لا حاجة بنا للقول بان قرارا كهذا ، هو انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ( مجلس أمن وجمعية عامة) ومواقفها التقليدية الثابتة بشأن مكانة ووضع القدس الخاص ، باعتبارها مدينة وأرضا محتلة، وبتأكيد لجانها وهيئاتها ووكالاتها( الامم المتحدة) المختلفة ( بما فيها اليونيسكو ومحكمة العدل في لاهاي، ..)، دائما، بأن كل ما اتخذته حكومات وسلطات الاحتلال من إجرءات وما أحدثته من تغييرات منذ العام 1967 هو باطل وغير شرعي ، ومناقض للقانون الدولي، وحتى للاتفاقيات الموقعة. ولا حاجة للقول بأن هكذا قرار يسير في اتجاه يعري استراتيجية التفاوض والسلبية الفلسطينية الرسمية، ويسقط عنها آخر أوراق التوت ! وعليه فإن المطالبة باستراتيجية مختلفة هي في محلها، وبأنه أيضا آن الأوان لإجراء مراجعة نقدية موضوعية وشاملة لنهجنا واستراتيجية العمل الوطني بعامة.
أقول اعتبارا من اليوم ، فإن علينا نحن في فلسطين (قيادة وشعبا) ، التوقف والإقلاع عما اتبع حتى الان وعبر العقدبن الأخيرين من نهج ومواقف سياسية ، بما في ذلك المواقف الدبلوماسية والنهج الاعلامي، الرسمي منها والشعبي: الخجول منها والمتردد أو.. فها هي القيادة الفلسطينية لم تترك أسلوبا دبلوماسيا هادئا وحصيفا ان شئت ، إلا واتبعته. ودعونا نسلم بأن ذلك كان من منطلق المسؤولية ، والحرص على عدم دفع سياقات الأمور الى مواقع نقاط اللاعودة : سواء لجهة الإبقاء على علاقة ، وشعرة معاوية، مع الإدارة الأميركية، ودول أوروبا، وغيرهما، أملا في إنجاز حل أو تسوية، أو لجهة إظهار الالتزام بالاتفاقيات، والقدرة على ضيط ايقاع الشارع ، لدرجة إظهار القدرة على صياغة أجندته العامة واليومية!. وهنا لابد من القول بأن القيادة كانت دوما تحول دون ايصال الأمور الى حد الصدام أو الانفجار. ذلك بانها تؤمن بنهجها ( التفاوضي والسلمي..) في مواجهة تحدي وإجراءات الاحتلال ، بما في ذلك مواصلة الحوار مع ألوان مختلفة من الطيف السياسي الاسرائيلي، دون انقطاع. هل كان ذلك كله لنقول للعالم بأننا طلاب سلام، وتعايش؟ وبأننا قادرون على "تسليم البضاعة" ،و..و..الخ؟ ولكن ماذا كانت النتيجة؟ وما هو حصاد كل تلك السياسات والمواقف الرسمية؟ سيقول قائل : ألم ننجح بهذه السياسة الناعمة أن نستصدرقرارات مهمة من قبل اليونيسكو ومجلس الأمن ( خصوصا قرار 2334) وفتوى محكمة لاهاي وغيرها عشرات القرارات السنوية من قبل الجمعية العامة؟ ألم ننجح في "انتزاع" قرار عضوية فلسطين كدولة مراقب في مجتمع الأمم؟ نعم ، هذا صحيح! ولكن في المقابل ( وهذا ليس جرد حساب شامل ، وإنما مجرد أمثلة!)، ماذا كان الحصاد على الأرض؟ كم تضاعف حجم الاستيطان ؟ وكم هو عدد القرارات والقوانين الصهيونية التهويدية التي سنت واتخذت ( كقانون ما أسمي بشرعنة الاستيطان ، الذي بدأ سلطات الاحتلال بتطبيقه فعليا على الارض، وتطبيق قوانين صهيونية على المستعمرات ، وتغيير الطابع الجغرافي ، والسكاني في الضفة بما فيها القدس ، والتي كان آخرها إخراج شغفاط وكفر عقب وغيرها من بلدات خارج حدود ما يسمى بلدية القدس ، وما نفذ من مخطط القدس 2020، وما يحدث في سلوان والطور والشيخ جراح والتجمعات البدوية ، والأغوار من اقتلاع وهدم وتشريد، لتحقيق أغلبية يهودية في طول البلاد وعرضها ، وبخاصة في القدس، على أن الأخطر هو ما يحدث داخل الأقصى يوميا :بعد السماح لليهود باقتحامه والصلاة فيه وحتى عقود قران واداء طقوس وشعوذات فيه، والكاميرات، والحفريات ، وليست معركة باب الأسباط عنا ببعيد..الخ، وأخيرا وليس آخرا "قانون درب اسرائيل" بطول 1200 كم الذي يعني بأقل تقدير بسط "السيادة السياحية" على كامل فلسطين والجولان، مترافقا مع فتح الاحتلال لمعارك على المواقع الأثرية والدينية ( الاسلامية والمسيحية) وغير الدينية على مستوى الضفة من أقصاها : مقام يونس في حلحول، قبة بلال (راحيل!) فب بيت لحم، قبور وأضرحة ومقانات اسلامية في محافظة سلفيت ، وعقربا ، وآثار سبسطية ومقام يوسف في نابلس).
ولكن قد ينسى أصحاب هذا القول بان قرارات أكثر أهمية أو بأهمية مكافئة ( سواء لجهة توقيتها أو مضامينها)، نجح شعبنا في انتزاعها سابقا وبندقيته مشرعة ، وبقوة مثل : قرار اعتبار م. ت. ف الممثل الشرعي لوحيد للشعب الفلسطيني عام 1974، ودخول عرفات ببندقيته وزيه العسكري المقاتل، وما لاقاه من ترحيب واستقبال حار من العالم بأسره رغما عن أنف اميركا وحليفها الصهيوني ، وقرارات الا عتراف بحق شعبنا في تقرير المصير ، واعتبار الصهيونية شكل من أشكال العنصرية وغيرها العشرات من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة واليونيسكو ، ومعظم وكالات الامم المتحدة.
وبكلمة واحدة ، وباعتراف أو بتنكر أو صلف أطراف العملية التفاوضية التي استمرت لعقدين :أن حل الدولتين ( وهو الأمل والوعد الذي احتجز أو أوقف خيارات شعبنا وبدائله..) قد مات!! إذن ماذا تبقى لنا ( قيادة وشعبا)؟ ماذا تبقى من الارض ، ومن المقدسات ، ومن هوامش للمناورة؟ أما الشعب ، وكما شأنه دائما ، وكأي شعب يكابد احتلالا عنصريا إجلائيا إحلاليا، فقد أثبت امتلاكه لمخزون لاينضب من الإرادة والقدرة على الصمود وتجديد الهمة والانتفاض: وما هبة القدس ، ومعركة الأمعاء الخاوية الأربعينية الأخيرة، ومعركة أبواب الأقصى ، وحتى هبة قرية قصرة الصغيرة المعزولة، الا من ارادة اهلها، وغيرها ما يؤكد أن الشعب الذي أبدع انتفاضاته السابقة وعلى رأسها الانتفاضة الشعبية الكبرى لعام 1987، هو نفس الشعب الذي يختزن معينا لاينضب من الإرادة وطاقة متجددة وقدرة على التحدي والإبداع وخوض الصراع!
وأما القيادة فلن نبالغ بالقول ان قلنا بانها تقف اليوم على مفترق طرق: فإما أن تفشل او تتقاعس في إدارة معركة القدس الجديدة التي ستنفجر اليوم، وبذلك تعلن عن عزلتها وانتهائها سياسيا!، وإما أن تستعيد زمام المبادرة التاريخية وتلتحم بالجماهير صفا واحدا في التصدي لأي تغيير تاريخي في مكانة ووضع القدس سواء تمثل ذلك عبر نقل سفارة أو غير ذلك، ومواجهة تبعات ذلك بكل شجاعة وثقة ، وعلى كل الجبهات والساحات!
وكخطوات سريعة أولية في مواجهة الصلف والقرار الأميركي التآمري، فانه على الكل الفلسطيني ، ومعه جماهير الأمة وأحرار وشرفاء العالم:
1) إعلان انتهاء الانقسام :اعلان حركتي فتح وحماس فورا وبدون لبس ، انتهاء الانقسام وكل ذيوله ، وعبر مؤتمر صحفي موحد بمشاركة جميع فصائل العمل الوطني، يؤكد على ان الحركتين قد أصبحتا مع بقية الفصائل كلا واحدا في مواجهة القرار الاميركي ، ومجمل السياسات الصهيونية ، الساعية الى تصفية قضية شعبنا الوطنية. وهذه الأوقات هي التي تختبر فيها الأطراف بمدى تحليها بالمسؤولية الوطنية وتحملها لتبعات ذلك!
وعلى الشارع ان يقول كلمته اذا إخفق المعنيون !
2) إغلاق جميع السفارات والقنصليات والممثليات والمراكز الثقافية والتجارية الأميركية، والممثليات الصهيونية في جميع الدول العربية والإسلامية، بقرار من الجماهير، ومنع موظفيها من الوصول اليه، حتى إشعار آخر.
3) مطالبة الدول العربية والاسلامية الى قطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية والعسكرية مع الولايات الامبريالية الاميركية.
4) منع دخول المواطنين الأميركيين لأي بلدة أو جامعة أو مؤسسة فلسطينية، حتى إشعار آخر.
5) وقف جميع الاتصالات الدبلوماسية والسياسية الفلسطينية بالطرف الأمريكي.
6) مقاطعة البضائع الأميركية على مستوى الوطن العربي و العالم الاسلامي.
7) دعوة الدول العربية والاسلامية المصدرة للغاز والبترول الى الولايات الاميريكة الى حظر تصديره اليها ودعوة العمال في تلك البلدان التوقف عن كل نشاط تجاري مع أميركا، وبخاصة في الموانئ والمطارات.
8) إطلاق التكبيرات ، وأناشيد الثورة ، عبر مكبرات الصوت في مساجد وكنائس فلسطين، ومساجد والكنائس في البلاد العربية والاسلامية. ودعوة حلماء الامة وخطباء المساجد ووعاظ الكنائس الى القاء خطب تدين التوجه والسياسة الاميركية العدوانية، وذلك بشكل متواصل وليس بصورة موسمية أو متقطعة.
9) خروج جماهير الشعب الفلسطيني من المساجد والمدارس والجامعات الى الشوارع بمظاهرات حاشدة وغاضبة، ودعوة امحافل والمنتديات السياسية والفكرية والاكاديمية والادبية والاعلامية والفنية، كافة لاصدار مواقف واضحة وحاسمة تجاه الخطوة والسياسة الاميركية بعامة.
10) وأخيرا أتمنى أن يخلع القادة الفلسطينيون البذلات ، وكل ما يمت للتماثل مع الاميركيين ، وان يرتدوا إما زي الشهيد ياسر عرفات ابوعمار وكوفيته ، وبنفس الطريقة، أو بذلة السفاري ( أي زي الشهيدين ابو جهاد وابواياد)، وخصوصا لدى ظهورهم على شاشات التلفزة، وان يشارك هؤلاء بقيادة المظاهرات الغاضبة.