسرائيل ستتابع وتفحص مصادر تمويلها، فإن وجدته من الإخوان المسلمين أو حماس فسيتم اعتقال أعضائها”.
من جهتها أفادت مراسلة صحيفة معاريف سيريت أفيتان أنها علمت بأن وزير التعليم وزعيم حزب البيت اليهود ينفتالي بينيت سيعمل على ملاحقة الأجنحة الطلابية التابعة للحركة الإسلامية في الجامعات الإسرائيلية، في أعقاب رسالة وجهتها منظمة “أم ترتسو” اليهودية المتطرفة، وطالبته بوقف أنشطة تلك الأجنحة، ومنها الكتلة الطلابية المعروفة باسم “اقرأ”.
وأشارت الكاتبة إلى أنه طالما اعتُبرت الحركة خارجة عن القانون بصورة كاملة، فلن يكون لها تمثيل في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، ولن يتم دعوة الشيخ صلاح لإلقاء محاضرات فيها كما جرت العادة في السابق.
تداعيات الحظر على العمل الحزبي
بعد مرور عامين على حظر الحركة الإسلامية واعتبارها وفق “قانون مكافحة الإرهاب” الذي صدر العام الماضي، “تنظيما محظورا وإرهابيا”، يدخل مجمل العمل السياسي والحزبي للفلسطينيين في الداخل، إلى المجهول ومخاطر إسقاط الحظر على تيارات سياسية أخرى في ظل استمرار الملاحقات السياسية لقيادات إسلامية كانت محسوبة على الحركة الإسلامية المحظورة اسرائيليا وعلى رأسها الشيخ رائد صلاح المعتقل في سجن “رامون” في إطار محاكمته بتهم سياسية ومزاعم تحريضه على الإرهاب، كما لوحق ويلاحق قياديون ونشطاء إسلاميون في الملف المعروف بـ “عشاق الأقصى” ومنهم: الدكتور سليمان أحمد اغبارية من أم الفحم، والدكتور حكمت نعامنه، المعتقل على خلفية الملف ونصرة المسجد الأقصى، ومصطفى اغبارية من أم الفحم، وعمر غريفات من الزرازير، ومحمد محاجنة من أم الفحم، وفواز اغبارية من أم الفحم، ومحمود أحمد جبارين من أم الفحم، ويحيى السوطري من الناصرة، وعبد الكريم كريّم من كفر كنا، واسماعيل لهواني من عرابة.
موقع “موطني 48” التقى عددا من الباحثين والمطلعين، ووقفت على آرائهم حول المستقبل السياسي للجماهير العربية في الداخل بعد الحظر وفي ظل الحكومة الإسرائيلية التي يسيطر عليها اليمين الإسرائيلي المتطرف.
د. أسعد غانم: تم حظر الحركة الإسلامية بسبب مشاريعها في الداخل ودعم قضية القدس والاقصى وعملها السياسي الملتزم بقضايا شعبنا
يقول الأكاديمي الفلسطيني الدكتور أسعد غانم: “حظرت الحركة الإسلامية في سياق تصعيدي من جانب الحكومة والدولة، عبر سن المشاريع العنصرية مثل: “قانون القومية”، أو هجوم الوزير بينت على مضامين التعليم الديموقراطية، وبالتالي يتضح أن الحكومة الفاشية تقوم بمجموعة خطوات لتأكيد سيطرتها على الحيز العام وتقوية المشروع الصهيوني عبر تحويله إلى يهودي واكثر عنصرية وتحكما في الآخر، وأقصد نحن في الداخل والشعب الفلسطيني عموما”.
الدكتور أسعد غانم
الدكتور أسعد غانم
وأضاف: “رأينا أحد تجليات العمل التاريخي للحركة الاسلامية في القدس عندما قام الشباب المقدسيون واهل الداخل بالصلاة أمام المسجد الاقصى، بعد الاجراءات الاحتلالية في تموز ونصب البوابات الإلكترونية، كان من الواضح تماما أن هذا العمل والصمود لم يكن ممكنا شعبيا لولا عمل طويل قامت بجزء منهم منه الحركة الاسلامية الشمالية”.
يعتقد غانم أن عداء الحكومة الإسرائيلية، للحركة الإسلامية ليس مرتبطا بالأساس بسبب رؤيتها الأيديولوجية، يقول: “في اعتقادي أن السبب الرئيس لهذا العداء، يمكن بما تميزت به الحركة الإسلامية من قدرة على تجنيد الجماهير وإحداث تغيير في التنظيم السياسي لدى الفلسطينيين في الـ 48، كذلك فقد ضربت مثالا على القيادة السياسية الملتزمة بقضايا شعبها من خلال الشيخ رائد صلاح والقيادات الأخرى، بالإضافة إلى قيامها بتنفيذ مشاريع عينية والمؤسسات الأهلية، والتي أغلقتها الدولة، حيث أدت هذه الأعمال إلى تغيير في انماط العمل السياسي لدى أبناء الداخل الفلسطيني، وقامت الحركة من خلالها بإعطاء صورة جديدة عما يمكن ان نفعله نحن، رغم ضعفنا وقلتنا، أثبتت الحركة الإسلامية أنه بإمكاننا في حال التنظيم ان نقوم بأعمال ومشاريع كبيرة، وهذا هو الدرس الأساسي”.
ورأى غانم أن “ضعف المجتمع السياسي لعرب الداخل، لم يسهم بمواجهة حظر الحركة الإسلامية بشكل جاد وضاغط” داعيا إلى “علينا التفكير في كيفية تعظيم قدراتنا، لأن الآتي علينا برأيي أعظم”.
وأشار إلى أن “الحكومة فاشية وتسن قوانين التفوق العرقي مثل “زخ المطر”، انظر كيف قامت الدنيا ولم تقعد بسبب تواجد عدد من النواب العرب في أوروبا للحديث عن قضايانا!!، هناك محاولات حثيثة من قبل أقطاب هذه الحكومة لإحكام السيطرة على الحيز العام، وقد نكون أول ضحاياه إذا لم نملك القدرة على التنظيم الجدي، علينا أن نعطي أمثلة عينية على ذلك كما فعلت الحركة الاسلامية في الماضي”.
وأضاف: “أقدر جيدا ما تقوم به لجنة المتابعة والسيد محمد بركة، والإجابة على بعض التحديات مثلما جرى في موضوع كتاب المدنيات وإعطاء البديل، ولكن علينا تعظيم هذا الشكل من الأداء وأن نثبت للدولة أننا لن نكون فقط “مفعولا بنا””.
ودعا الدكتور أسعد غانم إلى “ضرورة تقييم عملنا السياسي في كل الاطر سواء في الكنيست او المتابعة، علينا إعادة التنسيق لخطواتنا ومأسسة هيئاتنا بشكل افضل، لأننا إن لم كنت أكثر تنظيما سينقضون علينا الواحد تلو الآخر”.
الشيخ كمال خطيب: المشروع الإسلامي وهو مشروع رباني ولن ينتهي أبدا بقرار حظر إسرائيلي
من جانبه قال الشيخ كمال خطيب، رئيس لجنة الحريات في الداخل الفلسطيني، ونائب رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليا، لـ “موطني 48”: “لا شك ان القرار بحظر الحركة الإسلامية، والذي صدر يوم 15/11/2015 ونفّذ يوم 17/11/2015، كان قرارا تاريخيا لأنه استند إلى قوانين الطوارئ لحظر وملاحقة جسم سياسي فاعل في الداخل الفلسطيني، كما أنه تاريخي أيضا، باعتباره يظهر الوجه الحقيقي للمؤسسة الإسرائيلية وعدائها للمشروع الاسلامي، وقد أضاء هذا القرار الموقع من قبل وزير الحرب حينها، موشيه يعلون، إشارة حمراء لكل الداخل الفلسطيني، في أن المؤسسة الاسرائيلية يمكن ان تتعامل مع الجميع هكذا، وكان ينبغي أن يفهم الجميع هذا الأمر، صحيح أن الحركة الإسلامية كانت ضحية لهذا القرار الظالم، ولكن يراد للداخل الفلسطيني أيضا أن يفهم بإمكانية وجود ضحايا آخرين لهذا القرار الذي حصل”.
وفيما إن كانت مواجهة هذا القرار على قدر خطورته، أضاف خطيب: “لا أريد ان اذهب إلى جلد الذات أو جلد احد، ويمكن القول إن ما تم القيام به من اجراءات وخطوات شعبية وسياسية لمواجهة الحظر، حتى وإن لم ترتق إلى الرضى المطلق، لكنها عبّرت عن رفض في الداخل الفلسطيني لهذا التوجه الإسرائيلي المعادي، وكان هذا ظاهرا من خلال المظاهرة التاريخية الكبرى التي جرت في مدينة أم الفحم، كما ظهر عبر المواقف الواضحة جدا من القيادات العربية في الداخل، ولكن علينا دائما أن نعي أننا بين يدي حكومة يمينية اعلنت حربا سافرة، وبلا شك، على المشروع الاسلامي، الأمر الذي جعلها تصم أذانها عن كل ما يمكن ان يسمع او يتخذ من مواقف”.
وفي رده على سؤال حول ماهية التصرف المستقبلي في حال تعرضت قوى عربية أخرى لمثل ما تعرضت له الحركة الإسلامية، قال الشيخ كمال: “ليس لي أن انظّر لغيري، فنحن كنا ضحية هذا القرار الظالم، واي ملاحظة مني لغيري يمكن ان تشير إلى تقصير أو عدم الأداء الايجابي للبعض، ولذلك انا لا اتمنى ان يقع تحت هذه التجربة اي تيار فلسطيني بعد اليوم، ولا أن تقع حتى القيادة الفلسطينية في الداخل ممثلة بلجنة المتابعة في امتحان جديد لنرى تعاطيها وأدائها في التعامل مع مثل الذي حصل للحركة الاسلامية وإن كنت انا شخصيا على قناعة ان هذا القرار خاص بالحركة الاسلامية، ولعله لن ينطبق على غيرها بعد اليوم، خاصة بعد ان سن قانون ما يسمى “مكافحة الارهاب” الذي بدأ مفعوله العام الماضي، ويعتبر اي حركة قد حظرت سابقا بأنها تصبح تلقائيا حركة ارهابية”.
وعاد الشيخ كمال خطيب للتأكيد، كما في تصريحات سابقة، أن قرار الحظر الحركة الإسلامية، اتخذ بمشاركة ومباركة دول عربية، مشيرا إلى أن أحد الصحفيين الإسرائيليين فضح ذلك عندما قال إن القرار اتخذ في يوم 25/10/2015، أي قبل 3 أسابيع من الحظر، وأضاف: “لقد حدث ذلك خلال مؤتمر قمة عقد في مدينة العقبة الأردنية بمشاركة نتنياهو والملك عبد الله والسيسي ووزير الخارجية الأمريكي حينها جون كيري، وبمباركة “أبو مازن”، ونذكر جميعا ما حدث في يوم 25/10/2015، حيث وقعت مواجهات في القدس والمسجد الأقصى في أعقاب اقتحامات المستوطنين، ويومها حمّلت الحكومة الإسرائيلية الحركة الإسلامية مسؤولية تأجيج الاوضاع، ثم كانت القمة في العقبة وبعدها جاء قرار الحظر”.
وحول رؤيته لمستقبل المشروع الإسلامي في الداخل الفلسطيني يرى الشيخ كمال خطيب أنه: “هو مشروع سماء وديني ولا يخضع لظروف سياسية أيا كانت، يمكن ان تضعف هذه الظروف المشروع أو تعيقه، لكنها أبدا لن تميت أو تقضي على المشروع الاسلامي، لأنه مشروع رباني ودوره لم ولن ينتهي أبدا، بالتالي على الواهمين انهم من خلال حظر الحركة الاسلامية يكونون قد أجهزوا على المشروع الاسلامي، أن يعوا أنهم ليسوا فقط مخطئين بل هم أغبياء، وظنهم أن حظر الحركة الاسلامية سيمهد لهم الطريق أمام مشاريعهم في الاقصى المبارك، قد خاب وها هي الأحداث في تموز الأخير اثبتت لهم أن العلاقة بين الاقصى وشعبنا هي علاقة عشق وحب سواء كانت الحركة الاسلامية موجودة او غائبة، وهذا يعني انهم لو حظروا الحركة فلن يحولوا ابدا بين شعبنا وبين المسجد الاقصى، وهذا يؤكد ان الحركة نجحت في جعل المسجد الاقصى المبارك قضية كل بيت من أبناء شعبنا الفلسطيني”.
\
إلى ذلك اعتبر الدكتور والباحث مهند مصطفى، أن حظر الحركة الإسلامية شكّل مفترق طرق مفصلي في تاريخ الفلسطينيين في الداخل.
وقال لـ “موطني 48” إن: “العمل السياسي الفلسطيني بعد الحظر لن يكون كما كان بعده، فالحظر أدى الى تغييب تنظيمي لتيار سياسي هام في صفوف الجماهير الفلسطينية، والى تغييب تمثيل لشرائح كبيرة من المجتمع الفلسطيني التي ترى في الحركة الإسلامية التعبير السياسي والاجتماعي عنها، وتتوزع هذه الشرائح على كل طبقات المجتمع الفلسطيني، حيث أن الحركة الإسلامية ليست حركة طبقة اجتماعية معينة أو محصورة بشريحة اجتماعية او جغرافية محددة، بل عبرت عن شرائح عديدة في المجتمع الفلسطيني. لذلك فإن التأثير الأساسي للحظر هو تغييب التعبير السياسي والاجتماعي والايديولوجي لهذه الشرائح وهذه مسألة في غاية الأهمية، فضلا عن أن كل ملاحقة أو تضييق على تيار سياسي ينعكس بشكل مباشر على فاعليّة الأداء السياسي والعمل السياسي الفلسطيني، لا سيما الحركة الإسلامية التي حملت مشاريع سياسية واجتماعية كبيرة كان لها أثر كبير على الحراك السياسي والاجتماعي وعلى الوعي في صفوف الجماهير الفلسطينية، وضرب هذه المشاريع انعكس سلبا على الحراك السياسي داخل المجتمع الفلسطيني أو حراك تلك الشرائح التي مثلتها الحركة الإسلامية، وهي غير قليلة وكان لها أهمية الحضور في مجمل العمل السياسي والاجتماعي للفلسطينيين في إسرائيل”.
وأضاف: “لا يختلف اثنان أن الاحتجاج على حظر الحركة الإسلامية لم يصل إلى مستوى اللحظة التاريخية التي مثلها الحظر، فاذا كان الحظر في تصوري لحظة تاريخية فاصلة في تاريخ الفلسطينيين في الداخل، فان الاحتجاج لم يدشن لحظة احتجاج موازية لهذا الحدث، ولذلك أسباب كثيرة منها يتعلق بالحركة الإسلامية ذاتها ويجب قول ذلك بشكل صريح، ومنها يتعلق ببؤس العمل السياسي الحزبي والتنظيمي الجماعي العربي في السنوات التي سبقت الحظر، ومنها ما يتعلق بحالة الإحباط التي ضربت الجماهير الفلسطينية بسبب الاحداث في العالم العربي، ومنها يتعلق بتصعيد قمع المؤسسة الإسرائيلية للحراكات الاحتجاجية التي سبقت الحظر، مما أدى الى خوف او عزوف الناس عن العمل الاحتجاجي. الا ان تداعيات بؤس الاحتجاج اهم حاليا من أسبابه، حيث ان بؤس الاحتجاج أدى الى عدة نتائج، وهي: استمرار ملاحقة أبناء التيار الإسلامي حتى بعد الحظر، والملاحقة التي أعقبت الحظر لم تكن اقل شراسة من الحظر نفسه، وذلك هو سبب مباشر باعتقادي من بؤس الاحتجاج في اللحظة التاريخية للحظر. ومن تداعيات بؤس الاحتجاج استمرار التضييق على العمل السياسي الفلسطيني في الداخل، عبر تشريعات قانونية، وملاحقات سياسية، وعودة الى ممارسات اعتقدنا انها انتهت من المشهد السياسي، مثل عودة الاعتقالات الإدارية، والتعامل معنا بأدوات تتعامل فيها إسرائيل مع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967”.
وأشار الدكتور مهند إلى أن الحكومة الإسرائيلية “تتخذ سياسية كسر قواعد اللعبة التاريخية التي حكمت العلاقات بين الدولة والفلسطينيين في الداخل، ورغم ان قواعد هذه اللعبة لم تكن عادلة أصلا، الا ان التنازع بين الطرفين تم من خلال هذه القواعد، كانت العلاقات التنازعية بين الطرفين تصل في الكثير من الأحيان الى اقصى هذه القواعد الا انها لم تكسر وخاصة منذ منتصف التسعينات. وتشكل لحظة حظر الحركة الإسلامية كسر لقواعد اللعبة السياسية بين الطرفين من طرف الحكومة الإسرائيلية، ونتنياهو ماض في تكسير كل قوانين اللعبة، التي هي مرة أخرى غير عادلة، فهو يستحضر الفلسطينيين في الداخل كأعداء، والفرق بين اليمين واليسار الصهيوني التاريخي في هذا الشأن هو واضح، فاليسار يميز ويقصي العرب من خلال تغييبهم، ونتنياهو يحرض على العرب من خلال استحضارهم الدائم. الحكومة الإسرائيلية تريد حسم مسألة الفلسطينيين في الداخل، والحظر هو مركب أساس من الحسم، مرورا بقانون القومية، وإبقاء حالة العنف مستشرية تمزق المجتمع الفلسطيني، وإبقاء سؤال المواطنة في حالة من التهديد الدائم للابتزاز السياسي، كاقتراح ضم المثلث لسلطة فلسطينية، او استسهال سحب مواطنة فلسطينيين وغيرها”.
الأستاذ عبد الحكيم مفيد: حظر الحركة الإسلامية أدى إلى تراجع ملحوظ في العمل السياسي والشعبي في الداخل
وفي تعقيبه على تداعيات حظر الحركة الإسلامية، قال الإعلامي والقيادي الإسلامي في الداخل، عبد الحكيم مفيد لـ “موطني 48”: “أولا يمكن ملاحظة غياب الحركة الاسلامية التي نشطت بالأساس في العمل الشعبي، وهو ما يلاحظ من خلال تراجع هذا النشاط بشكل ملحوظ وواضح. ومن المفارقات ورغم عدم وجود الحركة الاسلامية في الكنيست فان هناك تراجعا حتى في العمل البرلماني، حيث فرضت الحركة الاسلامية سقفا مرتفعا للعمل، وطرحت تحديا على الجميع، هذه ديناميكية العمل السياسي والشعبي والوطني، حضور وغياب أطر واحزاب وحركات يفرض انماطا من العمل، الحضور والتنافس له انعكاسات على العمل، ومن يعمل وينشط لوحده، فلا احد يقرر أدوات العمل دون الاخذ بعين الاعتبار ما حوله. وفقط لنبين المقصود، فالقائمة المشتركة مثلا انهت العمل الحزبي لمركباتها كل على حدة، اختفى التنافس الذي كان يدفع الاطراف للعمل من باب التحديات التي يطرحها الاخرون، هذه هي طبيعة العمل السياسي”.
وتابع عبد الحكيم مفيد: “يمكن ملاحظة التراجع في فضية القدس والاقصى، واقصد العمل المتواصل على مدار السنة، والمهرجانات التي كانت تخص القدس والاقصى، وتحديدا مهرجان الاقصى الذي تحول لحدث عالمي على مدار السنوات، وأضاف قيمة معنوية لقضية القدس والاقصى. كذلك على مستوى العمل الشعبي، والخدماتي فقد كان لغياب المؤسسات التي تم حظرها في المجالات المختلفة اثر كبير وواضح .أهم غياب كان في تقديري هو غياب النهج والطريق، فالحركة الاسلامية عملت كلية خارج الكنيست وبمعزل تام عنها من حيث السقف، والكنيست كان وما زال يكبل المشروع الوطني والحضاري الفلسطيني في الداخل، يفرض عليه شروطه وقوانين اللعبة، والنتائج أمامنا، هذا اهم ما يجب الالتفات له بعد الحظر”.
الأستاذ عبد الحكيم مفيد
وأشار مفيد إلى أن “حظر الحركة الاسلامية كحدث مفصلي ومركزي في الحياة السياسية للفلسطينيين في الداخل لم يرتق الى المستوى المطلوب.لا من حيث فهم اسقاطاته ولا من حيث أبعاده المستقبلية، ومرد ذلك في تقديري ليس الى غياب ادوات نضالية، بل الى ترد الحالة السياسية وغياب الاستعداد لمواجهة الحالة”.
وقال إن “غياب المواجهة يرتبط بالحالة السياسية الجديدة، صعود اليمين الديني، وغياب النضال الشعبي، وانحصار العمل السياسي في القائمة المشتركة ،من المهم ان نلتفت ان حظر الحركة جاء في مرحلة تراجع سياسي ووطني، وانحسار في العمل الجماهيري والشعبي وارتفاع شان مرحلة “النضال الإلكتروني”، في مرحلة تفكيكية علا بها شأن الفردانية التي اتاحتها شبكات التواصل بشكل غير مسبوق، وأوصلتها ذروة لم تصل اليها من قبل. ودائما هناك علاقة بين المناعة الاجتماعية والوطنية، والتفاعل مع الاحداث التي تتفاعل معها، هنا نحن لا نشاهد المسألة السياسية التي نحن بصدد الحديث عنها بمعزل عن الحالة الاجتماعية، فالسياسة هي نتاج الحالة المجتمعية اولا واخيرا وقبل كل شيء، كلاهما ينشطان في ذات الحقل بتفاعلية مستمرة.”
وتابع: “ما يجب ان يقلقنا بشكل جدي ليس ردة الفعل الفاترة على حظر الحركة الاسلامية وهو امر مقلق طبعا، بل الحالة التي انتجت ردة الفعل، واقصد المناعة المجتمعية والوطنية، فعلى قدر اهل العزم تأتي العزائم. يجب ان نعترف ان اهتمامنا المبالغ به في السياسة تاريخيا، جعلنا لا نلقي اهتماما للحالة الاجتماعية والقيمية والاخلاقية، ومنسوب الاخيرة هو الذي ينتج التفاعلات وردات الفعل .الامر بالمناسبة لا يخص حظر الحركة الاسلامية فحسب، ما يحدث في النقب، حالة العنف، هدم البيوت، القوانين الخطيرة التي تم سنها في الثلاث سنوات الاخيرة، التي تخص وجودنا عامة، وليس وجود حركة، كل هذه لم ترتق الى الحد الادنى من ردات الفعل، الملفت للنظر ان ردات الفعل والحديث عن قضية التناوب في القائمة المشتركة، اعتبرها البعض ذات اهمية تفوق قضايا أخرى.”
وختم الأستاذ عبد الحكيم مفيد قائلا: “بالنسبة للمستقبل سأختصر المسألة بالقول بدون العودة للعمل الشعبي والجماهيري، بدون اعادة الجماهير الى المقدمة، بدون التواصل معها لم نتمكن من التقدم كما يجب، وقد آن الاوان الهبوط بمظليات حقيقية من الواقع المفترض، على شبكات التواصل، الى حيث يعيش الناس وهمهم، الواقع، بمعنى علينا االتخلص من عالم الـ facebook والنزول إلى عالم الـ face to face”.
موطني 48