لندخل إلى متن المقال مباشرة دون مقدمات، بدأت أشعر وتشعرون في الآونة الأخيرة بحالة الإحباط العالية التي يعاني منها الشارع الفلسطيني على كافة الأصعدة، وهذا طبيعي بعد الكم الهائل من التراكمات السلبية والفشل في مجالات مختلفة هنا وهناك، لكن لم أكن أتخيل أن هناك من وصل إلى حالة الكُفر بالوطن.
ذلك جعلني أكتب على صفحتي بموقع التواصل الاجتماعي على الفيسبوك: "الناس اللي مش عاجبتها البلد.. الفيزا عليك والتكت علينا". خلق التعليق حوارات وآراء مختلفة ما بين الأصدقاء في فضاء العالم الافتراضي، وكان أجمل ما في التعليقات أن الجميع يعشق فلسطين على الرغم من كيفية التعبير عن حبه ورأيه أو التفاعل مع آراء الآخرين، ومن المحزن الحالة التي وصلنا لها كشعب والدوامة التي نحاول الخروج منها بأقل الخسائر.
هناك فرق كبير بين نقد الأفعال، المشاهدات اليومية، وحتى الأشخاص، وبين الكُفر بالوطن. من حق كل مواطن فلسطيني أن ينتقد الواقع الذي وصلنا له بأي أسلوب محترم نقداً بناءً؛ مع حريته الكاملة باختيار الأداة الملائمة، لكن أنا لست مع أي مَن كان بأن يكفُر بالوطن.
لا بديل لنا عن فلسطين، لا بديل لنا عن أرضنا وشعبنا. علينا عدم تحميل الواقع المعتم الذي وصلنا له للشعب الفلسطيني، رغم آلاف الملاحظات على السلوك وتوجهات البعض، رغم قصص الفساد التي نسمعها هنا وهناك، رغم مرارة ما نشرب وعلقم ما نأكل يومياً، وما يسببه ذلك من حالة مغص وغضب نصل به حد الانفجار كالبركان، إلاّ أنه لا بديل لنا ولا خيار سوى أن نصمد ونواجه السلوكيات السيئة كما نواجه الاحتلال.
بكل تأكيد الحياة في باريس ليست مثل الحياة في خان يونس، وأسواق لندن ليست كأسواق جنين، ومياه يطا ليست كمياه أنطاليا، ومعالم رام الله ليست كمعالم برشلونة، وشوارع رفح ليست مثل شوارع روما، ومستشفيات برلين ليست كمستشفى طوباس. لكن هل علينا أن نهاجر؟! هل علينا الهروب؟!
كل ذلك يعطينا الحق بالوجود والصمود، وأن نعمل، كل في موقعه، لمواجهة الأفعال والتصرفات المختلفة التي تضر بمصلحة الوطن والمواطن، وألا نقف مكتوفي الأيدي ونكتفي بالمشاهدة ولعن الظلام وشتم البلاد، وإسقاط مفاهيم وتجارب خاصة على واقعنا غير الطبيعي بالأساس. فلسطين بحاجة لمن يُشمر عن ذراعه، ويحرث رغم كل الصعوبات والحجارة التي تقف عائقاً في وجه عملية الحرث.
قرأت ذات مرة عبارة تقول: "الوطن ليس فندقاً نغادره عندما تسوء الخدمة"، وبالتأكيد أيضاً ليس سوقاً ولا نحن عبيد نباع ونشترى على حساب لقمة العيش وحبة الدواء. لنحاول زراعة الأمل رغم كل الظلام المحيط بنا، فلا خيار لنا سوى أن نصمد في مواجهة الفساد والاحتلال فهما وجهان لعملة واحدة.