الرئيسية / مقالات
عبد الناصر عيسى، فصول الحكاية في زنازين المؤبد
تاريخ النشر: الأربعاء 22/11/2017 19:43
عبد الناصر عيسى، فصول الحكاية في زنازين المؤبد
عبد الناصر عيسى، فصول الحكاية في زنازين المؤبد

كتبت سرين عاطف
مررتُ على زنزانةٍ أحاكي فيها حياة الأسر فردّني عنها قانون الأعادي وجأشهم،
قلتُ لا بأس أعيدي النظر إليها ثانية و نظرت، فماذا ترى في السجن حين تزوره؟ ترى ما لا تستطيع كل نفسٍ احتماله، ترى روحاُ مُلئت صبراً بقوةِ جبل صامد بوجه ريحٍ تسعى لهدمه فلا تستطع، ترى إيماناً عظيماً غطتهُ تلك النافذة الصغيرة وحاكته مخاطبةُ فيه السماء، ترى أربعة جدران يملؤها الظلام ووحده ضياء القرآن بيده ينير كل عتمته، أيّ نوع من الصبر الذي يعايشه ذلك السجّان أمام جبروت هذا القيد؟ وأيّ قوةٍ تُحتمل ليعايش كل هذا العذاب؟ أوَ هل حقاً أسميه عذاب؟ لا واللهِ؛ إنه أسمى من كل هذه العذابات.
عبد الناصر عيسى الذي يبلغ من العمر "48 عاماً" من مخيم بلاطة في محافظة نابلس، يدخل اليوم 22/نوفمبر عامه 23 في سجون الإحتلال، وكان قد تعرض للعديد من الإعتقالات في الثمانينيات وخلال هذه الفترة صدر عليه الحكم 30 شهراً وتم هدم منزله بالإضافة إلى العديد من الإعتقالات التي تعرض لها في بداية التسعينيات، حتى تم اعتقاله في 1995 وحُكم عليه بالسجن المؤبد مرتين، هذا العام الذي أنجبني للحياة والذي سيبقى يذكرني برجل مناضل، ثائر، دفع حياته ثمناً وحباً للوطن وللأرض.
وخلال السنوات الأخيرة التي عاشها عبد الناصر في الأسر لم يتمكن من رؤية والديه اللذان وافتهما المنيّة قبل أن يلتقيا بفلذة كبدهما، واستمر الإحتلال بمنع عائلته من زيارته لفترات طويلة والمكونة من تسعة أشقاء، ويذكر أن والده كان أسيرا سابقاً وتم اعتقاله أكثر من مرة مدة تسع سنوات، فماذا بعد هذا الشقاء شقاء؟، وكيف لي أن أسميه شقاء؟ بل إنه ألذّ مراراً على إنسان تحمل كل هذا المُر في بعده عن أهله صابراً محتسباً لوجه الله.
بالرغم من ذلك، لم تقف حياة عيسى عند السجن المؤبد وحسب، بل تابع مسيرته التعليمية حتى وهو في الأسر، حيث حصل على البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى درجة الماجستير في الدراسات الديمقراطية، وتمكن أيضا عام 2014 من الحصول على درجة ماستر في الدراسات الإسرائيلية حتى أصبح عضوا في الهيئة التدريسية في الأسر، ويقبع حالياً في سجن ريمون.

هؤلاء الرجال الذين أفنوا حياتهم وأعمارهم من أجلنا لا ينتظرون منا أن نذكرهم، فالأرض بكل حبة رمل فيها تذكرهم و تشهد على أفعالهم وتضحياتهم، فكما حبات المطر التي تتساقط من أعالي السماء، وبجموع الحجّاج وأعدادهم في عرفات، سيخرج قاداتنا الصابرون، المرابطون من السجون سالمين برحمة الله وقدرته وحده، مزفوفين إلى أحضان أهاليهم على أجنحة الملائكة، تبتسم لهم الأرض والسماء بما رحُبَتْ.

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017