لم تكتفي حكومة "نتنياهو" الاستيطانية بامتياز، ببناء الآف الوحدات الاستيطانية في مختلف مستوطنات الضفة الغربية، وعلى مدار الساعة، فراحت تتحدى الشعب الفلسطيني وقياداته والمجتمع الدولي، وتعلن عن مشروع لإنشاء مسار سياحي تهويدي يأكل ما تبقى من الأخضر واليابس، ويزور التاريخ والحضارة والتراث الفلسطيني.
مصادقة حكومة "نتنياهو" على المسار السياحي يعني الإنهاء التام والإجهاز على إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف، فكيف يمكن لدولة ما، أن تقبل بإنشاء مسار سياحي لا يتبع لها، ويزور تاريخها وتراثها وآثارها!؟
المسار السياحي سيخترق الضفة الغربية ومدينة القدس وهضبة الجولان السورية، وكل منطقة يرغب الاحتلال بتهويدها، وتزوير تاريخها، وهو ما يعني مواصلة الاستيطان، وضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لاحقا، عندها لن يجري الحديث عن إقامة دولة فلسطينية، بل عن إقامة دولة للمستوطنين، وسيجري الحديث والتفاوض على حدودها لاحقا.
ما يسمى بوزير السياحة في كيان الاحتلال" بريف لفين" قال بان المسار سيعبر مدينة القدس القديمة شمال الضفة الغربية، وأماكن حافلة بالتاريخ اليهودي بحسب مزاعمه، وقد يدعوا أن القبور والمقامات الإسلامية عبارة عن مقامات لأنبياء اليهود في العصور الغابرة كما جرى في بلدة كفل حارس شمال سلفيت.
يريد "لفين" بحسب تصريحه الاستفادة من الموارد الطبيعية، من خلال تسويقها في جميع أنحاء العالم كوجهة سياحية، وكأن الآثار الفلسطينية صارت مورد دخل للاحتلال على حساب الفلسطينيين وتاريخهم وتراثهم وآثارهم.
افتتاح المسار التهويدي سيكون مع احتفالات كيان الاحتلال في الذكرى السبعين على احتلالها للأراضي الفلسطينية، وكأن العالم المتحضر في غيبوبة، فكيف تكون هناك احتفالات ظلامية كلها شرور، على حساب حقوق وتاريخ وموارد الشعب الفلسطيني!؟
منذ نشأة الكيان الاحتلالي وهو يسعى لتزوير الأماكن الأثرية الفلسطينية، ويسعى منذ سنوات إلى جذب السياح الأجانب إلى الضفة الغربية المحتلة، عبر وضع اليد على مواقع أثرية عربية وإسلامية وتهويدها والترويج لها على أنها مواقع يهودية، فالمسجد الأقصى يروجون على انه بني مكان هيكل سليمان، مع أن كل محاولات التنقيب على الآثار أثبتت أن لا وجود لمثل هذا الهيكل المزعوم في القدس المحتلة.
المسار السياحي تحت مسمى سياحة سيلتهم ويفكك الضفة الغربية، وقد يعزل مناطق عن مناطق أخرى، ويمنع أصحاب أراضي من دخول أراضيهم، وكله بحجة السياحة وحفظ امن السياح الأجانب واليهود.
المستوطنون يسيطرون ألان في الضفة الغربية على مناطق كثيرة جدا، ويتجولون بحرية في أماكن أثرية وينابيع طبيعية وأثرية في الضفة الغربية، برفقة أدلاء سياحيين من المستوطنين، طبعا وفي شرحهم لا ذكر ولا مقام لأي تاريخ أو حضارة سوى تاريخ اليهود.
في كل الأحوال لن يجدي الاحتلال نفعا، تزوير الأماكن التاريخية ولا تهويدها، وكل ما يحصل من محاولات لصناعة تاريخ مزيف ومصطنع، لن تغير الواقع والتاريخ ولا الآثار ولن تضيع الحقوق، ولن تغير ذاكرة الشعوب، ومن يربح الحرب في النهاية ليس من فبرك وكذب واصطنع تاريخ وزيفه، بل من صدق وضحى وقدم لوطنه، وثبت ورسخ فوق التراب والوطن منذ مئات وآلاف السنين، وما على العابرون سوى الرحيل، عاجلا أم آجلا.