كتبت: تسنيم ياسين
فروش بيت دجن، أصداء-- بينما كان يلاحق أغنامه، جاءه فريق أصداء، كالمعتاد على الفرق الإعلامية بدأ حديثه: "نعاني من كل شيء، من أين أبدأ؟ في البداية الاحتلال يضيق علينا أنفاسنا، أنا لا أملك إلا مساحة بسيطة أرعى بها أغنامي، وإن سهوت قليلاً سيأخذونني ويتركون الأغنام وحدها تضيع مني. يكفي أن الأراضي المجاورة مزروعة للمستوطنين وهو ما يبرر العقوبة.
أما المياه فهي معاناة أخرى، فنحن نعاني من الجفاف في الصيف والغرق في الشتاء، يحرمنا الاحتلال من مصادر مياهنا، وفي الوقت نفسه يعطل أي خطة لبنية تحتية تنقذنا من الغرق".
حكمت نصاصرة، مالك ماشية في قرية فروش بيت دجن في الأغوار الفلسطينية، هو مثال واضح على المعضلة التي يعيشها سكان الفروش بسبب الاحتلال الذي يضع الأغوار الفلسطينية نصب عينيه، فأي سقف يرتفع من بيوت السكان يهدد بهدم قادم لا محالة.
"لا نستطيع القيام بأي شيء، لا أحد يعوضنا، أنا لا أريد مأوى للحيوانات، ما أريده مأوى لأبنائي!"
مأوى زوجه وأبنائه الستة لا يتعدى كونه مجموعة من الأكياس والأخشاب المجمعة، المتراكمة بعضها فوق بعض، لكن هذا الحال لم يمنع زوجته من استقبال الزائرين.
"حياتنا تعتمد على الغنم، وعدد من الخرفان، ولو كان الاحتلال يسمح لنا بالبناء لبنينا فلا أحد يصبر على وضع كهذا، لكن ما باليد حيلة فإن وضعنا حجراً زائداً سيهدمون منزلنا". تقول زوجه.
فروش بيت دجن هي قرية ضمن الأغوار، قبل عام 1967 كانت مساحتها تصل إلى 13 ألف دونم، لكن الاحتلال صادر أكثر من 11 ألف دونم ليتبقى للسكان ما يقارب الـ3 آلاف دونم لا يمتلكون حرية التصرف فيها.
تفتقر القرية إلى أدنى أركان البنية التحتية، وما هو موجود إنما هو من إسهامات السكان المحليين الذين بسبب الوضع المتردي اضطر عدد كبير منهم للرحيل ليتبقى ثلاثة آلاف نسمة.
رئيس المجلس القروي توفيق الحاج محمد يقول: "الوضع المتردي للبنية التحتية لا يسمح بوجود سكان هنا، معظم الباقين إنما هم من الشيوخ وكبار السن، فما من شاب يستطيع البقاء هنا، وهم معذورون".
يحد القرية ثلاث مستوطنات هي الحمرا التي تأخذ من القرية ما يقارب الثمانية آلاف دونم، ومستوطنة مخورا التي تسرق ثلاثة آلاف دونم، ومعسكر آخر للاحتلال.
البناء الموجود قبل عام 1967 غير مسموح للأهالي ترميمه، أما البناء الجديد فهو إعلان معركة جديدة مع الاحتلال في محاكمه، فلجنة التفتيش تدخل إلى المنازل تصورها مع الإخطار ثم تعود أدراجها، فإن انتبه صاحب المنزل يمكن له أن يعترض، وإلا فإنه سيفاجأ بالهدم دون إنذار مسبق.
يقول الحاج محمد: "الهدم متعدد ومتكرر، فما لا يقل عن 300 حالة هدم في الفترة الأخيرة، بالإضافة لمصادرة الكرافانات التي كان آخرها اثنين خلال الشهر الماضي".
هذه القيود جعلت من كل بناء باق ثروة وانتصاراً للأهالي، ومن ذلك المدرسة الوحيدة الموجودة في القرية، والتي حصلت القرية على ترخيص بنائها عنوة، لتنقل القرية نقلة نوعية وتنقذها من مخطط التجهيل.
يهدمون البيوت فتؤوي صاحب البيت بيوت الجيران، لكن معضلة المياه في الأغوار الفلسطينية هي أشد وطأة، فالسكان في معظمهم مزارعون وهو ما يضاعف معاناتهم مع المياه الشحيحة.
يحدثنا عازم الحج محمد نائب رئيس المجلس: "الاعتداء على الأحواض المائية على أشده، من تخريب وسرقة أحواض، والآن ما لا يقل عن 7 آلاف دونم من أراضي الأغوار مهددة بالتصحر، قبل عام 1967 كان لدينا تسعة آبار تغذي القرية لكنها اليوم لا تتعدى الأربعة آبار وهو ما يحد من قدراتنا الزراعية".
قطاع الزراعة تكبد خسائر فادحة، فقطاع الحمضيات الذي كانت القرية تجعله علامة لها، لم يعد له اليوم وجود بسبب شح المياه ولجوء المزارعين إلى الزراعة في الدفيئات الزراعية لتقليل الاعتماد على المياه.
جفاف المياه يقابله فيضانات تغرق الزرع والبيوت وتزيد الخسائر فداحة، فالبينة التحتية الضعيفة في القرية وعوائق البناء جعلت من الأمطار نكبة سنوية، خاصة أن الأرض تنخفض 200 متر عن مستوى سطح البحر.
بين حين وآخر يبدأ الاحتلال تدريبات عسكرية في الفروش، يقول توفيق الحاج محمد: "التدريبات تضرنا بشكل كبير، فهي تسبب الرعب لأطفالنا والخوف، خاصة أنها تدريبات من كل الأنواع، كذلك يؤثر سلباً على التربة والمحاصيل الزراعية".
المواطن في الأغوار يعتبر بقاءه مقاومة، ويبقى هنا المجال مفتوحاً للجهات الرسمية كي تعزز صمود الأهالي وبقاءهم خاصة في ظل شكواهم من غياب الدعم أو أي تعويض للمزارعين عن الخسائر.